اشاد الدكتور لورانس سامرز وزير الخزانة الأميركي السابق بإنجازات دبي قائلاً: كل عام أزور دبي وفي كل زيارة أرى المزيد من البنيان والعمران والعلاقات الدولية، ووصف دبي بالمدينة العالمية والمحورية في الشرق الأوسط بفضل إنجازاتها ومسارها الاقتصادي.

وعبر سامرز بالنيابة عن جميع ضيوف المنتدى هذا العام من نخبة السياسيين والخبراء وقادة الرأي: نشعر بالفخر لحضورنا أعمال المنتدى وإتاحة الفرص لنا للتحدث في هذا المنتدى المهم وخاصة في وقت تتعرض فيه منطقة الشرق الأوسط للأزمات قائلاً إن ما أنجزته دبي نموذج متميز ومنارة أمل للمنطقة والعالم.

ودعا سامرز حكومة الإمارات وحكومات المنطقة بشكل عامل للتخطيط لكل طارئ محتمل قائلاً إن كل حكومة في المنطقة لديها خطة تشغيلية وخاصة في ظل انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية بنحو 50%، قائلاً إنه ينبغي على الحكومات أن يكون لديها خطط طوارئ لمواجهة الأزمات.

وناقشت الجلسة الأولى التي شارك فيها سامرز، التي حملت عنوان «حالة العالم اقتصادياً في 2016»، بمشاركة الدكتور نورييل روبيني البروفيسور في جامعة نيويورك، حالة التفاؤل الحذر الذي بدا واضحاً في المناقشات، التي عنونت قضية عدم وجود توازن ما بين الادخار والاستثمار في العالم اليوم إضافة إلى مستقبل الدولار الأميركي مع التوقعات برفع الفيدرالي الأميركي معدل الفائدة خلال الأيام القليلة المقبلة، كما كانت هناك حصة للصين ومستقبل النمو فيها وتداعيات تراجع النمو الصيني على الاقتصاد العالمي، حصة في تلك المناقشات.

الوضع القائم

وبدأ محاور قناة بلومبيرغ جلسة النقاش عندما سأل الدكتور نورييل روبيني البروفيسور في جامعة نيويورك إن كان ما يحصل في العالم طبيعياً اليوم، ورد الدكتور نورييل بالقول: إن الصينيين يزعمون أن الوضع طبيعي وأنا بطبيعة الحال أختلف معهم وأقول إن ما يحدث في العالم اليوم وضع غير طبيعي، فنحن نشهد اليوم تراجعاً في نمو الاقتصادات الناشئة بسبب قلة الابتكار، وقد بدأ التعافي في الولايات المتحدة وأوروبا ونراه يحصل اليوم في بعض الأسواق الناشئة ولكن النمو المحتمل في العالم تراجع والسياسات النقدية غير معتدلة والفائدة الصفرية لم يكن لها وجود في الماضي، فيما أصبحت السياسات النقدية سلبية، ناهيك عن مشاكل التضخم في العالم والتراجع الكبير في أسعار النفط في أسواق النفط العالمية، حيث التضخم في ازدياد في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مع توقعاتنا بتراجع التضخم في كلا البلدين في العام 2016، كما سيتراجع نمو الأجور وبالتالي لا نزال نشهد عالماً النمو فيه أقل من المتوقع وأسعار الفوائد الفعلية لا تزال منخفضة فيما ستستمر السياسات النقدية المعتادة.

وقال لورانس سامرز وزير الخزانة الأميركي السابق، إنه مهما كانت تسمية الوضع الحالي، فنحن بالتأكيد نتحول إلى عالم جديد، حيث أصبح هناك ميل للادخار أكبر من الميل نحو الاستثمار، فيما يرغب الناس في رؤية زيادة في الأرباح المؤسساتية والاقتصادات الناشئة لم يعد لديها القدرة على جذب الاستثمارات، وهذا كله سيرفع مستوى الادخار على حساب الاستثمار.

