كشف الدكتور حسني الحتيتي استشاري أمراض الدم والباطنية في مدينة الشيخ خليفة الطبية عن أن المدينة الطبية وشركة أبوظبي للخدمات الصحية (صحة) بصدد الإعداد لبرنامج جديد لزراعة خلايا النخاع لمرضى الثلاسيميا سيبدأ بالزراعة الذاتية من المريض نفسه ثم يتطور خلال بضع سنوات إلى إمكانية نقل وزراعة النخاع من الأصحاء إلى المرضى، مشيراً إلى أن مثل هذا البرنامج حقق نجاحاً كبيراً في العديد من دول العالم، كما قام عدد من المرضى في الدولة بإجراء هذه العملية خارج الدولة ونجحت بصورة كاملة وتم شفاؤهم ويعيشون حالياً حياتهم بصورة طبيعية بدون الحاجة إلى نقل الدم.

وأشار إلى أن مثل هذا المشروع يحتاج إلى مختبرات وأجهزة خاصة إلى جانب كوادر طبية وتمريضية تتميز بالكفاءة العالية، مؤكداً أن مدينة الشيخ خليفة الطبية تضم كوادر طبية وهيئة تمريضية متميزة وقادرة على إنجاح هذا البرنامج الطموح.

وقال إن مدينة الشيخ خليفة الطبية تقدم الرعاية الصحية لحوالي 100 مريض بالثلاسيميا معظمهم من الأطفال وتقدم لهم خدمة نقل الدم وأدوية الحديد مجاناً، ولفت إلى صعوبة نقل الدم داخل المنزل لأن عملية نقل الدم تحتاج إلى سلسلة من الإجراءات وعلى أيدي كوادر طبية وتمريضية متمرسة. وقال في حوار مع «البيان» إن دولة الإمارات بحاجة ضرورية إلى تأسيس برنامج وطني فعال للقضاء على هذا المرض بصورة نهائية، ويجب أن يعتمد على آليات مبتكرة يحد من زواج الأقارب والحاملين للمرض وتكثيف حملات التوعية والتثقيف على المستوى المجتمعي والإعلامي، مؤكداً أن قضية الوقاية من هذا المرض بالذات أهم بكثير من العلاج، مشيراً إلى أن دول أوروبا الجنوبية خاصة قبرص وإيطاليا نجحت في القضاء على هذا المرض خلال سنوات قصيرة من خلال تطبيق برنامج متكامل للتوعية والتثقيف والحد من زواج الحاملين للمرض.

قضية عامة

وتعتبر الثلاسيميا قضية صحية عامة في الدولة تؤثر على حياة الكثير من العائلات على المستويات الاجتماعية والطبية والمالية والنفسية، وتعد حملات فحص الدم العامة الوسيلة الأفضل للمساعدة في تقليل الإصابة بالأمراض الوراثية، فيما تنتشر بعض الأمراض الوراثية مثل الثلاسيميا والسكري بمعدلات عالية وهذه هي الخطوة الأولى في تحديد المشكلة التي قد تمتد لأجيال قادمة، وقد تم توثيق قدر كبير من البيانات العلمية لإظهار اتجاهات الاضطرابات الوراثية في مجتمع الإمارات وهذا هي إحدى مهام مؤسسة سمو الشيخ سلطان بن خليفة آل نهيان الإنسانية والعلمية بالإضافة لتحسين نوعية حياة المواطنين والتخفيف من المعاناة الإنسانية للمصابين بالمرض.

وأكد الدكتور الحتيتي أن مؤسسة الشيخ سلطان بن خليفة للبحوث العلمية والإنسانية ومبادرتها الأولى المتمثلة في جائزة سموه العالمية للثلاسيميا أحدثت حالة صحية جديدة لم تكن موجودة في السابق ليس فقط على مستوى الدولة أو الإقليم بل على مستوى العالم من خلال إذكاء الرأي العام بأهمية المرض ولفت الانتباه إلى إمكانية القضاء عليه من خلال برامج وطنية حقيقية طويلة الأمد تدعم المرضى وتعزز طرق العلاج وفي نفس الوقت تعمل على الحد من إصابة المواليد الجدد.

