حينما يطلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مقترحات وأفكاراً يستأنس بها وهو مقبل على أمر ينوي تبنيه، فذلك ديدنه، في إشراك المتنورين أُولي الرأي والنُّهى في كل ما من شأنه الدفع بعجلة التطوير والنماء، سواء على مستوى دولة الإمارات أو على الصعيد العربي عامة، وما تلك الدعوة إلا إشارة عزم ونية نافذة إلى أرض الواقع طال الزمان أو قصر.

وفي هذا السياق فإنه طلب أخيراً عبر تغريدات في تويتر من جمهور المثقفين وقادة الفكر بأن يدلوا بأفكارهم من أجل «استئناف الحضارة» العربية الإسلامية، وذلك للتعاطي مع أهمها وأجداها، ضمن فعاليات القمة الحكومية التي تنطلق في دبي وتستمر حتى 14 فبراير الحالي، بمشاركة آلاف المفكرين، بحثاً عن أنجع السبل لتحقيق التنمية الشاملة في وطننا العربي والعالم أجمع.

ورقة هامة منتظرة

ورقة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، المتوقع استعراضها ضمن أعمال القمة اليوم ستتناول الأفكار البناءة والعملية باتجاه استئناف مسيرة حضارتنا التي قادت البشرية قاطبة نحو النور والخير والنماء، على مدى قرون، الأمر الذي شهدت به دوائر المعارف والعلوم في الغرب والشرق، باعتبار ان مؤسسة مثل «بيت الحكمة» على عهد الخليفة العباسي المأمون في بغداد وأروقة العلوم والفكر في الاندلس، استطاعت أن تجسد كل معاني الاستنارة واحتضان العلم والعلماء من كل أجناس البشر، دون تفرقة أو تعال إلا على أساس الموهبة والعطاء الابداعي الذي أسس لسائر العلوم الحديثة، بدءا من اللوغرثمات وعلوم الهندسة والرياضيات وحتى الجراحة والكيمياء مرورا بهندسة العمارة والفلك والصناعات.

دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لاستئناف الحضارة، لا تعني أننا بلا حضارة اليوم، ولكنها ترمي لاستئناف دورنا الحضاري الحيوي الخلاق الذي يرفد مسيرة الحضارة الانسانية بإضافات نوعية وبإسهامات تحمل سماتنا وبصماتنا كما كنا في القرون الوسطى، وإننا لنستحق استئناف هذا الدور القيادي والريادي في ظل وفرة العقول العربية المهاجرة الى الغرب والتي تغذي تلك الحضارات الآن بعطاءات جليلة نحن أولى بها، على أن يتم استقطاب اسهامات ابنائنا العلماء البارزين حول العالم، في مشروع تنمية شاملة لأمتنا تمضي بها الى آفاق الازدهار والاستقرار ومن ثم إفادة الانسانية على مد الأفق.

«البيان» هنا تستنطق فعاليات وقيادات ثقافية مؤثرة لتدلي برؤاها في هذا الصدد الهام، إثراءً لمرامي الدعوة السامية «استئناف الحضارة» وفيما يلي آراؤهم:

تجربة ثرية

جمال بن حويرب، العضو المنتدب لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم يرى أن القمة العالمية للحكومات 2017 هذا العام تعد استثنائية، وسوف تشهد أكبر تجمع للخبراء والعلماء والمفكرين والرواد المتميزين في العالم في مختلف المجالات، ومبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لمناقشة استئناف الحضارة مبادرة على درجة عالية من الأهمية، خاصة في الوقت الحالي، لما لها من دور في دفع عجلة التطور والتنمية والإبداع علي المستوى المحلي والعالمي، والعمل بجد لبناء دولة ناجحة متفوقة، لافتاً إلى أن لسموه وللإمارات تجربة ثرية في هذا المجال فهو وهي خير نموذج للتحاور والعمل الحضاري، لذلك فهي على الطريق الصحيح لبناء حضارة عربية عالمية.

وعن استئناف الحضارة العربية الإسلامية يضيف بن حويرب: أن الإمارات مؤهلة لتمثيل رأس الرمح نحو استعادة أمجاد ماضينا العظيم وتمثله، والدفع بهذه الأمة نحو ما يليق بها من دور ريادي اهملته زمنا طويلاً وقد آن الأوان لاستئنافه بعزيمة جديدة وبرؤى مبدعة تنطلق من حيث انتهى الآخرون.

