تزخر الإمارات بفنون شعبية كثيرة، لعل أشهرها «اليولة» التي يؤديها الشباب والشواب في المناسبات والأعراس، عبر الإمساك بالسلاح وتدويره باليد فوق الرأس أو من الأمام. ويطلق على الشخص الذي يؤدي فن «اليولة»؛ «اليويل»، وقد كان الرجال في الماضي يستخدمون أسلحة حقيقية أبرزها سلاح «الكند» و«فلسي» و«المشرخ» وسواها، واليوم يستخدم هاوي «اليولة» سلاحاً مشابهاً لـ «كلاشنكوف»، مجوفاً من الداخل وخالياً من الذخيرة، وهو أخف وزناً.
«الشلات الحربية»
«اليولة» في الماضي كما أوضح محمد اليتيم رئيس فرقة جمعية دبي الحربية، كانت أكثر صعوبة بسبب وزن البندقية مقارنة مع اليوم، وهي فن يدل على قوة الرجل، إذ لا يمتلك الجميع المهارة الكافية لأداء «اليولة» الاستعراضية، كونها تتطلب قدرة على توازن اليد أثناء حركة ودوران السلاح، كذلك ينبغي على «اليويل» الانسجام في حركة قدميه مع الأهازيج الشعبية «الشلة» التي يرددها الرجال في صفين متقابلين، إذ يحرص «اليويل» على الحركة والدوران بين رجال يمسكون العصي ويحركونها إلى الأعلى والأسفل تارة، وتارة أخرى يثبتونها على الأرض، ويطلق عليهم «الرزيفة».
ويردد الرجال «الشلات» في الماضي دون استخدام الطبل والإيقاعات، واليوم اختلف المشهد، وأصبحت الإيقاعات عنصراً رئيسياً في هذه اللوحة الشعبية، في وقت كانت حناجر الرجال قديماً تدوي في ساحة المشاركة، من خلال ترديد الصف الأول من الرجال أبياتاً شعرية بلحن «الشلة الحربية»، ثم يرد الصف المقابل ببيت آخر، وهكذا يعلو صوت الشلات الحربية في المكان.
«شارة اليولة»
في المناسبات وحفلات الأعراس، عادةً ما يعلن صاحب الحفل أو والد العريس مكافأة لأكثر الشباب استعراضاً بالسلاح، وقد يتكفل في بعض الأحيان أحد الحضور من كبار الشخصيات بتكريم الأوائل عبر منح الفائزين جوائز نقدية أو عينية يطلق عليها «شارة» مثل الدروع والأوسمة أو غيرها من الهدايا القيمة، خاصة إذا سبق الإعلان عن الفكرة موعد الحفل، ويتحمل حينها شاعر الفرقة الحربية أو أحد الشعراء المشاركين أو صاحب الحفل مهمة تقييم «اليويلة».
اهتمام الدولة بالتراث، هو الحصن المنيع على حد تعبير اليتيم، لحماية تراث الأجداد من رياح التغيير، ويبدو أن هذا الاهتمام واضحاً من قبل القيادة والحكومة في هذا الجانب عبر تدشينها المؤسسات التراثية، الهادفة إلى تعليم النشء تراث أجدادهم، وربطهم بالماضي العريق، فضلاً عن تنظيم المسابقات والمنافسات التراثية لعل أشهرها بطولة «فزاع لليولة» التي تقام تحت رعاية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، والتي ساهمت في تعزيز قيمة «اليولة» لدى النشء، باعتبارها من البطولات التي تشجع الصغار والكبار على المشاركة والتنافس من أجل الفوز باللقب.
عزوف الكبار
لكن في المقابل أوضح اليتيم؛ أن هناك عزوفاً نسبياً لدى الكبار عن ممارسة «اليولة» بالسلاح، واكتفائهم بالمشاركة بـ«العصا»، وهي وجه آخر «لليولة» تتمثل في تحريك العصا أثناء المشي في الميدان، عازياً السبب إلى سهولة حمل العصا في المناسبات المختلفة، مما جعل «اليولة» بالسلاح هي ميدان الأطفال والشباب الصغار، لاسيما وأن أسلحة «اليولة» اليوم تبدو خفيفة الوزن وبإمكان الأطفال حملها وأداء العروض بها دون مشقة أو أذى.