وأكد أن استضافة مؤتمر دولي لمناقشة مرض الثلاسيميا في دولة الإمارات والذي عقد العام الماضي حيث جمع كبار الأطباء والمراكز العالمية والجمعيات الدولية والوطنية للثلاسيميا يعد مؤشراً قوياً لنجاح مؤسسة الشيخ سلطان بن خليفة للبحوث العلمية والإنسانية في استقطاب وحشد هذه المراكز والجمعيات الدولية وحثهم على الابتكار والبحوث للتعجيل بالقضاء على هذا المرض إلى جانب القيام بمختلف الفعاليات والأنشطة البحثية والعلمية من ندوات وحملات توعية وجوائز ومساعدات وتساعد على تقدمه العلمي والإنساني.

وتشير الإحصائيات العالمية إلى أن عدد حاملي سمة هذا المرض حوالي 490 مليون شخص، بالإضافة إلى ما يقارب 15 مليون مصاب بمرض الثلاسيميا حول العالم، مع ارتفاع هذا الرقم بمعدل 400 ألف ولادة مصابة سنوياً، كما يعد هذا المرض واحداً من أكثر الأمراض الوراثية انتشارا بمنطقة الخليج العربي.

زراعة النخاع

وفيما يخص تقنية زراعة النخاع لمرضى الثلاسيميا أشار الدكتور الحتيتي إلى أن العملية بحد ذاتها بسيطة جداً فهي تحتاج فقط إلى متبرع تتوافق أنسجته مع المريض ومن الأفضل أن يكون المتبرع فرد من عائلة المريض، ويقوم هذا المتبرع بالتبرع بدمه بعد تنشيط خلايا العظم لديه لتتحرك خلايا الأمهات عبر الدم بكثافة وبعد أخذ الدم منه تتم تصفيته للحصول على خلايا مكثفة لما يعرف بخلايا الأمهات، ثم تبرد وتعطي للمريض عن طريق الوريد، أما الطريقة الثانية فتتم من خلال التخدير العام للمتبرع ومن ثم أخد الدم مباشرة من النخاع للحصول على أكبر كمية من خلايا الأمهات وقبل أن تحقن وريديا للمريض يتم تدمير نخاع المريض تماماً من خلال الأدوية أو الأشعة، ثم نقوم بحقن المريض بالخلايا السليمة التي تقوم هذه الخلايا بدورها بالهجرة إلى موطنها الأصلي (نخاع المريض) في غضون 30 يوماً.

ولفت إلى أن فترة الثلاثين يوماً التي تعود فيها الخلايا إلى النخاع الجديد للمريض تعد من أخطر مراحل عملية الزراعة لأن المريض يكون عرضه للإصابة لأي مرض معدٍ بسبب عدم وجود جهاز مناعي لديه ولذا يتم عزله ومتابعته أولًا بأول، وبعد انتهاء هذه الفترة يتخلص المريض بصورة نهائية من مرض الثلاسيميا ويعيش حياة طبيعية كما أنه لا يحتاج إلى نقل الدم مرة أخرى. وأضاف أن إمدادات بنك الدم في أبو ظبي تعد نموذجاً مثالياً يحتذى به في مجال توفير الدم الآمن.

يشار إلى أن مرض الثلاسيميا أو (فقر دم حوض البحر الأبيض المتوسط) هو مرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات يتسبب بفقر دم مزمن، وهو أحد الأمراض التي يمكن أن تؤدي إلى وفاة المريض، ويولد المصاب بمرض الثلاسيميا نتيجة الزواج بين حاملين لسمة المرض، أي عندما يكون كلا الزوجين حاملين للمرض، والشخص الحامل لسمة المرض لا تظهر عليه أية أعراض ظاهرة، ولهذا لا يظهر المرض إلا من خلال التحاليل المختبرية، وينتشر هذا المرض في جميع أنحاء العالم، ولكن نسبة الإصابة به أكبر في حوض البحر الأبيض المتوسط وآسيا وأوروبا الشرقية.

