تطرقت الجلسة الرابعة من جلسات المنتدى الاستراتيجي العربي إلى استشراف المستقبل السياسي للعالم العربي، واستضافت الجلسة رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الأمير تركي الفيصل وأستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس البروفيسور غسان سلامة، واضعين نظرة غالبت التشاؤم بمسحة من التفاؤل والأمل بالشباب.

وفي مداخلته ذكر الفيصل بتعليق لوزير الخارجية السعودي السابق الراحل الأمير سعود الفيصل، الذي تطرق قبل وفاته إلى وضع العالم العربي ووصفه بأنه يشبه حالته الصحية، يحتاج إلى علاج، في إشارة منه إلى تداعي هذا الوضع.

وقال الفيصل إن هذا الوضع سيستمر في العام المقبل ولكنه لا يدعو ذلك للتشاؤم، فالأمل كبير بشباب الأمة أن ينهضوا بها وأن يتجنبوا ما ارتكبته الأجيال السابقة من أخطاء، فإن لم يكن لهم يد بتغيير الأوضاع، فهم أصحاب المصلحة في تحقيق ما نصبو إليه جميعاً.

وحول التغيرات السياسية قال الفيصل إنها كبيرة، ولا شك أن من أهمها التدخل الروسي، الذي توقع أن يستمر في العام المقبل. ولكن التساؤل هو هل هذا التدخل في مصلحة سوريا؟ وقال إنه رغم التأكيدات على ذلك، نرى أنه سيزيد تعقيد المشكلة ولا يسهم في حلها فالوضع سيستمر في تأزمه. وأبدى استغرابه من تقاعس العالم في وضع حد للإبادة التي يقوم بها بشار الأسد في سوريا، مؤكداً أنه لا بد من معاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم، وقال إن الجميع مسؤولون جزئياً عن تعرض الشعب السوري للبطش، لعدم القدرة على مساعدته، حيث ستبقى سوريا للأسف مسرح دماء خلال عام 2016.

وتابع الفيصل قائلاً: أن الإرهاب يشملنا جميعاً، ودول العالم كلها مسؤولة عن وضع حد لهذا الأمر، ولكن الطريقة المتبعة في الغرب، والآن في روسيا، تتمثل بعلاج أعراض الإرهاب وليس مسبباته، فمشكلة العراق وسوريا موجودة في العواصم نفسها، وهو ما أدى لنشوء تنظيم داعش وغيره وتمركزه ونشره لوبائه علينا كلنا. فالقصف الجوي لن ينهي الأزمة، وأتمنى أن نسعى في العام المقبل لإصلاح الوضع في الدول المتداعية.

اليمن

أما في ما يتعلق باليمن، فقال الفيصل إن دول التحالف تقوم بواجبها تجاه إخوانها المظلومين في اليمن في وجه ما قامت به ميليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح من لصوصية في الاستيلاء على الدولة اليمنية وحقوق اليمنيين، وتوقع أن تعمل عاصفة الحزم على إعادة الوضع إلى ما يجب أن يكون عليه.

وحول العراق، قال الفيصل: العراق لا يزال يعاني من تبعات تصرفات القيادات المتتالية بعد الغزو الأميركي، الذي تسبب بتدمير البنية الأساسية للدولة وساهم فيما يشهده العراق من تفكك وتشرذم وحرب أهلية، وكذلك تصرفات حكومة المالكي التي استبعدت السنة العرب، وقال ان حكومة العبادي أعلنت برنامجا لتصحيح الوضع ونرجو لها التوفيق، وعلى أرض الواقع فإن الشيء الإيجابي هو الهبة الشعبية ضد الحكومة. وفي العام المقبل سيكون أثرها واضحاً وستعيد مسار الحكومة العراقية كي تستوعب الجميع، ليس فقط في مكافحة الإرهاب، إنما في إنماء العراق. ونرجو أن نسترجع العراق العربي الحر المسلم الذي يكون رصيداً لنا بدل أن يكون عبئاً.

وحول إيران والاتفاق النووي وتصرفات إيران، قال تركي الفيصل ان عام 2016 سيشهد تعنتاً أكثر من قبل إيران بدلا من التوافق مع جيرانها ودول العالم. وأكد أنه يختلف مع القول ان لا بديل للاتفاق النووي سوى الحرب، فلو أن الدول الخمس زائد واحد، التي فاوضت إيران، شملت دول المنطقة في المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق يتبنى حظر أسلحة الدمار الشامل في المنطقة بأكملها، لكانت البديل الأمثل واللبنة الأولى لاتفاقيات أكثر ثباتاً. وأكد الفيصل على ضرورة أن يتناول أي اتفاق مسألة نزع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة.