الحضارة لمن يسعى إليها

نجلاء الشامسي، أمين عام مشروع تحدي القراءة العربي تؤكد أن الانطلاقة تبدأ باتخاذ المجتمعات العربية قراراً جماعياً بضرورة استعادة ما ضاع منها، ومن هنا فإن مسؤولية استئناف الحضارة تقع على عواتقنا جميعاً، ولا يستثنى منها أحد، فالبناء العظيم لا بد له من قرار يوافق عظمته، فكيف إذا كان القرار هو استئناف حضارة أعطت الحضارات من حولها، وبعدها، ما ضمن ازدهارها وبقاءها. ولا يعيبها إلا تخاذلنا اليوم!

وتمضي نجلاء الى القول: هو قرار نجتمع عليه، ونعمل من أجله، كلٌ في مكانه وحسب تخصصه. فالصدارة الحضارية ليست أمنية فقـــط، فالأمنيات من الجميع، والفرق يحدث بين من يكتفي بالأمنيات وبين من يتخذ القرار، ويعمل عليه.

وفي رأي الشامسي: تتجسد البداية بفهم واقعنا فهماً عميقاً، نحدد فيه الخلل ولا يغيب عنا المسبب، هي خطوتنا الأولى تليها الرؤية الواحدة التي تلهمنا جميعاً فنسير معاً مستنيرين بها، لا نفترق ولا نخترق، ولكننا نواصل العمل بعقيدة من يعلم أنه الأجدر بالصدارة.

وفي مسيرتنا هذه علينا أن نعلم أن السماء لمن يحلق فيها، وأن الأرض لمن يعمرها، فلا يغيب عنا علم إلا سبقنا إليه من ينافسنا، ولا تفوتنا معرفة إلا وتصدرنا قائمة عشاقها، ولا يكون من الخلق صفة إلا وتمثلناها كباراً وصغاراً؛ فالحضارة لها معادلة نجاح لم تتغير منذ خمسة آلاف سنة، احــــتواها التاريخ وعلمنا أبجديتها، إنها لمن يســـــعى إليها ويـــعمل من أجلها.

تصدير الأمل

يقول حبيب الصايغ، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات: في الوقت الذي يتجه فيه الغرب وأميركا تحديداً نحو الانغلاق والانعزال، تصدّر دولة الإمارات العربية المتحدة الأمل لجميع الدول والشعوب.

ويتابع الصايغ: الإمارات وطن التسامح والتعايش وقبول الآخر، وبجملة القرارات التي صدرت أخيراً والتي تهدف إلى استقطاب العقول العربية، تثبت دولتنا أنها دولة انفتاح تنتصر للثقافة والعلم وقبول الآخر، ولعل العناوين العريضة والمتميزة التي عشناها وسطرنا خلالها إنجازات نوعية بدءاً من إعلان «عام الابتكار»، ثم إعلان «عام القراءة» حيث أصبحت القراءة هاجساً شعبياً على يد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وانتهاء بعام الخير الذي تخللته دعوة العقول العربية لاستئناف بناء الحضارة، كل ذلك يعكس أهمية دور الإمارات المحوري وانتماءها للمستقبل.

الأسئلة الأصعب

علي عبيد الهاملي، مدير مركز الأخبار في شبكة قنوات دبي قال: رغم الأوضاع المأساوية التي تمر بها معظم الدول العربية، ووسط هذا الظلام الذي يحيط بالأمة، يصر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على طرح الأسئلة الأصعب: «هل هناك فرصة حقيقية لاستئناف الحضارة في عالمنا العربي؟ وما هي الوصفة للعودة لطريق التنمية؟ هل نحن قادرون على إعادة صياغة مستقبل منطقتنا؟ لو كان من يطرح هذه الأسئلة شخص عادي، لكانت الإجابات أصعب من الأسئلة.

ولكن لأن من يطرح الأسئلة قائد ذو تجربة فريدة، قدم وما يزال يقدم نموذجاً غير مسبوق للقيادة الصلبة التي لا تؤمن بالمستحيل، بل وتحول الصعوبات إلى تحديات يتم قهرها، فإن الإجابة ستكون بلا شك موجودة عنده، ينتظرها الجميع بشغف ولهفة، ويتطلعون إلى مشاركة سموه الحوار، ليخرجوا بالحلول الأفضل، للنجاة من حالة الإحباط التي يعيشها المواطن العربي في الدول المنكوبة بقياداتها وأنظمتها السياسية التي أوقفت عجلة الزمن عند محطة لم تستطع الخروج منها، فنكبت شعوبها، وخربت أوطانها، وأوصلتها إلى قاع الهاوية، بعد أن كانت تقف على حافتها.

