طالبت نخب أكاديمية وثقافية إماراتية وعربية، بالتركيز على دور الشباب في استئناف الحضارة العربية وانتشال العرب إلى طريق مغاير، داعين إلى استثمار العقول الفتية من الرواد القياديين المؤثرين على مستوى والوطن العربي، والعمل بجد وعزيمة وإصرار لتعجيل مسيرة التطور وجعله يقفز لا أن يسير على قدر الإمكان.

وأكدوا أهمية إعلاء دور العقل والقدرة على الإبداع والانفتاح على الحضارات الأخرى، على أن ذلك لا يتأتى بمعزل عن اللغة العربية وإرادة التغيير، مشيدين بدعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بتغريدات على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، لاستئناف الحضارة العربية.

دروس

الدكتورة فاطمة الصايغ أستاذة التاريخ في جامعة الإمارات رأت بصفتها مؤرخة، أن البشر يستمدون من التاريخ الدروس والعبر، وأن له أهمية خاصة، وأن الحضارة بلا شك يمكن استئنافها عربياً، باعتبارها عملية تكاملية مستمرة يمكن متابعتها أينما توقفت وإذا وجدت الإرادة والرغبة فإن المسألة تصبح ممكنة.

وتابعت الصايغ أن العرب استأنفوا ما انتهى إليه من سبقهم، وقد توقفوا فترة وجاءت أمم أخرى واصلت الطريق، فالغرب لم يبدأ من الصفر، وإنما من حيث انتهى الآخرون، لكنها تطرح تساؤلا منطقيا حول مدى قدرة العرب وامتلاكهم للقيم التي كانت لدى العرب سابقا.

وعليه تؤكد الصايغ الحاجة إلى شخصيات قيادية مؤثرة، واصفة العرب بأنهم كالماس الذي يكسوه التراب ويحتاج إلى من يزيل هذا التراب ليعود بريقه ناصعا، مشيرة الى وفرة الإمكانيات، لكن ما ينقص هو الدافع والفرصة ليخرج أجمل ما فيه.

دور

وقالت الصايغ إن أهم نقطة ينبغي التركيز عليها دور الشباب في هذا الاستئناف، فما هو دورهم؟، «نحن نضع آمالنا على الجيل الجديد لذا نعطيه الأمل لانتشالنا لطريق مغاير».

وذكرت أن تغريدات سموه تعطي جرعة قوية من التفاؤل والأمل لإكمال المشوار، فسموه «يبث العزيمة ويمنح بصيص أمل نحتاج إليه في هذه المرحلة تحديدا، ونحن نشهد حالة تشاؤم تعم العالم وليس المنطقة العربية فحسب، فجميل أن تكون هناك نقطة ضوء».

تقدم

بدورها اعتبرت منى راشد آل علي الدكتور المساعد في جامعة الشارقة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، مبادرة صاحب السمو نائب رئيس الدولة لمناقشة استئناف الحضارة على درجة من الأهمية والضرورة، خصوصا في الوقت الحالي، لما لها من دور في دفع عجلة التقدم في جميع المجالات، ومواصلة طريق التطوير والنماء وزيادة الإبداع عند الأمة العربية.

لافتة الى أن سموه «ينبه ويذكر الأجيال الفتية بتاريخهم الحافل بالإنجازات، وأنهم كانوا أهل الاختراعات والاكتشافات وكان الغرب والشرق يتعلمون وينهلون من معين العلم العربي ولا ننسى أن الوطن العربي نشأت فيه أهم الحضارات في العالم وبعض اختراعاتها وبنيانها تعتبر أعجوبة حتى عصرنا الحاضر».

وقالت آل علي إن المبادرة تتخذ سمة عربية فهي لا تخص دولة الإمارات فحسب وإنما جميع الدول العربية «فتاريخنا واحد وحاضرنا واحد ومصيرنا واحد وطموحنا وآلامنا واحدة، مشددة على أهمية استئناف الحضارة العربية والإسلامية كونها ذات تاريخ أصيل وعريق يعكس صدق هذه الحضارة، ومدى قوتها بين بقية الحضارات التي سبقتها، عندما كانت منارة للعلم والفكر والفلسفة والفن، وفي المقابل الدول الأخرى غارقة في الظلام».