وقال انه يجب على المنطقة بناء قدراتها في المجال النووي، كي تكون قادرة على مواجهة ما سيحصل عند انتهاء مدة الاتفاقية بعد عشر سنوات أو 15 سنة. وإيران بالتأكيد تجهز نفسها لذلك، وقال: لا يجب أن نخاطر بالتغاضي عن سؤال ماذا ستفعل إيران بعد انتهاء مدة الاتفاقية، ويجب أن نشرع بالتدريب والتعليم وتهيئة البنية الأساسية، لافتاً إلى أن الإمارات كانت سباقة في ذلك، حيث شرعت ببناء المفاعلات النووية وتأهيل أبناء وطنها، ويجب أن يكون لدينا القدرة البشرية للاعتماد على الذات لنكون جاهزين للمستقبل.

وتطرق إلى تكوين تحالف إسلامي، جديد قائلاً: أحمد الله أنني عشت لأرى هذا اليوم الذي سيكون فيه مستقبل شبابنا وبناتنا محمياً في الدول الإسلامية، وفي صدرها الأمة العربية وفي قلبها دول مجلس التعاون. وفي إجابة على سؤال حول الإرهاب والتحالفات الدولية ضده قال تركي الفيصل انه يتمنى أن يكون لهذه التحالفات تنسيق في تحديد أسباب المرض وليس عوارض المرض، فإن لم يكن هناك إصلاح في دمشق ستبقى داعش وغيرها، تجد مجالا لاستقطاب المتطوعين من جميع أنحاء العالم، وإن لم يكن هناك علاج للوضع في طرابلس ستستمر ليبيا في أزماتها.

وقال إن هناك توجهاً إلى إدارة الأزمات بدلا من إنهائها أو حسمها. والمثال الأكبر فلسطين الأزمة القائمة منذ أكثر من 70 عاما، ولا تزال قائمة، بينما الحلول واضحة وهو حل الدولتين بالاتفاق على الحدود المشتركة، ولكن ليس هناك إرادة سياسية، فشخص مثل وزير خارجية أميركا يقضي نصف وقته من أول سنتين في عمله في العمل على هذه القضية، ويقوم بعشرات الرحلات إلى المنطقة دون نتيجة، لأنه همه إدارة الموضوع بما يحفظ مصالح الإدارة الأميركية وليس حسمه.

وينطبق ذات الوضع على سوريا. وتابع قائلاً انه ليس هناك إرادة سياسية لحسم الأزمات، فالأزمات يجب أن تحسم ولا أن تدار. فعلاج الإرهاب لا بد له من وجود حسم يشمل الذهاب إلى الإرهابيين في معاقلهم وتطهيرها، وإن احتاج الامر التضحية بالنفس فنحن مستعدون لذلك وهو ما نقوم به في اليمن.

مسحة من التفاؤل

أما غسان سلامة، فقال في مداخلته إنه لو توقفنا عن ما هو حاصل اليوم لشعرنا بمسحة من التفاؤل؛ ففي هذه اللحظة من المفروض أن يكون هناك وقف لإطلاق النار في اليمن ويتوجه وفدا الحكومة والمعارضة للتفاوض. ويفترض أن يكون كيري ولافروف يتحدثان عن إمكانية بدء التفاوض بين النظام والمعارضة في سوريا. ومن الممكن أن يتوجه الطرفان في ليبيا إلى توقيع على اتفاق يتم العمل عليه يوم الخميس المقبل. أما في العراق فاللحظة الراهنة تسمح بمسحة من التفاؤل ذلك أن الطرف الكردي في سوريا تمكن من قطع الطريق بين الرقة والموصل، والجيش العراقي استعاد جزءا من الرمادي، وتم تكوين تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب. وشدد سلامة على أن كلمة «مسحة» هي الكلمة الأساسية، فليس التفاؤل كبيراً ولكنه موجود.

الانتصارات الممنوعة

وقال سلامة ان السنة المقبلة ستتميز بواحدٍ من أربعة عناصر، حيث سيكون 2016 عام الانتصارات الممنوعة وعام النزاعات المجمدة وعام التسويات المزعجة وعام النزاعات المستجدة.

