هي شبه غابة، أو ربما يمكن تسميتها بغابة، إنها محمية القرم في مدينة كلباء، والتي تعد من أقدم وأكبر المواقع الطبيعية الخضراء في الساحل الشرقي لدولة الإمارات.
فهي تشكل مأوى للعديد من الطيور المهددة بالانقراض مثل طائر البلشون والقاوند الأبيض التي تحتضن بيضها في أشجار المحمية الممتدة على مساحة 1230 هكتاراً، وتمتاز بالأشجار الكثيفة والمرتفعة، حيث يبلغ ارتفاعها نحو 8 أمتار تقريباً، وهي من الأشجار المقاومة لملوحة المياه التي تعيش فيها أساساً، وذلك بفضل الجذور التي تعمل كمصفاة للمياه المالحة.
هذه المنطقة الهادئة الجميلة والمليئة بالنباتات الخضراء والأشجار المكتنزة، تشكل خلفية رائعة للصخور الكبيرة والأجراف المنحدرة في جبال حِجر؛ ذات اللون الأرجواني والمياه الزرقاء الصافية الطبيعية في خور كلباء (القِرم) والتي تعتبر كنزاً طبيعياً لا يقدر بثمن.
يذكر أن إنشاء محمية أشجار القرم والحفية القريبة منها تم رسمياً بتاريخ 30 يوليو 2012 إثر إصدار المرسوم الأميري رقم 27 لسنة 2012، حيث كانت المنطقة تقع ضمن اهتمامات هيئة البيئة والمحميات الطبيعية منذ عام 1999 لتهيئتها كأحد المواقع المحمية المهمة في المنطقة، لكونها تتمتع بتنوع حيوي فريد.
في داخل هذه المحمية لا يمكن الإحساس بالوحدة، فصوت اندفاع الماء وحركة الحيوانات البحرية، وأصوات الطيور من كل صوب يجعل من المكان عالماً جميلاً تملؤه الحيوية والانبهار.
مهاجرون نادرون
وقد جعلت الطيور المهاجرة الفريدة والمتنوعة، والحيوانات الموجودة من خور كلباء محمية طبيعية ذات أهمية كبرى خاصة للحيوانات المعرضة لخطر الانقراض. وتعتبر المحمية الطبيعية في خور كلباء ملجأ رائعاً لأنواع مختلفة من الطيور خاصة الطيور المائية مثل البلشون، كما علمنا أن طيور القاوند الأبيض التي تواجه خطر الانقراض لا تفقس بيضها إلا في كلباء فقط، ويوجد منها الآن 55 زوجاً فقط، والجهود مبذولة لحماية نوع طيور آخر من الانقراض، وهو طير الشادي المغني، والطيور المهاجرة مثل طائر واق المستنقعات الهندي. فيما سجلت المحمية وجود طير «مطوق نسناس كلباء» الفريد من نوعه على مستوى العالم، وهو ما منحه لقب «نسناس كلباء»، حيث لم يسجل له وجود في العالم سوى في محمية القرم بكلباء. فضلاً عن طيور الفلامنجو والنوارس وطائر صياد السمك التي توجد في المنطقة، ولكن بأعداد ليست كبيرة نظراً لتعرضها سابقاً للصيد الجائر.
تنوع بيولوجي
وتعمل هيئة الشارقة للمحميات الطبيعية في خور القرم على استكشاف مناطق للغطس فيه، لتمكين الزوار من تجربة هذه الرياضة ومشاهدة الأحياء البحرية النادرة عن كثب، والتمتع بمنطقة القرم الغنية بالأحياء الفطرية التي تأتي في مقدمتها السلاحف الخضراء وذات الرأس الكبير والموجودة في المنطقة، حيث تتكاثر سنوياً بصورة طبيعية فتضع السلاحف الخضراء - المهددة هي الأخرى بالانقراض في جميع أنحاء العالم - بيضها في الشاطئ، ولكنها بدأت تتأثر من وجود الصيادين ومن الأنشطة الترفيهية، لذلك منع بصورة مؤقتة إجراء أي عمليات أو نشاطات، وذلك لحماية المنطقة والسماح للطبيعة بتجديد ذاتها.
