لا شك ان النجاح الكبير والنهضة التنموية الشاملة التي تشهدها دولة الامارات العربية المتحدة في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قام على أسس متينة، أسس صخرية وليست رملية، فقد أرادها الشيخان زايد وراشد مؤسسا الاتحاد دولة قوية عظيمة، وكان أمام أعينهما حلم يبدو وقتها صعب المنال الا انه تحقق وأصبحت الامارات "أرض الأحلام والفرص".

وعندما نراجع التاريخ ونعود الى الوراء 44 عاما نجد ان ما كان يحلم به الشيخان زايد وراشد لم يكن حلما عاديا بل كان اقرب الى الخيال، مهمة شاقة وصعبة بناء دولة بكل مقوماتها والتوفيق بين العقول والامكانيات والتقريب بين الحدود، الا ان المدقق لتخطيط الامارات ومنها إماراتا أبوظبي ودبي يجد ان البنية التحتية تحمل رؤية واسعة لا حدود لها من التقدم الافقي والرأسي، كذلك الاهتمام بالتفاصيل بفضل الرؤية الواسعة والمتعمقة للمؤسسين زايد وراشد.

ازدهار

لا يخفى على احد انه بفضل القيادة الحكيمة من المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد، طيب الله ثراهما، استطاعا أن يتغلبا على كافة الصعاب والتحديات حتى وصلا بالدولة إلى ما هي عليه الآن، وأصبحت من أرقى دول العالم وتضم أرقى الجامعات والمستشفيات والوزارات، وغيرها من المؤسسات المهمة، وأصبحت رؤية الإمارات مزدهرة.

عمل مؤسسا الاتحاد زايد وراشد على توفير البنية التحتية بكل معطياتها، بما فيها المستشفيات، المدارس، مؤسسات التعليم العالي، المعاهد، المراكز الثقافية والمهنية والمؤسسات العسكرية والأكاديمية والفنية لتحقيق الغاية النبيلة، وتهيئة كل الظروف الملائمة التي تمكّن أبناء الإمارات من تحمل مسؤولياتهم الوطنية، وقد حدد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أهداف هذا التوجه بقوله: "إن الثروة ليست ثروة المال بل هي ثروة الرجال، فهم القوة الحقيقية التي نعتز بها، وهم الزرع الذي نتفيأ ظلاله، والقناعة الراسخة بهذه الحقيقة هي التي مكنتنا من توجيه كل الجهود لبناء الإنسان وتسخير الثروات التي منّ الله بها علينا لخدمة أبناء هذا الوطن، حتى ينهضوا بالمسؤوليات الجسام التي تقع على عاتقهم ويكونوا عوناً لنا ولأشقائنا".

تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، مقاليد الحكم في أبوظبي في 6 أغسطس 1966 سنوات حافلة بالعمل الدؤوب لتنمية إمارة أبوظبي في مختلف المجالات، حيث جرى تسخير عوائد الاستثمارات البترولية للإنفاق على إطلاق وإقامة مشاريع التطوير والخدمات والبنية التحتية، كما بدأ العمل في تنفيذ برامج طموحة للتنمية الشاملة التي استهدفت شتى نواحي الحياة بالتغيير والتبديل، حيث كان يقول رحمه الله: "لا فائدة من المال إذا لم يسخر في خدمة الشعب".

وشهدت إمارة أبوظبي بعد سنوات قليلة من تولي الشيخ زايد لمقاليد الحكم بها، تحولات جذرية في زمن قياسي، حيث تم تنفيذ مئات المشاريع في البناء والتشييد والتحديث والتطوير والخدمات التي شملت إقامة المساكن وإنشاء التجمعات السكنية الحديثة وبناء المستشفيات والعيادات والمدارس والجامعات والمعاهد والكليات والهياكل الأساسية للبنية التحتية من طرق وجسور وكهرباء وماء وخدمات الاتصال والمواصلات، وغيرها من مرافق الخدمات الأساسية من أجل بناء دولة عصرية وتوفير مقومات الحياة الكريمة للمواطنين.

