المبادرات الشخصية التي يقوم بها المواطنون لحفظ وتوثيق التراث دليل واضح على أنه يحيا في قلوب أبنائه، ولا يمكن له أن يندثر، فعشق المواطن درويش الحداد للتراث جعله يجمع معظم أنواع الموروث القديم من أدوات يدوية ومصنوعات وساعات ولوحات، وعملات مالية قديمة من مختلف البلاد، والعديد من الأشكال والأنواع التي اندثرت في وقتنا الحالي، حصرها جميعها داخل جزء من منزله ليحوله إلى متحف يتنفس عبق الماضي وتراثه.
«البيان» تجولت داخل المتحف ورصدت معظم الأدوات التي يمتلكها المواطن درويش يوسف محمد الحداد الملقب بـ« بوسعيد»، الذي يقطن في منطقة القصيص بدبي، التي تعد من المواقع التاريخية التي توثق مراحل مهمة من تاريخ دولة الإمارات العريق.
مدرسة ومسجد
جمع بوسعيد، الذي يحلم ببناء مدرسة ومسجد، في متحفه أنواعاً شتى من أدوات معيشية للطبخ والتنظيف، وكذلك أجهزة الراديو والتلفزيون، وأجهزة الموسيقى (البشتختة)، وآلات التصوير، وماكينات الخياطة اليدوية القديمة، وكلها يتجاوز صنعها أكثر من 100 عام، علاوة على زي الحرب للرجال من أيام الدولة العثمانية، ناهيك عن المصاحف القديمة التي خطت يدوياً بماء الذهب التي كان تاريخ طبعها (964هـ).
وعرض الحداد بعض الخناجر والسيوف القديمة التي صنعها بنفسه وتعد فخراً واعتزازاً لكل من يحملها، كما يمتلك أسطوانات غنائية قديمة لسيدة الطرب أم كلثوم وعبد الحليم وراشد الرفاعي ومحمد زويد، إضافة إلى صور قديمة لساحة مبنى الجمارك (الفرضة) وخور دبي وساحل عمان تعود لعام 1944م. وهناك العديد من الأدوات والمعدات التي مضى عليها الزمن ولا تقدر بثمن.
بدأ بوسعيد هواية جمع الموروث في سن صغيرة، فبدأ بجمعها ليتمكن خلال سنوات من البحث والتجميع أن يحول منزله إلى متحف أمام الأجيال للتزود منه، قسم منه يتعلق بعلب الأطعمة التي استخدمها الأجداد، وأدوات صناعة القهوة والسرود والغطى والمكبة والمخرافة والأسلحة الإماراتية.
ويقول بوسعيد: بدأت أهتم بالموروث القديم منذ صغري وحين وصلت إلى مرحلة الشباب شرعت في جمع الأدوات التراثية والموروث القديم من الأقارب والأصدقاء ومن خلال سفري وتنقلي بين البلاد، وحفظتها في غرفة خاصة بالمنزل، فضلاً عن وجوب حفظها للأجيال القادمة وتعريفهم على موروث الأجداد والآباء الذين كانوا يستعينون بها لمعيشتهم في السابق، وقمت بتخصيص جزء من منزلي لأصنع منه متحفاً شاملاً للأجواء التي كان يعيشها الآباء والأجداد سابقاً.
ثلاث غرف
وأضاف أنه استطاع أن يجمع معظم الأنواع القديمة، حيث يمتلك اليوم المئات من الأدوات الأثرية، التي كانت تستخدم قديماً في أمور الحياة داخل الدولة وشبه الجزيرة بل امتدت لتشمل موروثات عالمية، حتى لم تعد تتسع لها غرفة واحدة في المنزل فخصص لها ثلاث غرف.
البشتختة
هي جهاز يختصر الكثير من الحنين إلى الماضي والطرب وحياة الأجداد قديماً، فكل من أدار إبرتها على الأسطوانة واستمع لأغانيها لا يمكن أن ينسى ألحانها المنبعثة في أرجاء البيت. الجهاز وصل الدول الخليجية من أوروبا مع الحرب العالمية الثانية، وكان متوافرا في بعض المقاهي الشعبية فقط، حيث يجتمع معظم أهالي الفريج ويقضون الفترة من صلاة العصر حتى أذان العشاء في سماع الأغنيات المعروفة، وكان يرافق تلك الجلسة تناول الشاي، مع ضحكات وحكايات ومناقشات عن الصيد الزراعة، ثم ينتهي هذا التجمع بعد صلاة العشاء ليعود كل شخص إلى بيته وعائلته حتى صباح يوم جديد.
«البشتختة» هي الجهاز الموسيقي القديم لتشغيل الاسطوانات، وتحول اليوم ومع مرور الزمن إلى قطعة تراثية يقتنيها عشاق التحف، ويزين الكثير من المنازل والمتاحف.
ويوجد بداخل الجهاز آلة صغيرة تسمى «كوك» تدور لدفع القرص الدائري، فتدور الأسطوانة التي فوقه وتحدث الصوت باحتكاك الإبرة بها، بينما كان البوق الذي يوجد فوق الصندوق يوزع الصوت. وله أشكال وأحجام البعض منها كان يشغل يدوياً، والآخر بالشحن من خلال البطاريات أو عن طريق الكهرباء، أكثر أنواعه المتداولة في الإمارات هو ما كن يطلق عليه الشياب «أبوبرغام» وكان من ملحقاته «هندل» وهو يمثل في الوقت الحاضر اللاقط، إضافة إلى وجود قطع أخرى لرفع الصوت وخفضه.
موروث غني
العملات المعدنية الذهبية والفضية، ومصابيح الكهرمان، والطوابع، والكتب التراثية والدينية، كتب الأشعار النبطية، الصور التراثية والتاريخية، والإسطوانات البلاستيكية والقار، والشبرية والمرش والمندوس، والناريل وهي تشبه الشيشة، كلها من ضمن مقتنيات بوسعيد، كما تتوفر لديه بعض من أدوات الغوص، علماً بأنه كان يعمل أيضاً في صناعة الخناجر والسيوف تلك المهنة التي ورثها عن أجداده.
الحقيقة ان الزائر لمنزل درويش لا تكفيه زيارة واحدة للاستمتاع بالمقتنيات التي تعد «انتيك» ولها قيمة أثرية عالية، اضافة الى القيمة المادية.
35 عاما
أكد الحداد أنه جمع هذه المقتنيات على مدى نحو 35 عاماً، إذ بدأ بأشياء بسيطة كان يهوى جمعها، كما أنه يحرص على زيارة بعض البلدان الآسيوية التي تتوافر فيها الأشياء القديمة، بهدف اقتناء القطع الأثرية، ويضيف أنه يستعين بأصدقائه للحصول على مقتنيات نادرة، إذ يقدمون المساعدة له لعلمهم بشغفه بجمع الأشياء القديمة والتراثية، خصوصاً المتصلة بالحقب الماضية في الإمارات، لتوثيق وحفظ ملامح تعكس حقبة عاشها أهل الإمارات.