وأضاف الدكتور سامرز «أصبح الهاتف الذكي اليوم أقوى من أي حاسوب في العالم منذ عام 1993، ولذلك الكثير من الشركات الكبرى مثل أبل وغوغل تمتلك اليوم كميات كبيرة من السيولة لا تعرف ماذا تفعل بها، ولدينا مستوى عال من الادخار ومستوى قليل من الاستثمار، كما ينبغي خفض معدلات الفائدة وخفضها مطلوب من أجل أن تتمكن الدول من إحداث موازنة في اقتصاداتها وإلا سيكون هناك تراجع حاد في اقتصادات تلك البلدان.

ويرى الدكتور سامرز أن العالم يعيش اليوم فوضى مالية وعليه أن يواجه تحدي تزايد حالة الادخار القائمة اليوم. ويرى أن نمو الادخار ليس بالمشكلة الجديدة فهي قائمة حتى قبل إدراكها، فعلي سبيل المثال كان نمو الولايات المتحدة ما بين 2003-2007، بنسبة مقبولة، ولكي نتمكن من الحصول على نمو مقبول كان علينا إلغاء معايير الاستدانة، ما قاد إلى فقاعة عقارية في السوق العقارية الأميركية، مشيراً إلى أن البنوك المركزية تفعل ما ينبغي عليها فعله لمواجهة الوضع الحالي والبنوك المركزية استجابت للتباطؤ الناتج عن التباين بين الادخار والاستثمار.

الابتكار والتكنولوجيا

وحول حالة الاقتصاد العالمي التي تذكر بأحوال الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي قال الدكتور نورييل روبيني إن هناك الكثير من الدين العام والخاص وحالة من الركود ونمواً في حالة عدم المساواة وكلها تقود لعدم التوازن.

وأضاف أنه وعلى الرغم من كل الإنتاج المبتكر لا تزال أسعار السلع في حالة تراجع مؤكداً أن العالم على شفا ثورة تكنولوجية عالمية ستقود الارتفاع الكبير في الإنتاجية، إلي جانب وجود منتجات طاقة جديدة، والتكنولوجيا الحيوية التي ستطيل في عمر البشر إلى جانب الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي والروبوتات، والتكنولوجيا المالية، وكل ما نراه من ابتكارات مالية اليوم، هناك أيضاً تكنولوجيا الابتكارات الدفاعية التي ستغير وجه الإنتاجية.

وأشار إلى أن البعض يرى أن أسعار الطاقة ستتراجع بعد 15 عاماً وستحل محلها الطاقة الشمسية، التي ستحل مشاكل الغذاء، كما ستنخفض كلفة التعليم وسيكون هناك عالم جديد الأوضاع فيه مختلفة.

وقال سامرز إنه من الصعب التنبؤ عما سيحدث في السنوات العشر إلى الخمس عشرة المقبلة في الماضي لم يكن أحد ليتخيل أن معدلات الفائدة ستكون صفرية، كما هي عليه اليوم وأنا أتفق مع الدكتور نورييل روبيني بأنه سيكون هناك الكثير من الإيجابيات التي سنواجهها مستقبلاً على سبيل إنتاجية السلع وهذا يدل على أننا نقيس الإنفاق بشكل صحيح، واتفق مع الدكتور روبيني بالقول إن التضخم في تراجع. وإذا كان لدينا عرض أقل سيكون هناك حدود على الطلب الناجم عن الزيادة في الادخار، وسيكون لذلك آثار سلبية.

أسعار الفائدة

قال الدكتور لورانس سامرز إن أسعار الفوائد في الماضي لم تعد مناسبة لتأمين النمو اليوم وأضاف على البنوك المركزية في العالم أن تتجاوز هذا التفكير وأن تعي أن أسعار الفائدة التي كانت قائمة قبل 15 عاماً لم تعد مناسبة اليوم وأنه علينا خلق مزيد من الاستثمارات وتأمين مزيد من الاستهلاك، فعلي سبيل المثال نحن اليوم نستثمر في البنية التحتية في الولايات المتحدة أقل من أي وقت مضى، ومطار كيندي هو صورة لما يحدث اليوم في الولايات المتحدة الأميركية، حيث إن الاستثمار في البنية التحتية من شأنه أن يحقق لنا نمواً اأسرع ويصل بنا إلي مستقبل نقدي سليم.