ويستطرد علي عبيد الهاملي: في إحدى تغريدات سموه الأخيرة نقرأ «لي تجربة شخصية في القيادة والحكم والإدارة، يطالبني العديد من المحبين بسردها ووضع خلاصتها أمام المسؤولين في العالم العربي لاستئناف الحضارة»، هكذا قال سموه، وهو يطلق دعوته إلى «حوار عربي حقيقي تنموي نتشارك فيه بأفكارنا وتجاربنا».

ولأن سموه الذي سيقود الحوار ويوجهه نحو وجهته الصحيحة، فإن الجميع سينصت بعمق إلى هذا الحوار، واثقين من شفافية سموه وصراحته التي عودنا عليها، لأن المجاملات لم تعد تجدي، ولأن القادة الصرحاء المحبين لأوطانهم وأمتهم هم الوحيدون القادرون على إخراجها من أزماتها. وهل ثمة قائد أكثر قدرة على مصارحة هذه الأمة، وتقديم طوق النجاة لها من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله.

دار الحكمة

أما إبراهيم خادم، نائب مدير مهرجان طيران الإمارات للآداب، ومدير تطوير الأعمال في مؤسسة الإمارات للآداب فيقول:«استجابة لدعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في إثراء الأفكار حول كيفية استئناف حضارتنا العربية، فإنني أؤمن يقينا بضرورة دعم حركة الترجمة العلمية التي بها استؤنفت حضارتنا العربية منذ مكتبة دار الحكمة في زمن المأمون، حينما بدأ الثراء الفكري والمعرفي بعد الاطلاع على ثقافة الآخر وهضمها، ومد جسور التواصل الحضاري مع الفلاسفة اليونان، وقد شملت الترجمات كل مناحي الحياة التي تضمن العيش الكريم للإنسان في أي مكان».

والمحور الجوهري الآخر الذي تنهض به الأمم وتندثر، يتمثل في منظومة القيّم والأخلاق التي تعزز مكانة الإنسان ودوره. ولله الحمد فإن في بلدنا الإمارات ثلاثا من أبرز تلك القيم وهي: التسامح والتعايش بين مختلف الثقافات، والسعادة المرتبطة بالأفعال النبيلة كالعطاء وعمل الخير وغيرها، والعمل الجاد وتعزيز قيمته في المجتمع.

خصائص

من أهم خصائص الحضارة العربية الإسلامية أنها عالمية الأفق والرسالة دون تفريق بين قوم وآخرين، فكل من بلغته دعوته فهو داخل في عموم خطابه، سواء عاصر رسالته أو جاء بعدها، سواء نطق بلغته أم لم ينطق بها، كما أنها عالمية؛ لأنها تعد الإنسان لمستقبل خالد، والاعتقاد بإله واحد. ولذلك كانت كل حضارة تستطيع أن تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد وأمة واحدة إلا الحضارة الإسلامية، فإنها تفاخر بالعباقرة الذين أقاموا صرحها من جميع الشعوب.

«#استئناف_ الحضارة» العربية يبدأ من هنا

لم تكن الحضارة العربية في يوم من الأيام حضارة منكفئة ومعزولة عن المحيط الإنساني، بل كانت في قلب العالم، ولم يكن لحضارة الأهمية التي انطلقت من الجزيرة العربية إلى العالم ناهلة من جذورها العربية، في بابل العراق، وسومر وآشور، وتدمر، هذه الحضارة التي خرج من أحشائها ابن رشد الفيلسوف القاضي والذي شرح لأوروبا الغربية فلسفة أرسطو، الذي وصفه شاعر إيطاليا العظيم «دانتي» بالقول: ما أعظمه شارحاً.

وابن طفيل صاحب ملحمة «حي بن يقظان» ومحي الدين بن عربي وعمر بن الفارض، وغيرهم من علماء وفلاسفة لم يكونوا في خيمة الذات القطرية بقدر ما كانوا في فضاء العالم، ينهلون ويمنحون، حتى أصبح للحضارة العربية سمة واسماً، وسماء وسيمفونية، تحرك على اثرها الوجدان الإنساني برمته.