وأوضح سلامة أن هناك صعوبة، وإلى حد ما استحالة، بل ومنع للانتصارات العسكرية. وقال سلامة هناك نوع من الاتفاق الضمني لمنع أي انتصار عسكري واضح في أي من هذه الساحات لذلك اختار عنوان عام الانتصارات الممنوعة.

وتابع سلامة أن 2016 قد يكون عام التسويات المزعجة إذ ليست هناك أي تسوية مثالية فكل الأطراف يجب أن تقدم تنازلات وكل عناصر التسويات التي نراها مزعجة. ومقدماً مثالاً على التسويات، قال سلامة اليوم نتذكر 20 عاماً على اتفاق دايتون في البوسنة، والنتيجة أن البوسنة بعد عشرين عاماً، لا تزال ضعيفة وتواجه العديد من المصاعب. وقال سلامة ان التسويات بطبيعتها ليست أفضل الحلول، قد تكون في ليبيا تسوية مزعجة للجميع، ونفس الشيء قد يحدث في سوريا أو العراق أو اليمن.

وتساءل سلامة كيف يمكن التحضير لهذه التسويات مجيباً بأن ذلك يتم بالقبول أن لا نصر عسكرياً متاحاً، فيكون الخيار بين التسوية المزعجة والنزاعات المجمدة التي هي النزاعات التي توقف فيه القتال دون الوصول إلى تسوية، فهل الأفضل في اليمن أو سوريا نزاع مجمد مثل أوكرانيا أم تسويات مزعجة مثل البوسنة؟

وتابع سلامة أن العام المقبل قد يكون عام النزاعات المستجدة غير القائمة اليوم ولكن قد نراها، وبدأنا نرى نزاعا منذ فترة بين تركيا وروسيا.

عجز المنظمات الإقليمية

وتابع سلامة قائلاً إن العام المقبل قد يكون عام عجز متزايد للمنظمات الإقليمية في لعب دور مفيد، فهناك تعثر في تأثير جامعة الدول العربية على الأحداث وهذا ينطبق على أوروبا، حيث هناك صعوبات في التفاهم الأوروبي حول الإرهاب والنازحين وحتى في حلف شمال الأطلسي، حيث لم يتضامن مع تركيا كما كان متوقعاً مع دولة عضو فيه.

وأضاف قائلاً ان العجز في عمل المنظمات الإقليمية قد يقابله زيادة في قدرة المنظمات الدولية، حيث قد يكون للأمم المتحدة دور أكبر.

وحول مستقبل السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية بعد الانتخابات قال سلامة ان أوباما شكل بسياساته الانكفائية، وسعيه لعدم التورط في الحروب وعدم الاندفاع في التدخل بسبب النتيجة الكارثية لحرب العراق.

وقال: هناك من يرى هذه العقيدة أنها مع رحيل أوباما ستتحول إلى توجه تدخلي جديد وهناك رأي آخر يقول بتعمق هذا التيار الانكفائي في المجتمع الأميركي.

الخصم الأول

وحول تنظيم داعش، قال سلامة ان تنظيم داعش ليس الخصم الأول لأي شخص يدعي أنه يحاربه، في معظم الأحيان هو الحجة التي تسمح للأطراف بالتدخل لمحاربة خصومها، فمنذ فتح قاعدة انجيرليك فإن أقلية من الطلعات الجوية تستهدف التنظيم والباقي يستهدف حزب العمال الكردستاني وفي حالة روسيا كانت قلة ضئيلة من الضربات موجهة ضد تنظيم داعش والباقي ضد المعارضة. أما النظام السوري فأقل من 10 في المئة من ضرباته موجهة ضد التنظيم الإرهابي.

وقال إن المعارك الحقيقية الأقوى مع تنظيم داعش حصلت مع أكراد سوريا، وذلك لأن وضعهم متميز، حيث تدعمهم أميركا وروسيا معاً، وهو وضع استثنائي ولكن هناك حدود لقدرة انتشار العنصر الكردي في سوريا. وفي العراق كانت هناك مشكلة أخرى هي تفضيل حشد طائفي ضد تنظيم داعش يقوي التنظيم على الجيش العراقي الوطني، فطريقة المحاربة قد تزيد الخصم قوة.