المناطق الأثرية في الدولة عديدة جدا وتدل على قدم الحضارات التي سادت ثم بادت في المنطقة. والتحقيق التالي يسلط الضوء على حصن قديم يقع في أعلى جبل حجيل في منطقة شمل في رأس الخيمة يطلق عليه قصر الزباء.

حيث ما زالت بقايا من بناء صغير واحجار وسور قيل انه يمتد الى عدة كيلومترات، كما تحدث عن تاريخ الموقع الاثري، عبدالله علي الطابور دكتور الفلسفة في التاريخ، ومحمد بن سليمان الكيزي امير منطقة شمل، وأهميته على مستوى امارة رأس الخيمة، والاسباب التي ادت الى انهيار معظم اجزائه، وعدم الاهتمام بترميمه واعادة بنائه كرمز للمنطقة، شارك في زيارة الموقع غريب محمد حروب الشامسي الحنف، وعبدالله محمد حروب الشحي، وسالم سيف الجابري، أعضاء جمعية عجمان للفنون الشعبية والمسرح، ومع عدد من ابناء منطقة شمل، لرصد تاريخ هذا الموقع الاثري المهم في المنطقة، وتصويره من كافة جوانبه.

 

روايات مختلفة

وحول مكان وموقع المعلم يقول الدكتور عبدالله الطابور: يقع (قصر الزباء) في الشمال الشرقي لمدينة رأس الخيمة، وعلى جبل مرتفع نسبياً تحيط به الجبال القصيرة التي تشكل سلسلة جبال عُمان، وجود هذا القصر في هذا المكان كان لضرورة أمنية، إذ إن الجبال تكون حامية له من الخلف، وارتفاعه يتيح له المراقبة القوية من جميع الجهات وخصوصاً من ناحيتي الشمال والجنوب، وإطلاق أبناء المنطقة على هذا المعقل تسمية (حصن تارة وقصر تارة أخرى)، راجع لاتخاذ الحكام في الماضي سكناهم في مكان واحد، لأن وجوده في قصر يتطلب حمايته بالوسائل الدفاعية مثل الأسوار العالية والأبراج بهدف المراقبة والتفتيش، حيث يبدو في النهاية بهذه الإضافات الأمنية شكل قلعة أو حصن، وهذا هو سبب إطلاق الناس عليه اسم قلعة أو حصن، لذا لا تُستبعد علاقة هذا القصر بتاريخ جلفار القديمة.

خاصة أن القصر يقع في حدود تلك المدينة، وقد دارت حوله الكثير من الأحداث منذ زمن طويل، وربما أصبح المحطة العسكرية الخلفية لجلفار، وشكل إلى جانب الحصون والقلاع الأخرى الموزعة في عدة أماكن من رأس الخيمة، الدرع الواقي للمنطقة من أي هجوم قد يُشن من الخارج، أو من اعتداء بعض القبائل المحيطة، أما من سكن هذا القصر في العهود الغابرة فقد كثرت الروايات، فهناك من يقول إنها زنوبيا أو زينب أو نائلة بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميذع العمليقي، وإنها عربية الأصل وذات شخصية قوية.

كذلك وصفت بانها كانت تتمتع بعبقرية فذة، وأوتيت كثيراً من الصفات كالجرأة والشجاعة، وهذا ما يؤكد بأن القصر يعود لملكة تدمر زنوبيا أو الزباء، حتى انه يقال إن اسم (رأس الخيمة) ينسبه البعض إلى خيمة نصبتها الزباء على مرتفع يطل على مدخل الخليج، والقصر بموقعه المنيع، والذي يقع على مرتفع جبلي ويحيط به سور وغرف مراقبة، يحتوي على مرافق وتصميمات عسكرية، هو بناء يليق بتلك الملكة المشهورة، خاصة أن هضبة الجبل التي بُني عليها القصر تكشف الساحل المطل على البحر.