مخاطر

يشير سامرز إلى أن النظام المالي في العالم أصبح اليوم مصدراً للمخاطر، حيث أسهم هذا النظام في تدمير أرزاق الملايين من شعوب العالم وقال إنه كان يجب أن يكون هناك برنامج إصلاحي كبير، ودعا إلى ضرورة وجود مناعة لدى المؤسسات، وأن يكون لديها رؤوس أموال أكبر واحتياطات نقدية أكبر. ويرى أن النظام المالي العالمي أقل هشاشة اليوم بفعل التدابير الكثيرة، التي اتخذها العالم أثر الأزمة المالية العالمية، لكنه رغم ذلك لا يزال يرى أن النظام المالي غير آمن وبأنه لا يزال من الممكن تغيير الوضع المصرفي في العالم اليوم، ويرى أن النقاد والمشرعين قد وصلوا اليوم لمستوى من التكاسل أدى إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي وخفض الفوائد فيما كان للقوانين الجديدة تأثيرات ارتدادية.

تباطؤ الصين سيحدث ركوداً في الاقتصاد العالمي

يرى الدكتور نورييل روبيني البروفيسور في جامعة نيويورك بأن الصين بالغت في الاستثمار في البنية التحتية، لكن بالمقابل هناك أيضاً طلب كبير على البنية التحتية في منطقة الشرق الأوسط.

وقال إن وجود شراكة ما بين القطاعين العام والخاص من شأنه رفع رأس المال العام وتعزيز الاستثمارات وهذا بدوره سيرفع الطلب على البنية التحتية وهذا بطبيعة الحال يفرض علينا ضرورة رفع الإنتاجية في العالم. وأضاف أن السوق ولوقت طويل كانت ترى أن الصين ستحقق 7% نمواً في اقتصادها ولكن تبين خلال الصيف أن هذا الأمر لم يكن صحيحاً ورأينا كيف تراجع اليوان الصيني وبرأيي أن النمو الصيني في تباطؤ، وهذا يعني أن الطريق أمام الصين ستكون متعرجة والنمو سيكون بحدود 5% وبالتالي ليس على الصين خفض عملتها.

وقال: برأيي أن تباطؤ الصين سيتسبب في إحداث ركود عالمي والصين تقول إنها ستحافظ على نمو في حدود6-7% وهذا برأيي غير واقعي، وعلينا أن نتذكر أن ديون الصين محلية وليس لديها تراكم في الديون الخارجية، وكل هذه الديون تعود لجيوب الحكومة، وبرأيي أن الخسائر التي لحقت بالصين كانت بسبب استثماراتها السيئة، فالصين تمتلك 3.6 تريليونات دولار من احتياطات العملة الصعبة، وهذا من شأنه موازنة الوضع الاقتصادي للصين.

لورانس سامرز قال علينا أن نبدى إعجابنا بإنجازات الصين وما حققته خلال 35 عاماً الماضية، التي قادت لرفاهية الإنسان في الصين، حيث تحول من ركوب الدراجة الهوائية إلى المركبات خلال جيل واحد فقط في دولة يفوق تعداد سكانها المليار نسمة، وأضاف، ما تعلمناه من التاريخ هو أن الناس تميل إلى المغالاة في التوقعات فعلى سبيل المثال عندما توضع صورة شخصية سياسة على غلاف مجلة «التايمز» فهذا يعني ن مسيرته السياسية في طريقها للتدهور بينما عندما توضع صورة رياضي على غلاف المجلة، فهذا يعني أنه في أوج إنجازاته، برأيي أن الدين الصيني داخلي والصين بطبيعتها تخزن المشاكل وتجد حلول لها مستقبلا، مع الإشارة إلى حصول انكماش في القوى العالمة في الصين، بسبب سياسة الطفل الواحد في الصين، ولكن رغم تغير هذه السياسة فإن النتائج لن تكون سريعة.