حلول

وترى آل علي أن تساؤل سموه حول مدى قدرة الأمة العربية على صياغة مستقبلها، هو سعي جاد للاستماع لحلول وأجوبة من العالم العربي أجمع، حيث سيتفاعل معه الصغير قبل الكبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهي من أهم الطرق للتواصل مع الجمهور في عصرنا الحالي.

تساؤل

ويبحث الدكتور فكري النجار أستاذ اللغة العربية في جامعة الشارقة عن إجابة لسؤاله عن دور اللغة العربية والتي كانت وعاء الحضارة العربية الإسلامية القديمة، وبات العرب في العصرين العباسي الأول والثاني منبع الحضارة، وتصدير العلم والبناء من أجل خير البشرية، وكانت الحضارة آنذاك حضارة تبني، فهل يستطيع رجال العربية إعادة مجدها القديم؟

وأكد النجار الحاجة الى العمل الجاد المخلص والجماعي، وإلغاء الذاتية وتغليب المصلحة العامة، لافتا الى أن علماء العرب كانوا يعملون بشكل جماعي متناغم لكن الملاحظ الآن أنهم يعملون منفردين معزولين ما يجعل الجهود مبعثرة وغير واضحة ولا ملموسة، وبالتالي «أعتقد أن التكاتف وروح الجماعة والعمل المخلص الجاد بوابتنا لكي نعيد الحضارة المستلبة»، معتبرا أن الفترة الراهنة التي تعيشها الأمة العربية ليست سوى سحابة صيف ستزول ويبقى المجد العربي بجذوره الضاربة بالأعماق.

باقة

الدكتور حمد بن صراي، أستاذ التاريخ في جامعة الإمارات العربية المتحدة، يلفت إلى أن هناك باقة من الأسئلة التي من الممكن أن توجه لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ومنها لماذا أُطلق عليه حوار استئناف الحضارة ؟

وهذا يعني بأن هناك ما كان متوقفاً وتم استئنافه أو حتى إحياؤه بناء على الظروف المعاصرة، «وسموه بذلك يرد على من ينادي بصدام الحضارات، من خلال الحوار الذي يؤدي إلى تكاملها»، مشيرا إلى أن من ينادي بصراع الحضارات هم فئة تتسم وللأسف الشديد بالعنصرية والكراهية. وأضاف صراي: «إن جلسة استئناف الحضارات أدعى ما تكون إلى استمرارية التواصل والجمع بين الحضارات أكثر من التفريق بينها»

وشدد صراي على أن التجربة الإماراتية تعتبر خير نموذج للتحاور الحضاري بما تحتضنه من ثقافات متنوعة، وتخرج تماما عن خلاف الأديان الضيق الذي يكون بسبب أصحاب الأفكار المنحرفة.

تعايش

الدكتور أحمد الخزيمي، الباحث في القانون والهوية والمواطنة، ينوه إلى أن دولة الإمارات أسست على مفهوم الوحدة وحب الخير للآخر والتعايش السلمي والتسامح الذي يحقق سعادة المجتمع الإماراتي، والجنسيات المختلفة التي تعيش على أرض الدولة، مؤكدا حرص الوالد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على ترسيخ مبادئ الوحدة والشمولية.

وتابع الخزيمي: «إن التجربة الإماراتية من الممكن تعميمها عربياً لاتسامها بالشمولية، كما يمكن استئناف الحضارة من خلال عدة عوامل مهمة ومنها منظومة الأخلاق والقيم، والعِلم، والفخر بالكينونة العربية والإسلامية لمنافسة الحضارات الأخرى في العالم».