الصيانة والترميم

ويضيف الدكتور عبدالله الطابور قائلا: لذلك ولأهمية هذا الموقع نرى أن نهتم بهذا المعلم التاريخي ويعاد ترميمه واعادة بنائه حسب التصميم القائم الان، وان يعاد بناء السور المحيط به والذي نرى انه يمتد بحوالي 15 كيلومترا، وفي عام 1973م توصلت البعثة العراقية التي نقبت عن الآثار في رأس الخيمة إلى وجود مجرى مائي كان يصل من البحر حتى المنطقة الواقعة وسط القصر.

حيث دلت الترسبات البحرية على ذلك، وذكرت بعض المصادر الأجنبية القناة المائية التي تمتد من الخور إلى القصر بطول يصل إلى ميل أو ميلين، لذا يبدو أن هذه القناة الممتدة من البحر إلى موقع القصر كانت تُستخدم كمرفأ للسفن، أو محطة للقوافل إلى جانب استخدام المبنى سكناً أو مقراً للسلطة الحاكمة آنذاك، والقناة المائية التي تربط القصر بالبحر كانت عميقة، وحُفرت في سهل منبسط حتى القصر واستخدمت لتسهل عملية تزويد القصر بالمؤن والماء عن طريق السفن التي تسلك هذه القناة بكل سهولة.

زيارة الموقع

وقال محمد حسن بن سليمان الكيزي امير منطقة شمل: ظل مبنى القصر مدة طويلة لم يتم تأهيله أو إعادة ترميمه، ويحتاج الى صيانة متكاملة لكي يكون أحد المباني الأثرية المرممة، ليُستغل بعد ذلك كمتحف أو كمكان يحكي تاريخ منطقة شمل.

ولقد عثر الباحثون في داخل القصر على عدد من الأواني الفخارية والنقود والأسلحة البرونزية والحلي، التي يعود تاريخها إلى 3000 سنة، أي إلى فترة قديمة وزمن يعرف بحضارة شمل، وان بعض الفخار الذي وجد بالقرب منه يرجع إلى عصر ما قبل الإسلام. تسمية المكان

التسمية فهناك اراء كثيرة حول هذه الشخصية، ويقول عامة الناس، إن ملكة سبأ جاءت من شمال اليمن وقامت ببناء القصر، وانه يعود لعهد تلك الملكة، وذكر بعض من أهالي بني شميلي بأن بلقيس ملكة سبأ كانت قد بسطت سلطانها على كثير من البلدان لتمتعها بقوة كبيرة، وربما جاءت إلى هنا أو أن أحد جنودها زار المنطقة وشيّد هذا القصر الذي استُخدم ضمن مملكتها، كذلك تذكر الروايات أن هذه الملكة ثرية، وأن ثروتها كانت نابعة من ثروة المنطقة، التي كانت غنية بالنحاس والبرونز .

المعلم الأثري يُوثّق مرحلة مهمة

 

من يزور الحصن أو القلعة في منطقة شمل، لن يشاهد سوى هيكل لم يتم ترميمه، وعدم الاعتناء بحجارته التي سقطت أكثر من 90 % منها، ولم يعد هناك ما يشير إلى الحصن، سوى الأطلال هنا وهناك تتمثل في أساسات لمبانٍ وغرف ومرافق تتبع هذا البناء الأثري القديم، وقد أدت عوامل التعرية والسيول إلى إزالة ملامح القصر، وسقوط أحجاره، وباعتباره أحد أقدم مبنى أثري في الدولة وربما في الخليج العربي، فلا بد من ترميمه أولاً ثم إجراء دراسة مسحية شاملة للكشف عن ملامحه ونظام بنائه.

