تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، شهد مركز دبي التجاري العالمي ظهر أمس، وضمن فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر دبي العالمي للسلام جموعاً حاشدة بلغ عددها أكثر من 60 ألف شخص أدوا صلاة الجمعة خلف الداعية الكويتي الشيخ مشاري راشد العفاسي، واستمعوا إلى خطبته التي تركزت حول دور الإسلام في الحفاظ على السلم والأمن، مستشهدا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.

وشدد العفاسي في خطبته على أهمية المؤتمر كونه يأتي في سياق محاكاة حاجة ملحة ينشدها العالم اليوم وهي السلام، الذي يعد أحد نقاط الارتكاز في الدين الإسلامي الحنيف، مؤكدا أن مقاصد الإسلام تهدف في مجملها إلى الحفاظ على السلم والأمن الأهلي، ومستشهداً بجملة من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، ومنها قوله سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة".

ولفت العفاسي إلى أن الدين الإسلامي دين تسامح ومودة وتحاب بين مختلف أجناس البشر، مؤكداً وحدة الهدف الإنساني في خلق مناخ من الوئام والسلام يوفر حياة أفضل للبشرية والأجيال القادمة.

وقال إن الله عز وجل أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يستجيب لدواعي السلام إذا لاحت في الأفق، والعمل على نشره وإشاعته في البلاد وبين الناس كافة، لما للسلام من منزلة كبيرة حببها الله لعباده، ومن أسمائه الحسنى "السلام" فقال سبحانه: "الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام".

وأضاف الشيخ العفاسي أن الله عز وجل جعل السلام اسماً لدار كرامته وجعل السلام تحية اهل الجنة، وجعل السلام مفتاحا لدخول البيوت، وهو السلام الذي يتبادله المسلمون ويحيون به انفسهم ملايين المرات، وهو الذي تختم به الصلاة، مؤكدا فضيلته أن تكرار "السلام" يؤكد على أصالة السلام في حياة المسلم.

وقال الشيخ العفاسي إن السلام أهدى سبيلاً وأحمد عاقبة للجميع، فهو الأصل والمنطلق، مشيرا إلى ان الإسلام الذي جاء بالسلام هو دين الرحمة والهدى والاطمئنان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن تمني لقاء العدو، داعيا اصحابه إلى سؤال الله العافية.

وكان العفاسي قد حل أمس ضيف شرفٍ على مؤتمر دبي العالمي السلام، وشدا خلال حفل الافتتاح بأنشودة تحاكي موضوع المؤتمر "أنشودة السلام".

 

الأخوة في الإسلام

واستهل الشيخ عبدالباري يحيى فعاليات اليوم الثاني بمحاضرة عن "الأخوة في الإسلام"، أعطى خلالها أمثلة حية عن سماحة الشريعة الغرّاء في تأكيدها على الأخوة النابعة من حسن التعامل والمعاشرة في ظل السلام الذي يشكل حجر الأساس في إرساء هذه المفاهيم الإنسانية الراقية.

وانتقل الحضور بعد صلاة الجمعة وأخذ استراحة قصيرة إلى محاضرة ألقاها الشيخ محمد الشريف، الداعية الإسلامي المعروف، عن مكانة المرأة في الإسلام، نوّه خلالها إلى عمق الدور الذي تضطلع به الأم بوصفها المدرسة الأولى التي يستقي منها الطفل مفاهيمه عن المعطيات المحيطة به.

كما شهدت أروقة المؤتمر في أعقاب صلاة العصر إلقاء محاضرتين: الأولى بعنوان "أكذوبة الإلحاد" للشيخ عبدالرحيم جرين من بريطانيا، والثانية للشيخ توفيق شودري من استراليا بعنوان: "محمد صلى الله عليه وسلم رسول السلام"، ذكّر فيها بمناقبه صلى الله عليه وسلم وحياته التي كانت بمثابة رحلة روحانية علّم فيها البشرية مفاهيم السلام وحقق العدل والمساواة.

وحاضر بعد صلاة المغرب كلٌ من الشيخ حسين يي، الذي ألقى محاضرة بعنوان «عالم واحد- طريق واحد- إله واحد»، مؤكداً فيها على أن الطريق إلى الله هو طريق سلام في مختلف الأديان والشرائع السماوية.

وبيّن الداعية الشيخ أحمد عبدالصمد خلال محاضرته "منهجية تحقيق السلام العالمي" السبل الكفيلة بتحقيق طموح الإنسانية في إرساء دعائم عالم خالٍ من النزاعات والحروب ويعمه السلام عبر تكريس رؤية واضحة تقوم على نقاط جوهرية تستلهم العزيمة الصادقة.

