يتردد صدى تاريخ الشارقة من «حصن الشارقة» تلك القلعة العتيدة التي تقف شامخة أمام البحر مستنشقة هواءه المحمل بعبق ذكريات السفن التي جابته جيئة وذهابا وفي طياتها أحداث ووقائع، شاهداً أميناً عليها وتظل أحد شواهدها ومعالمها التي لم تنفصل عن أحداثها ووقائعها.

ولكل ركن فيه قصته الخاصة التي يرويها لزائريه، فهذا المبنى التاريخي الضخم بجانب توفيره للحماية لعب دورا حيويا في التعريف بتاريخ عائلة القواسم وإمارة الشارقة كونه يقف نقطة التقاء للتفاعل السياسي والاجتماعي والديني.

سياح يتابعون معروضات الحصن الأثرية ــ تصوير: محمود الخطيب

 

قلب الشارقة

بني حصن الشارقة عام 1823 ولا يزال يقف شامخا في منطقة قلب الشارقة ليمثل تلك الحقبة التاريخية الهامة التي شهدت نهضة الإمارة حيث استخدم الحصن الذي اعتبر أهم مبنى في إمارة الشارقة حتى منتصف القرن العشرين، كمقر لحكومة الإمارة وسكن لعائلة القواسم الحاكمة وسجن أيضا.

ويتضمن المتحف 12 مجموعة من المعروضات الغنية بالمعلومات والتفاصيل الشاملة التي تمثل نتاج قرابة خمس سنوات من الجهد والعمل في البحث والتقصي الذي نفذته فرق عمل إدارة متاحف الشارقة، وخضع الحصن لمشروع ترميم وصيانة شاملة استمرت على مدار 15 شهرا، ليقدم فرصة للتعرف على التاريخ الذي ساهم في تشكيل الإمارة، ويستعرض أهم التفاصيل الأثرية الهامة والتاريخية.

وقد سعى فريق العمل لاستعادة الشكل الأصلي لمبنى الحصن ولونه وبنيته الأساسية، ولإبراز المزايا الخاصة التي يتمتع بها الحصن بكل دقة، والتي تتضمن مجارف الرياح والأعمدة والفتحات الدفاعية.

برج الكبس

ويتكون الحصن من 8 أركان رئيسية هي الحصن، وقاعة القواسم، والغرفة، وغرفة الصور وغرفة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، وقاعة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، وخزنة الأسلحة، علاوة على برج الكبس وهذا الأخير لم يتمكن المرممون من هدمه عند إعادة البناء لذا ازاحوه فقط، وقد زود بالعديد من المزايا التفاعلية والتي تتضمن التجهيزات السمعية والبصرية.

ويقف عند باب الحصن الخارجي عدد من المدافع أهمها مدفع «الرقاص» وخلف تسميته حكاية خيالية تناقلها الأهالي آنذاك حيث يقال إن بداخله جنيا يحرك المدفع في حال استمع إلى الموسيقى.

مرحباً في الحصن

وتستوقفك أثناء الجولة فيه لوحة كبيرة عند المدخل كتب عليها «مرحبا في الحصن» لتتنقل بعدها إلى أركانه التي زودت بشاشات إلكترونية كبيرة تشرح الكثير من ماضي وتاريخ الإمارة وتساعد الزائر باللغتين العربية والانجليزية على الحصول على المعلومات ورؤية المخطوطات والخرائط القديمة.

ويتكون الحصن من طابقين أساسيين، يتيحان لك فرصة الاطلاع على نمط الحياة السائدة في هذه الحقبة والتعرف على الكثير من تاريخ الشارقة وأهلها، ورغم أن الحياة في الإمارة اتسمت بالسلام والأمان وندرة وقوع الجرائم، إلا أن خرق القانون من قبل أحد الأفراد معناه أن يقبع في غرفة التوقيف أو سجن المحلوسة الكائنين بالطابق الأول.