وقد نذر الشيخ زايد، رحمه الله، نفسه لإسعاد أبناء شعبه، وأخذ يجوب البلاد طولاً وعرضاً يتابع عمليات البناء والتشييد، ويتنقل بين الحضر والقرى والصحاري والوديان، ليتفقد بنفسه مشاريع الإنماء والإعمار، ويقف عند معدلات الإنجاز فيها، ويقود تحدياً غير مسبوق للحاق بركب الحضارة والتحديث، حيث تحققت خلال سنوات حكمه منجزات عملاقة وتحولات جذرية في مختلف مجالات التقدم العمراني والصناعي والزراعي والتعليمي والصحي والثقافي والاجتماعي، وجرى إنجاز قاعدة متينة وحديثة لهياكل البنية الأساسية.

بناء الاتحاد

لم يقتصر عطاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، على إمارة أبوظبي وحدها، حيث كان يتطلع، رحمه الله، منذ تولى الحكم في إمارة أبوظبي إلى جمع شمل الإمارات الأخرى، حيث بادر بعد أقل من عامين من توليه حكم إمارة أبوظبي، بالدعوة إلى جمع شمل الإمارات، وأكد في هذا الخصوص "أن الاتحاد هو طريق القوة وطريق العزة والمنعة والخير المشترك، وأن الفرقة لا ينجم عنها إلا الضعف، وأن الكيانات الهزيلة لا مكان لها في عالم اليوم، فتلك عبر التاريخ على امتداد عصوره".

ولاقت هذه الدعوة الحكيمة والمخلصة استجابة واسعة، تجسدت في الاجتماع الذي تم بين المغفور، لهما بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في منطقة السمحة في 18 فبراير 1968 في أعقاب إعلان الحكومة البريطانية في ذلك العام عن إجلاء جيوشها من الإمارات المتصالحة في الخليج قبل عام 1971، تركز اللقاء على إقامة اتحاد بين الإماراتين يقوم بالإشراف على الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والخدمات الصحية والتعليمية، واتفقا على دعوة حكام الإمارات الأخرى لاجتماع في دبي لمناقشة قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة بين الإمارات التسع، والذي كان مقترحاً أن يتشكل من إمارات أبوظبي، دبي، الشارقة، رأس الخيمة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة بالإضافة إلى البحرين وقطر، ورفع بعد هذا اللقاء شعار الاتحاد الذي نادى به زايد وراشد، وتجاوب حكام الإمارات الأخرى مع هذه الدعوة المخلصة وعقدوا اجتماعاً آخر من الفترة 25 إلى 27 فبراير 1968 في دبي، انبثقت عنه اتفاقية قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتواصلت بعدها الاجتماعات واللقاءات والمشاورات بين الحكام، لحين انعقاد الاجتماعات الحاسمة خلال الفترة من 11 إلى 15 أكتوبر 1969، والتي تم فيها الاتفاق على تنفيذ اتفاقية دبي والإعلان بشكل رسمي قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وانتخب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، رئيساً لدولة الاتحاد والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، نائباً للرئيس.

وفي 18 يوليو 1971 عقد مجلس حكام الاتحاد اجتماعاً مهماً في دبي أقروا فيه مشروع الدولة الاتحادية، وذلك استجابة لرغبة شعوب المنطقة في إقامة دولة اتحادية يطلق عليها اسم دولة الإمارات العربية المتحدة، لتصبح نواة لاتحاد شامل في المنطقة.

الإنسان

أهم وأعظم الإنجازات التي تحققت لدولة الامارات في عهد زايد وراشد والآن في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، هو الإنسان، وخاصة شريحة الشباب من أبناء وبنات الوطن الذين يشكلون النسبة الأكبر من المواطنين.

أولوية القيادة إسعاد المواطنين

في الثاني من ديسمبر 1971 شهد التاريخ ميلاد دولة حديثة أصبحت يوم إعلانها الدولة الثامنة عشرة في جامعة الدول العربية، بعد أن استكملت وثائق انضمامها إليها في السادس من ديسمبر 1971، والعضو الثاني والثلاثين بعد المائة في الأمم المتحدة اعتباراً من التاسع من ديسمبر 1971 أي بعد أسبوع واحد من إعلان قيام الدولة الاتحادية. وانضمت إمارة رأس الخيمة إلى الاتحاد في 10 فبراير 1972. وأمر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،رحمه الله، فور الإعلان عن قيام الاتحاد بوضع جميع الإمكانيات المادية والخبرات الإدارية والفنية لحكومة أبوظبي في خدمة الدولة الاتحادية، حيث قال في هذا الخصوص:«إن الاتحاد أمنيتي وأسمى أهدافي لشعب الإمارات».