ولم يتلاش الضوء عن هذه الحضارة، ولم ينطفئ نورها إلا عندما أصبح العرب طرائق قددا، وتحت تأثير الشيفونيين، والمتزمتين، والكارهين والعازفين على وتر الرواسب، والخرائب والمصائب والعواقب، المعضلة التي جعلتنا نعيش في ذيل الأمم.. اليوم ونحن نشهد هذا الانبعاث الضوئي الناصع والساطع، ونقترب كثيراً من حلم الأصفياء، والنجباء الذين أعادوا الحضارة المخطوفة، بإرادة الثقافة المفتوحة على الكون أو الرؤى الفلسفية الناهضة بالعقل القابضة على جمرة الحب الكوني، النابضة بدفق الموجات العارمات، المتدفقة وعياً إنسانياً صافياً، بقياً، بهياً، زهياً، عفياً.

وهذا هو الفارس، النابس، القابس، حارس نوايا النجوم الباسقة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ينهض من صلب الصحراء النبيلة، من قلب الإمارات الشهباء الأصيلة، لينحت في صدورنا وسام النهوض، ووسام بيت القصيد وأسمى العروض، منادياً بصوت وئيد، مستدعياً جل طاقات الإنسانية، من أجل عالم خال من الوهن والإحن، من أجل بشرية تشرق على جباهها شمس السعادة ممزوجة بثقافة شفافة، لا تمزق ولا تفرق، ثقافة تحدق وتصدق، ثقافة تطرق أبواب العالم بفكر لا يخض ولا يرض، بل يحض على العطاء والإبداع، ويفضي إلى مسامات الحضارة الإنسانية، يعززها بأمصال الحياة والمناعة القوية ضد ثقافة الكراهية وفكر الإقصاء والإلغاء، محمد بن راشد، أمل الأمة، وبارقة العالم، يشرف اليوم، بنجمات العطاء الفكري النير، وغيمات السخاء الثري، ليثري وجدان الناس جميعاً، بالحب، والتآخي، والتصافي، والانسجام، والالتئام، لأجل حياة مزدهرة بالنماء، زاهية بالانتماء. دعوة سموه لاستئناف الحضارة في المنطقة مبنية على وعي بأهمية أن الحضارة العربية في رفد العالم بمخزون تراثي غني بمعالم الحياة، كما أن هذه الدعوة تأتي من رجل قرأ العالم بعقل ثاقب، وقلب غني بالمناقب.

هذه الدعوة تأتي من مفكر وفيلسوف، الحكمة شيمته، والفطنة قيمته، وبعد النظر مبتغاه ومسعاه، إذاً نحن أمام مشروع حضاري ثقافي عملاق بقامة الرجل الذي يقدمه، ونحن أمام عصر تنوير حقيقي يقوده رجل مستنير.

الميكانيكا

كان يسمى هذا العلم عند العرب المسلمين علم الحيل النافعة، وقد ابتكروه وطوروه إلى درجة رفيعة من الإتقان. وكان الهدف من ذلك الاستفادة منه وتوفير القوة البشرية والتوسع في القوة الميكانيكية والاستفادة من المجهود البسيط للحصول على جهد أكبر من جهد الإنسان والحيوان.

فاعتبره العلماء طاقة بسيطة تعطي جهداً أكبر. فأرادوا من خلاله تحقيق منفعة الإنسان واستعمال الحيلة مكان القوة والعقل مكان العضلات والآلة بدل البدن. والاستغناء عن سخرة العبيد ومجهودهم الجسماني في ظل التشريعات التي تحث على عتق الرقبة وتحرير الإنسان ابتغاء مرضاة الله.

فلجأوا للطاقة الميكانيكية للاستغناء عن الطاقة الحيوية التي تعتمد على جهد الإنسان والحيوان، لاسيما وأن الإسلام منع نظام السخرة في قضاء الأمور المعيشية التي تحتاج إلى مجهود جسماني كبير. كما حرم إرهاق الخدم والمشقة على الحيوان بعدم تحميلهم فوق ما لا يطيقون، وهكذا اتجه المسلمون إلى تطوير الآلات لتقوم عوضاً عنهم بهذه الأعمال الشاقة.

وعلم الحركة حالياً، يقوم على ثلاثة قوانين رئيسية، كان قد وضعها العالم الإنجليزي نيوتن في أوائل القرن 18، عندما نشرها في كتابه الشهير «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية». وكان نيوتن في هذه القوانين قد قام بتجميع المعلومات العربية القديمة مما كتبه العلماء العرب عن الحركة للأشياء قبل عصره بسبعة قرون وهي ثابتة وموثقة خاصة قانون الجاذبية والحركة.