السياحة البيئية
تخضع محمية القرم ومحمية الحفية القريبة منها إلى المشروع السياحي الكبير الذي ستشهده مدينة كلباء، وسيمثل طفرة كبيرة في عالم السياحة البيئية على مستوى المنطقة كلها، خاصة أن القطاع السياحي لمدينة كلباء سيشهد في ظل الجهود التي تقوم بها شركة شروق العقارية وهيئة البيئة والمحميات الطبيعية تطوراً كبيراً في مجال السياحة البيئية، فضلاً عن تطوير فكرة المشروع لجعل كلباء منتجعاً للسياحة العلاجية والاستجمام بعيداً عن ضوضاء المدينة، ووسط أجواء برية وطبيعية متباينة، إضافة إلى تطوير عدد من الجزر الموجودة في الخور، وتأهيلها لاسترجاع الحياة الطبيعية للكائنات البحرية والطيور هناك.
وتعتبر السياحة البيئية في العالم من أكثر عناصر الجذب لكون السائح القادم من مختلف دول العالم، سواء من أوروبا أو أميركا أو حتى آسيا لا يستهدف الفنادق والألعاب والمجمعات التجارية بقدر ما يبحث عن عوامل الجذب الطبيعية.
خطة تطوير المحمية
بناءً على توجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة، جرى تنفيذ خطة لتطوير منطقة المحمية، وفي إطار ذلك التوجه تم دراسة طرق الارتقاء بالبناء المؤسسي للمحمية، لتأهيلها استراتيجياً للبحوث والدراسات. ويهدف هذا المشروع إلى تأهيل المحمية وإعادة طبيعتها البيئية السابقة والحفاظ على الموارد الطبيعية والمقومات البيئية التي تمتلكها المحمية، وذلك من خلال العناية بالغابات وأشجار القرم، والعمل على استيطان أنواع أخرى من الطيور والحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض في المحمية.
إنتاج أكسجين
تؤكد تقارير هيئة الشارقة للبيئة والمحميات الطبيعية أن غابات المنجروف الممتدة على سواحل محمية القرم، تزود الطبيعة بكميات كبيرة من الأكسجين، حيث تقدر كمية الأكسجين الناتج عن فدان من أشجار المنجروف بكمية الأكسجين التي يستهلكها 18 شخصاً، والشجرة الواحدة تنتج ما يقارب 120 كيلوغراماً في العام الواحد، وبذلك فإن كل فدان من الأشجار يقوم بتخليص الهواء الجوي وتنقيته من 2.6 طن من ثاني أكسيد الكربون يومياً، ويمتص الفدان الواحد من الأشجار كمية من الكربون تعادل ما ينتج عن سيارة قطعت 13 ألف كيلو متر في عام واحد.
يعتبر هذا النوع من أشجار المنجروف مقاوماً للملوحة، وهو يتلاءم مع الحرارة المرتفعة، وينبت عادة في السبخات، وأيضاً بالقرب من الشواطئ الرملية، كما ثبت نجاح زراعتها ضمن المناطق السكنية لمن يوليها أهمية، ولكن يحتاج إلى عناية شديدة في غير بيئته الطبيعية.
منتجع ومرفق علمي
على المدى الطويل يمكن لأشجار وغابات خور كلباء أن تنمو لتكون قبلة للزائرين والسياح ومرفقاً للبحوث العلمية. لكون المحمية تضم كائنات زاحفة نادرة مثل السحلية ذات الأصابع الطويلة، والكائنات البرمائية مثل السلاحف الخضراء المهددة أيضاً بالانقراض. كما تجري دراسات مكثفة حول كائنات المحمية، والتي تؤكد تسجيل كائنات فريدة من نوعها توجد بين أشجار وشواطئ محمية القرم في كلباء.