وذكر ،رحمه الله، أن هدف الاتحاد هو إسعاد المواطنين وبناء الدولة العصرية قائلاً:« لقد أدركنا منذ البداية إن الاتحاد هو السبيل لقوتنا وتقدمنا، وهو الوسيلة لإسعاد المواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم وللأجيال القادمة بمشيئة الله، كما أدركنا أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظل دولة اتحادية وطيدة الأركان ثابتة الدعائم تعي الماضي بكل عِبرِه وتعيش الحاضر بكل مكتسباته وإشراقاته، وتنطلق نحو مستقبل يواكب ركب الحضارة الإنسانية وتتخذ من الإسلام منهجاً لسياستها الداخلية والخارجية لبناء الدولة وترسيخ دعائمها والوصول إلى الحياة الكريمة التي ننشدها ونتطلع إليها».

انطلاق العمل

وانطلقت منذ اللحظة الأولى لتأسيس الدولة الاتحادية، عجلة العمل بواحدة من أضخم عمليات التنمية التي شهدتها المنطقة، وأعلن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،رحمه الله، منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد الحكم عن تسخير الثروات من أجل تقدم الوطن ورفع مستوى المواطنين، قائلاً:« إننا سخرنا كل ما نملك من ثروة وبترول من أجل رفع مستوى كل فرد من أبناء شعب دولة الإمارات العربية المتحدة، إيماناً منا بأن هذا الشعب صاحب الحق في ثروته وأنه يجب أن يعوّض ما فاته ليلحق بركب الحضارة والتقدم».

وأضاف المغفور له الشيخ زايد:«إذا كان الله عزّ وجل قد منّ علينا بالثروة، فإن أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره هو أن نوجه هذه الثروة لإصلاح البلاد ولسوق الخير إلى شعبها».

وتحولت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال سنوات قلائل من قيام اتحادها إلى دولة عصرية مزدهرة ينعم مواطنوها بالرفاه والرخاء، كما أكد ذلك ،رحمه الله، بقوله:«لقد تحققت الأماني بفضل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أسهم كثيراً في تغيير صورة الحياة في هذه الأرض وإنجاز العشرات من المشاريع في شتّى المجالات وتحقيق التقدم والازدهار في كل ناحية فيه» وأضاف ،رحمه الله، «إننا لم نكن نحلم بكل هذه الإنجازات التي تفوق كل تصوّر، وهذه السرعة التي تفوق كل معدلات التنمية المعروفة».

بناء الإنسان

حرص الشيخان زايد وراشد على بناء الإنسان بصورة موازية لبناء الوطن، الإنجاز الأهم لدولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك انطلاقاً من قناعتهما أن الإنسان هو محور كل تقدم حقيقي، وأن الإنسان المتعلم هو الدعامة الأساسية التي تعتمد عليها دولة الاتحاد، وكان لديهما قناعة قوية إن الإنسان أساس الحضارة وإنه محور كل تقدم، ومهما أقيم من منشآت ومدارس ومستشفيات وجسور وغير ذلك، فإن كل هذا يبقى كياناً مادياً لا روح فيه ، لأن روح كل هذا هو الإنسان القادر بفكره وجهده وإيمانه على تحقيق التقدم المنشود، وإن التقدم والنهضة لا تقاس بأبنية من الإسمنت والحديد، وإنما ببناء الإنسان وكل ما يسعد المواطن ويوفر له الحياة الكريمة».

وظل المواطن في نهجهما وسيلة وغاية في الوقت نفسه، وترسيخاً لهذا المنظور الجوهري، سارت كافة أجهزة الدولة في ذات الاتجاه متضافرة في جهود آلياتها وبناها التحتية والتنظيمية لبناء إنسان قادر على التعاطي مع مسارات التنمية الحقيقية، وأيضاً مسايرة مستجداتها واجتياز عقباتها، وتحديداً الأساسية منها، وفي استراتيجية وسياسات الدولة في بناء الإنسان، وقال الشيخ زايد،رحمه الله، في الثالث عشر من فبراير1972:«إن دستور البلاد نصّ على مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية وتوفير الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين، والتضامن والتراحم، واعتبار الأسرة أساس المجتمع وقوامها، والأخلاق وحب الوطن ورعاية الطفولة والأمومة وحماية القصّر، وغيرهم من الأشخاص العاجزين عن رعاية أنفسهم، وإلزامية التعليم في مرحلته الابتدائية ومجانيته في كل مراحله، والرعاية الصحية، وتوفير العمل للمواطنين وتأهيلهم له، وصون الملكية الخاصة وحرمة الأموال العامة، واعتبار الثروات والموارد الطبيعية في كل إمارة مملوكة ملكية عامة لتلك الإمارة وتشجيع التعاون والادخار».