وتجدر الإشارة إلى أن جميع المحاضرات تلاها فتح باب النقاش، حيث قام الحضور بطرح الأسئلة حول النقاط التي أشكلت عليهم ورد عليهم المحاضرون وأصحاب الفضيلة بما أزال تلك الإشكالات والمغالطات وخدم فكرة المؤتمر في إظهار المفاهيم الصحيحة للسلام.

وجرى تخصيص لقاء مفتوح مع الدكتور زاكر نايق، أحد أبرز العلماء في مجال علم الأديان المقارن، وحمل هذا اللقاء اسم "اسأل الدكتور زاكر"، حظي خلاله الحضور بفرصة التواصل المباشر مع الداعية وطرح كافة الأسئلة والاستفسارات الخاصة بجزئية السلام في الديانات والشرائع المختلفة، والتصورات الموجودة لها في هذه الأديان.

واختتم اليوم الثاني فعالياته بأنشودة للشيخ عبدالله روول باللغة الإنجليزية، كان لصداها الوقع الكبير في نفوس الحضور، لاسيما بعد الزخم الذي شهدته قاعات المؤتمر وأروقته من محاضرات وأسئلة ونقاشات.

 

مثال حي

من جانبه أكد الدكتور حمد الشيباني رئيس مجلس أمناء جائزة محمد بن راشد للسلام العالمي أن إحدى أهم التجارب التي أسست على قيم السلام والعدل والمساواة في عصرنا الحديث هي اتحاد دولة الإمارات الربية المتحدة، حيث يقف الإنسان متأملاً في مسيرة سلامٍ حافلة امتدت على مدار 40 عاماً هي عمر الاتحاد المجيد لدولة الإمارات، إذ غدا هذا الاسم رديفاً لكلمة السلام وواحة استقرار ينشدها القاصي والداني ليستفيء في ظلها.

وقال: ما كان ليكون هذا إلا بمنة الله عز وجل وحكمة القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وإخوانهما حكام الإمارات أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد.

وأوضح أن إمارة دبي تضطلع اليوم بدورٍ رئيس في نشر مفاهيم السلام وتجذيرها في أذهان العامة وذلك بإعطاء المثال الحي على الأرض وتخطي الشعارات والأقوال إلى الأفعال، وقال إن هذه الإمارة الصغيرة احتضنت بمساحتها الكبيرة وبقامة حكامها ورحابة صدر أهلها أكثر من 200 جنسية على أرضها المعطاءة، وهي بذلك تجسد قيم السلام واقعاً عملياً مُعاشاً.

وأضاف أن هذا المؤتمر وهو يستكمل المسيرة التي رسم أهدافها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ليدل دلالة واضحة أن السلام لا يتحقق إلا في ظل العدل والمساواة، وكل هذه القيم ولله الحمد مطبقة على أرض هذه الدولة الشامخة بكل مكتسباتها المحلية والإقليمية والعالمية من احترامٍ وتقدير.

وأضاف: "لا يسعني وأنا في هذا المقام الكريم إلا أن أرفع أكف الضراعة للمولى عز وجل أن يحفظ قيادتنا الرشيدة متمثلة في صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، راعي الجائزة والمؤتمر رعاه الله، وإلى إخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات.

وقال: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله، لذا فإني أتوجه بالشكر موصولاً إلى حرم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، سمو الشيخة هند بنت مكتوم بن جمعة آل مكتوم بما قدموه من رعاية مادية ومعنوية كريمة لإنجاح هذا المؤتمر، والجهات الراعية، وأعضاء مجلس أمناء الجائزة ورؤساء وأعضاء اللجان والجنود المجهولين على جهودهم المضنية لإخراج المؤتمر بالصورة التي تليق به".

 

فعاليات اليوم

 

تشهد فعاليات وأنشطة مؤتمر دبي العالمي للسلام 2012م اليوم السبت 11 فعالية ومحاضرة في الفترتين الصباحية والمسائية منها: محاضرة للشيخ محمد صالح بعنوان "دور الأم في نشأة أجيال السلام"، ومحاضرة للشيخ سعيد راجح بعنوان "كيف تبني أسرة سعيدة"، ومحاضرة بعنوان "الصحابة رضوان الله عليهم سفراء السلام" للشيخ عبد الباري يحيى، ومحاضرة بعنوان "الحل لأزمات العالم" للشيخ محمد الشريف، ومحاضرة بعنوان "السلام في ضوء القرآن الكريم" للشيخ مايان كوتي، ثم محاضرة للشيخ يوسف استس عن "التعايش السلمي بين الحقيقة والخيال"، ومحاضرة للشيخ توفيق شودري بعنوان "ماذا بعد الموت؟"، ثم مناقشة عامة للشيخ زاكر نايق.