وكما هو واضح من بناء القصر، انه يتكون من الأحجار التي يغلب عليها شكل الاستطالة، وهو بناء يشتمل على بركة سباحة مستطيلة، أو مخزن أو أنه غرفة سقط سقفها، وما هو باقٍ منها بئر للماء وسور يمتد من الحصن حتى البحر، وعلى قمة الجبل من الجهة الغربية توجد مقصورة بأسفلها مخدع أو مخبأ سري، ربما كان مخبأ أو قاعة للاجتماعات السرية المهمة بين القادة، ومن الملاحظ كذلك وجود مدرج في وسط القصر ربما كان ساحة للهو أو لإقامة الاحتفالات وإحياء المشاعر الدينية، أو أنه مسرح قديم تقام فيه الطقوس الدينية، وتتألف التربة التي تقع تحت طبقة الحصن من الطمي الذي تتراوح ألوانه بين الأحمر والبني والفاتح.

حيث يوجد الطمي على أعماق مختلفة، مما يدل على القناة البحرية التي تصل البحر بالقصر، أما النباتات التي عثر عليها في الموقع فهي من النوع النادر، كما عثر على قطع فخارية تشبه الأواني الفخارية التي في وادي سوق، وجدت مدفونة داخل المبنى مما يوحي بأنها تعود لفترات زمنية متأخرة من العصور الوسطى، أما السور والمنشآت المتصلة به، والتي تظهر للعيان فهي بحاجة إلى إعادتها كما كانت في عهدها، كذلك يحتاج المبنى إلى إعادة بناء الدرج الموصل إليه، حتى يستطيع الزوار الوصول إليه بدون عناء.

مواقع أثرية في منطقة شمل

 

المتبقي من آثار قصر الزباء ركام من أحجار مختلفة الأحجام، وسور من الحجارة المصفوفة على بعضها البعض، وتكاد ملامحه تضيع بسبب عوامل الشمس والبيئة، ولذلك ناشد المواطنون في منطقة شمل المسؤولين عن الآثار في إمارة رأس الخيمة والدولة، اعادة ترميم وبناء القصر وإعادته الى ما كان عليه في السابق، خاصة وان احجار القصر ما زالت موجودة، والمخطط العام مازال واضح المعالم، وقال سليمان محمد حسن بن سليمان مواطن من منطقة شمل، ان جميع اهالي المنطقة يعلمون ان هذا القصر هو من المعالم التاريخية والحضارية للمنطقة بشكل خاص وللإمارة بشكل عام، وجميعنا يأمل ان يعاد ترميم وبناء القصر وجعله مزاراً للسياح والباحثين عن تاريخ الإمارة، وفي وقت سابق منذ سنوات بدأت أولى خطوات الترميم من خلال بناء درج للصعود الى قمة الجبل.

حيث القصر لم يستكمل، وتوقفت بعد ذلك أعمال الترميم الى يومنا هذا وبانتظار استكمال ترميم هذا المشروع، والأمل في ان يسمع المسؤولون رسالتنا هذه، فنحن احوج الى استعادة حضارة ومجد المنطقة، وقال عبدالله محمد حروب الشحي، انه يوجد الى جانب هذا القصر المبنى في شمل، عدة أماكن أثرية تنسب إلى الزباء، منها في منطقة خت التي تقع جنوب مدينة رأس الخيمة، والتي تتميز بعيونها المعدنية الساخنة، حيث يوجد فيها تل قديم لا يعرف تاريخه يسمى «تل الزباء».

وكان لهذا التل مكانة تاريخية، حيث يروى أنه عبارة عن مركز تجاري قديم، يأتي إليه التجار من مملكة تدمر لعرض منتوجاتهم وسلعهم، والمنطقة كانت مركز تواصل بين مملكة تدمر وسبأ، كما توجد في الصالحية بالقرب من نخل الشيخ علي بن محمد المحمود آثار لمبنى قديم يطلق عليه القصر، يعود كما يذكر كبار السن للزباء، وكلا الموقعين في خت والصالحية لم يتم التنقيب عنهما حتى الآن، وبمعنى أدق ان منطقة شمل منطقة تاريخية اثرية، تحتاج الى اعادة دراسة واعادة ترميم مواقعها الأثرية، ونأمل من المسؤولين أن يولوا المنطقة الكثير من الاهتمام لما لها من أهمية تاريخية وسياحية.