الكيمياء

جابر بن حيان عالم من عباقرة الحضارة العربية الإسلامية، عاش بعد النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي، وله إسهامات ضخمة ومهمة كثيرة سواء في المركبات الكيميائية التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت مثل نترات الفضة المتبلورة وحامض الأزوتيك وحامض الكبريتيك «زيت الزاج» ولاحظ ما يرسب من كلوروز الفضة عند إضافة ملح الطعام، أو في وصف العمليات الكيميائية كالتقطير والتبخير والترشيح والتبلور والتذويب والتصعيد والتكليس ونحوها. وفي كتبه بين نظرية تكوين المعادن جيولوجيا وبين المعادن الكبريتية الزئبقية ونسب تكوين ستة منها.

وبين كيفية تحضير المواد الكيميائية المختلفة ككربونات الرصاص القاعدي وتحضير الزرنيخ والأنتيمون من أملاح الكبريتيدات. وكيفية تنقية المعادن من الشوائب وتحضير الصلب الذي حضرته أوروبا يعده بحوالي عشرة قرون. وقام بتقطير الخل للحصول على حامض الخليك المركز. وبين أن الجاذبية لا وزن لها. وكان الكيميائيون العرب يحضرون ملح البارود كيميائياً في المعمل لاسيما وأن أول من اخترع حامض النيتريك هو جابر بن حيان سنة 722 م. أما الرازي (ولد سنة 850 م) فأجرى عليه التجارب وصنع منه الأملاح أثناء محاولته لإذابة الذهب وأطلق على حامض النيتريك «الزاج الأخضر».

الطب

طور الأطباء المسلمون أساليب معالجة الجروح فابتكروا أسلوب الغيار الجاف المغلق. وفتائل الجراحة المغموسة في عسل النحل لمنع التقيح الداخلي، وهو أسلوب نقله عنهم الأسبان وطبقه الأوروبيون في حروبهم. وكان الجراحون المسلمون قد قفزوا بالجراحة قفزة هائلة ونقلوها من مرحلة نزع السهام كما كان عند الإغريق إلى مرحلة الجراحة الدقيقة ومما سهل هذا اكتشافهم للتخدير قبل الجراحة، فتوصلوا إلى ما سموه المرقد «البنج».

وكان الزهراوي يجري عملية استئصال الغدة الدرقية. وهي عملية لم يجرؤ أي جراح في أوروبا على إجرائها إلا في القرن التاسع عشر بعده بتسعة قرون.

وفي سنة 836 م أمر الخليفة المعتصم ببناء مشرحة كبيرة على شاطئ نهر دجلة في بغداد، وأن تزود هذه المشرحة بأنواع من القرود الشبيهة في تركيبها بجسم الإنسان وذلك لكي يتدرب طلبة الطب على تشريحها.

ولم يخلُ كتاب من مؤلفات المسلمين في الطب من باب مستقل عن التشريح توصف فيه الأعضاء المختلفة بالتفصيل وكل عضلة وعرق وعصب باسمه، وكان المسلمون يعتمدون أول أمرهم على ما كتبه الإغريق في تشريح جسم الإنسان، ولكنهم اكتشفوا عن طريق التشريح المقارن «أي تشريح الحيوانات» الكثير من الأخطاء في معلومات الإغريق فابتدأوا الاعتماد على أنفسهم. وخلال دراستهم للتشريح اكتشف «ابن النفيس» على الدورة الدموية الصغرى.

الرياضيات

كلف الخليفة العباسي المأمون الخوارزمي عالم الرياضيات، بالتفرغ لوضع وسيلة جديدة لحل المعادلات الصعبة التي تواجه المشتغلين بالحساب. فوضع كتابه «الجبر والمقابلة» وبيّن أغراضه قائلاً عند تقديمه: (يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرض وكرى الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه).

وتناول الكتاب الحسابات وطرقها ابتداء من حساب محيط في الكرة الأرضية وقطرها وخطوط الطول والعرض في البلدان إلى مساحات البلدان والمدن والمسافات بينها. ثم مساحات الشوارع والأنهار إلى مساحات الضِياع والبيوت.. وحساب الوصايا والمواريث وتقسيم التركات المعقدة. والحسابات الفلكية، وحساب المعمار.

وكلها كانت تواجه مشكلات وصعوبة في حسابها بطرق الأولين بمن فيهم الاغريق والرومان. وكان علماء الرياضيات المسلمين قد بحثوا في مختلف جوانب علوم الحساب والهندسة والأعداد جمعاً وتفريقاً وتضعيفاً وضرباً وقسمة وتوصلوا لكيفية إخراج الجذور في الأعداد الصحيحة وغير الصحيحة.