أما إبراهيم الحوسني، الأستاذ المساعد في كلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا: فيذكر أن «أهم ما يميز التجربة الحضارية الإماراتية هي البدء من حيث انتهى الآخرون، فقد جاءت على أرض شبه خام في أغلب مكوناتها فلم تحتج لهدم ما هو قائم، بل البناء من جديد في مساحة جديدة.

ويبين: «إبراهيم الحوسني أن ما يميز التجربة الإماراتية نوعية القيادة التي تشربت حكمة الحكم المستفيد من تجارب تاريخية تعد قدوة، وصبرت على المصاعب، وقادت سفن مناطقها بكل صبر وحكمة لتصل بها للبر الذي وصلنا إليه الآن».

وزاد الحوسني أنه من الممكن حدوث انفراج حضاري عربي، وذلك إن صدقت النوايا في مختلف الأقطار، بتجاوز القطرية الضيقة، والطائفية الضيقة، وعدم المشاركة الشعبية، للحكم الجمعي التوافقي الحضاري.

بدوره قال الباحث الفلسطيني المختص في مقارنة الأديان والحضارة الدكتور خالد خطاب إن هناك فرصة لاستئناف الحضارة بوجود الإرادة، لأن الحضارة العربية الإسلامية توقفت عندما بدأ الغزو الأوروبي وتراجع الفكر الإسلامي، ففي حال تجاوزنا مرحلة التراجع العربي الإسلامي وعملنا على فتح باب الأفكار والاجتهادات نصل إلى ذلك.

وأوضح خطاب أنه في حال أعطيت الفرصة الكبيرة للتغذية العربية الإسلامية لتتقدم وتكون إنتاجية وليس استهلاكية، سيكون هناك تقدم حضاري، لأن الأمة تقدمت في عصورها السابقة في عهد ابن سينا، عندما كانت أبواب الاجتهاد مفتوحة أمامها.

عوائق

ولفت خطاب إلى أن الأمة العربية لم تجد عوائق أمامها، وبالتالي توصلت إلى اختراع العديد وتوصلت إلى العديد من الاكتشافات، وبنيت عليها كثير من الأدوات الحضارية، ولكن عندما تراجع الفكر الإسلامي وأصبح استهلاكياً يهتم بالإصلاح الشخصي والعبادة دون الإسهام في الحضارة الإنسانية تراجعت الحضارة كثيراً.

وأضاف: «نحن اليوم إذا أردنا أن نعيد إلى الأمة حضارتها علينا أن نعود إلى الأصول التي انبثقت عن الحضارة للعمل على الرقي بالإنسان والرقي بالبشر، وليس المحافظة على الإنسان والفكر العربي»، مطالباً بأن يعيد مجده ويفتح الأبواب المغلقة حتى يستطيع أن يلد شباب الحضارة، ويقدم مساهمات جليلة للإنسانية، والأمة الإسلامية ليس عاجزة عن ذلك، وهناك دول إسلامية قدمت نماذج للعالم.

إنتاج

وتحدث خطاب: «من هذه النماذج العربية العالم الكبير أحمد زويل، الذي قدّم إنتاجاً أنعش البشرية بكاملها، عندما توصل إلى اكتشافات مذهلة بعملية شطر الذرة، وبنيت عليها التصوير الإشعاعي وغيرها من أدوات التصوير، وأصبحت اليوم أداة لاكتشاف كثير من الأمراض وعلاجها».

وذكر: «أي طريق للتنمية لا بد أن يسبقه فكر، لأنه دون ذلك يساوي استهلاكاً، وقبل أن نعود إلى طريق التنمية يجب فتح الباب والمجال أمام البحث العلمي ليلج آفاقاً جديدة، وهو الوسيلة الوحيدة التي نستطيع من خلالها التقدم وأن نغير أفكارنا ونعود إلى الثقافة الأساسية».

ونوه خطاب بأن صياغة المنطقة مرة ثانية والمستقبل تحتاج إلى إرادة، ونحن بالتأكيد قادرون، ولكن عندما تتوافر الإرادة.