وبعدما تحقق حلم زايد وراشد، أصبحت الإمارات أرض الأحلام للكثيرين الذين يتمنون العيش فيها، وامتزج بأحلام المواطنين بعد مرور 44 عاماً على الاتحاد، في كيفية المحافظة على هذا الحلم، بالوقوف جنباً إلى جنب مع القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والحكام، حفظهم الله ورعاهم.

رعاية الشباب

أولى الشيخان زايد وراشد اهتماماً كبيراً لرعاية الشباب وحرصا على دعوتهم باستمرار إلى التسلّح بالعلم حتى يسهموا بدورهم في خدمة الوطن، ودفعهم لأن يُلمّوا بالماضي وظروفه الصعبة والمشاق التي عاش في كنفها آباؤهم وأجدادهم، لكي يحافظوا على ما تحقق من إنجازات ومكاسب، كما كانوا يحثوا الشباب على العمل والإنتاج والالتحاق بمختلف ميادين العمل، باعتبار العمل شرفاً وواجبً.

قائدان يمتلكان فكراً فريداً تطلعا إلى بناء دولة متقدمة

زايد وراشد كانا يمتلكان فكراً فريداً ينبع من رغبة ووطنية قوية في بناء دولة متقدمة قوية تمتلك أكثر من النفط الذي وجد في أرض الإمارات، قال ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في إحدى محاضراته، وأكد أنه عاصر الرؤية والخطوات الأولى لبناء الاتحاد،

وأنه لم يكن النفط الأساس في نهضة البلاد، بل كان وسيلة استطاعت من خلالها الدولة أن تحقق إنجازاتها، في إشارة من سموه إلى أن النفط وجد بكميات أكبر في العديد من دول العالم، ولكن لم يحقق لتلك الدول ما حققه للإمارات، لأن قيادة الإمارات أحسنت استغلاله بالطرائق المثلى.

وأشار سموه إلى أن البداية لم تكن سهلة، فالمطبات كثيرة، والمعوقات أكثر، ولكن العزيمة كانت شديدة، والرؤية سديدة، فالشيخ زايد، ومعه الشيخ راشد، طيب الله ثراهما، لم يكلّا حتى تحقق لهما ما أرادا، وهو ولادة التجربة الوحدوية الوحيدة التي شهدها العرب في العصر الحديث، وأن المغفور له الشيخ زايد كان صاحب شخصية قوية وجذابة، وكان خير مستمع ومتروياً في اتخاذ قراراته، وأن دولة الإمارات على مدى السنوات الماضية حققت الكثير من الإنجازات الوطنية والحضارية والإنسانية، حتى تبوأت مكانة مرموقة بين دول العالم، وأصبحت الكثير من الدول تقتدي بها وتتعلم من تجربتها وتطورها في المجالات كافة، لافتاً إلى أن أهم إنجاز حققته الدولة هو الشباب من أبناء الوطن وبناته، فهم المستقبل وعليهم تقع المسؤولية والأخذ بزمام الأمور لصنع مستقبلهم ومستقبل الأجيال اللاحقة وتحقيق أهداف وطموحات الدولة.

وشهدت الإمارات بعد فترة التأسيس انطلاقة جبارة نحو تحقيق الطموحات والآمال والأخذ بيد المواطن ليلمس ثمار واقع حلم زايد وراشد، ويسعى مع إخوانه المواطنين إلى ترسيخ دعائم الاتحاد، للوصول به إلى قمة العالمية، مع الاحتفاظ بالهوية الإسلامية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة. ويتجدد الحلم كلما حصدت الإمارات نتيجة جديدة في مسار ما فكر فيه زايد وراشد وإخوانهما الحكام.