الدولار القوي

أشار الدكتور نورييل روبيني أن الدولار الأميركي اكتسب قوة في عام 2015 وتوقع استمرار ذلك في عام 2016، وتوقع أن تستمر المصارف الأميركية في سياساتها في العام المقبل 2016، كما توقع أن تضعف العديد من الاقتصادات الناشئة واقتصادات أخرى مثل كندا وأستراليا في عام ،2016 فيما ستتراجع اقتصادات أخرى في العالم بصورة أكبر في العام المقبل. ومع المزيد من التعزيز للدولار الأميركي في 2016 دعا روبيني إلى رفع معدل الفائدة الأميركي بصورة تدريجية وعدم رفعه بصورة كبيرة مرة واحدة وإلا عاد للهبوط بشكل كبير مجدداً قائلاً إن الفيدرالي الأميركي لا يريد أن يرفع سعر الفائدة اليوم أو غداً بشكل كبير حتى لا تعاود الهبوط بشكل كبير مجدداً، مذكراً بأن كل بنك مركزي في العالم رفع الفائدة قام بخفضها مرة أخرى.

إنتاج

إيران قادرة على إنتاج 800 ألف برميل نفط يومياً 2016

ركزت مناقشات الحضور على حاجة البلدان النفطية إلي تنويع اقتصاداتها، بحيث لا تعتمد بشكل كامل على الثروة النفطية وخاصة في ظل التراجع الكبير في أسعار النفط في الأسواق العالمية، وأشاد عدد من الخبراء باستراتيجية الإمارات في تنويع اقتصادها، لما لها من مزايا كبيرة.

وتشير توقعات إلى عودة إيران المرتقبة للسوق النفطية في العام المقبل، في ظل تقارير تحدثت عن امتلاك إيران لنحو 600 مليار برميل من النفط، وبالتالي سيمكنها من تصدير النفط مباشرة. وبالنظر إلى السعة الإنتاجية لإيران فإن إنتاج إيران النفطي في عام 2016 سيتراوح ما بين 600 ألف إلى 800 ألف برميل من النفط يومياً، وفقط من خلال استثمارات ضخمة سيحتاج الأمر لسنوات قبل إمكانية أن ترتفع القدرة الإنتاجية لإيران من النفط مع الوقت، كما أن حقيقة أن الإنفاق الرأسمالي للدول الأكثر إنتاجاً للنفط قد تعني أن ازدياد السعة خلال السنوات القليلة المقبلة سيكون أبطأ، ومع شعر برميل النفط القائم اليوم أتوقع بنهاية عام 2016 أن تكون أسعار النفط أعلى مما عليها اليوم، أي في حدود 50 دولاراً للبرميل.دبي – البيان

أداء

فترة التعافي مستمرة من الأزمة السابقة

أشار متحدثون إلى أن آثار الركود الذي كان موجوداً خلال السنوات الماضية ستبقى للسنوات المقبلة وأن الأزمات غيرت الاقتصاد العالمي ورغم أن العالم ليس في ذات مرحلة 2008 و 2009 ولكنه لم يعد إلى الحالة الطبيعية وسيستغرق الأمر فترة طويلة. وأكد الخبراء أهمية إيجاد حالة من التمويل المبتكر والشراكات بين القطاع العام والخاص وخفض المصاريف والتكاليف الحكومية والمحاسبة الحسابات الدقيقة، فضلاً عن تحديد الأولويات، وعدم تأجيل المشاريع الكبرى بحجة الدين.

وحول ما يجب فعله من قبل الحكومات مستقبلاً أشار الخبراء إلى أن الأمر يختلف من حكومة لأخرى، ولكن يتوجب على الحكومات أن تخطط لكل الطوارئ المحتملة، فليس من الحكمة أن تضع الحكومات ميزانياتها المستقبلية مع إغفال كون احتمالية سعر برميل النفط تحت 50 دولاراً، إذ يجب أن يكون لديها خطط تفترض الأسوأ.