أما إذا انتقلنا إلى قاعة القواسم فنجد جدرانها تزينت بالكثير من اللوحات والصور التي تسرد لنا تاريخ القواسم كونهم قوة بحرية آنذاك، وتحتوي القاعة كذلك على نموذج لأكبر سفن القواسم ويطلق عليها «البعلة».

ويجاورها غرفة أخرى تحكي لنا عن علاقتهم بالقوة المحلية والإقليمية والخارجية وتحتوي كذلك على علم القواسم والذي كتب عليه بخط اليد «نصر من الله وفتح قريب»، بالإضافة إلى صور لأهم الشخصيات في الشارقة من وزراء وقضاة، إلى جانب شاشة إلكترونية كبيرة تعمل باللمس تتضمن شجرة عائلة القواسم وهي كبيرة جدا.

ويضم الطابق الأرضي كذلك غرفة الخدمات التعليمية خصصت للرحلات المدرسية، بالإضافة إلى دورات مياه للأصحاء ولذوي الإعاقة، ومصعد وغرفة للأمهات المرضعات، و«الخريجة» أي البئر والمدبسة وهي غرفة لصنع الدبس من التمر.

أهم اتفاقيتين

ويحتوي الطابق الثاني على الغرفة وخصصت لاجتماع كبار الشخصيات وشهدت العديد من الاتفاقيات المهمة كان منها اتفاقية مطار المحطة وهو أول مطار في الشارقة، بالإضافة إلى اتفاقية التنقيب عن النفط.

أما قاعة الصور فتضم تشكيلة واسعة من صور الشارقة القديمة حتى قيام الاتحاد، وتجاورها قاعة سلطان بن صقر القاسمي تسرد تفاصيل حياته الدقيقة وتحتوي على مقتنياته مثل دفتر قصائده بخط يده، وجواز سفره وسيفه وخنجره، إلى جانب دفتر يوميات والد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ومن ضمن أهم الأحداث التي سجلها على الدفتر تواريخ ميلاد أبنائه.

كما تضم هذه القاعة صورا لتصاريح الانتقال بين الإمارات وصورا للشارقة القديمة وأهم التحديات الاقتصادية التي واجهتها في تلك الفترة وأهمها ظهور اللؤلؤ الصناعي وانتشار مرض الجدري.

حصن الدفاع

أما برج الكلس فهو يتصل بالحصن عبر ممر، ويعتبر حصن الدفاع عن الإمارة وحراستها من خلال الأبراج التي يحتوي عليها البرج وعلقت بداخله أول خريطة كبيرة توضح جميع الأبراج بالشارقة وصور لهذه الأبراج، حيث عكف عليها المختصون خمس سنوات لإنجازها، بالإضافة إلى خريطة قديمة توضح ما كانت عليه الإمارة في عام 1820 م.

ويزين الطابق الثاني غرفة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي التي تعتبر من أجمل الأركان في الحصن، وتحتوي على «الزوية» وهي مساحة صغيرة متصلة بغرفة النوم لتحضير القهوة، بالإضافة إلى مساحة أخرى أصغر للاستحمام والوضوء، وتحتوي الغرفة على الشبرية أو السرير ومندوسين أحدهما للشيخ والآخر لحرمه وصندوق لأدوات التجميل وآخر يحتوي على حليها من الذهب الأصلي.

وتختتم زيارتك للحصن بالغرفة الأخيرة وهي غرفة الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء والمدافع بأنواعها القديمة.

جهد دؤوب

قالت منال عطايا، مدير عام إدارة متاحف الشارقة: يعتبر الحصن في السابق مقرا للحكومة ومركزا للدفاع والعدالة في الإمارة، وبفضل الجهد الدؤوب الذي بذله فريق العمل لتنفيذ أعمال الترميم، فقد تمت استعادة الكثير من مزايا المبنى وتفاصيله المعمارية المميزة، كما تم تزويده بالتجهيزات اللازمة لتوفير تجربة تفاعلية تمنح الزوار إحساساً فريداً بالحياة التي شهدها الحصن على فترات مختلفة من تاريخ الشارقة.