أثناء أداء «الرزفة» عموماً و«اليولة» على وجه الخصوص، لاحظ اليتيم في المراكز التجارية وغيرها من منصات الاحتفالات، أن هذا الفن يحظى بشعبية واسعة على صعيد الوطن العربي والعالم، نظراً لتقاطر أعداد كبيرة من السياح لمشاهدة العروض، وفضول الكثيرين منهم وإقدامهم على المشاركة في هذا الفن الجميل.
«المزافن» و«التسري»
لم تكن «اليولة» حكراً على السلاح أو العصا وحسب، إذ يمكن أداؤها بالسيف كما كان في الماضي، عبر استعراض الشباب والرجال ضمن فن آخر مشترك يطلق عليه «المزافن»، وهو أن يتقابل شخصان يحملان سيفين ويؤديان بهما حركات شبيهة بالمبارزة، ويتنافس الطرفان على القفز بأعلى ارتفاع والهجوم على الآخر بحيث تتلامس ألسنة السيوف دون إحداث أذى بالشخص. أما «التسري» بالسيف فهو عبارة عن الإمساك بالسيف وهزه أثناء تقابل أهل المعرس وأهل العروس، ضمن فن يطلق عليه «اللقية»، إذ يتقدم الطرفان ويردد الجميع الشلات الحربية.
«المزافن» أو «التسري» من فنون «اليولة» بالسيف
طقوس
»الزهبة«.. جهاز العروس
في فترة الاستعداد لحفلات الزفاف، ظل المجتمع الإماراتي يعرف بطقوس جميلة، لعل أبرزها تجهيز «زهبة العروس»، التي تتم في حدث يسبق الزواج، عن طريق زيارة أهل المعرس إلى بيت أهل العروس، محملين بحقائب فيها الملابس والأزياء والمقتنيات والإكسسوارات الخاصة بالعروس، إلى جانب الذهب ومختلف أنواع العطور والمستلزمات الأخرى المتعلقة بزينة الفتاة.
ولا تزال أسر وعائلات إماراتية كثيرة، تحافظ على هذه العادة إلى اليوم، وكانت «الزهبة» تنقل من خلال «السحارة» أو «المندوس»، وهي عبارة عن صندوق يحتوي جميع ما تهتم به العروس من عطور وذهب وملابس وحلي، إلى جانب مقتنيات أخرى تستخدمها الزوجة في قفص حياتها الذهبي، مثل المبخرة وأدوات أخرى خاصة بالطهي. وتعد الزهبة من التقاليد الراسخة في مجتمع الإمارات قديماً، وتستمر حديثاً لدى كثير من الأسر وإن اختلف شكلها أو طريقة تقديمها عما كانت عليه في فترات ماضية. ورغم التطور والاختلاف في كثير من الأمور المعاشة حديثاً، تظل تقاليد القدم حاضرة على الأقل في نفوس وقلوب وعقول الأبناء والأجيال المتعاقبة.
نخيل
«الزفانة».. بيوت البساطة
شُيدت البيوت قديماً من سعف النخيل والطين والحجارة، إذ كان لكل مادة حرفة ساهمت في توفير المواد الأولية المناسبة لإتمام عملية البناء، ولعل من أبرزها سعف النخيل الـذي درج استخدامه في صناعة البيوت في الماضي، والذي يثير استغراب البعض في صموده لعقود طويلة.
في السابق كان سعف النخيل يقطع للتخفيف عن النخلة بعد انتهاء موسم القيظ، فيتم جمعه وفرز الجيد منه الذي يصلح لـ«الزفانة»، وتتضمن عملية الفرز أيضاً اختيار السعف الذي يناسب الجهة اليمنى واليسرى، وفي خضم هذه العملية يتم تنظيف السعف من الشوك وتخفف كثافة أوراقه. بعد الانتهاء من الفرز والتنظيف ينقل السعف إلى المكان الذي ستقام فيه «الزفانة» ويتم ربط السعف بحبال مصنوعة من ألياف النخيل لاستخدامها في بناء البيوت، ويسكب الماء عليها وتترك لساعات ومعها الحبال، في الماء لتصبح أكثر مرونة عند شدها.
ويجتمع الأقارب أو المزارعون، ثم يبدأون عملية «الزفانة» التي تمتد لأيام يتنقلون خلالها بين المزارع، وتكون فترة العمل منذ الصباح الباكر وحتى غروب الشمس، ويشارك في هذه العملية الصغار والكبار.