رحلة علاج طويلة ومراجعات مرهقة

 

يسرد أحد المرضى رحلة العلاج الشهرية لمراجعة المستشفى لنقل الدم وإجراء الفحوص الدورية اللازمة التي تشمل العظام والقلب ووظائف الأعضاء الأخرى، ويقول «أشعر بأنني في أيدٍ أمينة أثناء إقامتي في عنبر (د2ب)، لأن الأطباء في مدينة الشيخ خليفة الطبية على دراية تامة بأن علاج مرض الثلاسيميا الكبرى لا يقتصر فقط على نقل الدم إلى المريض، بل يشمل العلم التام بالعواقب الطبية اللاحقة، ومنها ارتفاع ضغط الدم عند النقل، وهم حريصون على مراقبة ارتفاع معدل تخزين جسمي للحديد شهرياً.

ويضيف «إنني أتلقى دعماً نفسياً لا حدود له من فريق الأطباء الذي يشرف على حالتي الصحية في المستشفى وذلك لتشجيعهم المستمر، وحثي على أن أكون إنساناً قوياً وأن أستمتع بحياتي كأي شخص طبيعي».

ويشير إلى أنه في الماضي كان ارتفاع ضغط الدم الذي يحدث جراء نقل الدم يرفع مخزون الحديد في جسمي مما يؤثر سلبياً على الجسم ووظائف أعضائه، لذلك كان يتوجب عليّ تلقي علاجٍ مؤلم لطرد الحديد الزائد من جسمي، وذلك بحقني بمادة تحت الجلد لفترة 7 إلى 10 ساعات لستة أيام في الأسبوع، لكن وبفضل التقدم العلمي والطبي الهائل في مجال علاج الثلاسيميا الكبرى، تم استبدال الحقن بحبوب تؤخذ عن طريق الفم من خلال تذويبها في كوب من العصير وكانت مدينة الشيخ خليفة الطبية أول منشأة في الدولة توفر هذا العلاج لمرضى الثلاسيميا.

ويسرد «حين بدأت رحلة علاجي في المدينة الطبية كنت في السنة الأولى من دراستي بالكلية وقد تخرجت الآن وأمارس عملي مثل أي شخص طبيعي وأعمل بإنتاجية عالية وأنال تقدير رؤسائي على إنجازاتي في عملي».

وقال «لقد ساهم عنبر (د2ب) الذي أتلقى نقل الدم فيه في تسهيل حياتي وتيسيرها على نحو كبير، إذ يتميز أطباؤه باللطف والرقة، فمعهم أشعر بأنني مريض مثالي وذو أهمية للمستشفى أيضاً، كما يتسم فريق التمريض والعاملين في العنبر بالاهتمام والحرص على المريض، بوجهٍ عام، فإن كل من يعمل في المدينة الطبية يتصف بالكفاءة العالية والدراية التامة بطرق وأساليب الرعاية الخاصة التي يحتاجها مرضى أمراض الدم».

وأضاف «إن الأنظمة المستخدمة في مدينة الشيخ خليفة الطبية هي بالغة التقدم وذات تقنيات حديثة وفريدة من نوعها، لذلك فهو حقاً امتياز لمريض الثلاسيميا أن يتم علاجه ومتابعته في تلك المدينة».

تقديرات عالمية

تشير التقديرات العالمية إلى أن حوالي 7 % من سكان العالم يحملون الجينات المسؤولة عن اضطرابات الهيموجلوبين، كما يعاني 500 ألف طفل ممن يولدون سنوياً حول العالم من اضطرابات الدم الوراثية الشديدة، في العالم العربي يعد مرض الثلاسيميا من الأمراض الشائعة نتيجة زواج الأقارب بالأساس والاحتمالية المرتفعة لانتقال المرض بالوراثة من الآباء إلى البناء.