اعتادت دولة الإمارات عدم انتظار المستقبل، بل الدخول إليه منذ اليوم، والتنافس في تقنياته واستباق تحدياته ووضع الحلول لها، وهذا الذي يفسّر توجه الدولة الحثيث نحو تقنيات الجيل الرابع من الثورة الصناعية والمتمثلة في الذكاء الاصطناعي، الذي أكد مختصون وخبراء أكاديميون في جامعات الدولة أنه لغة المستقبل التي لا محيد عن إدراك أبجدياتها والقضاء على الأمية فيها، لأنه الصحة والتعليم والخدمات ستعتمد عليها، وستخدم قطاعات حيوية كثيرة.

إلا أنهم وضعوا في الاعتبار جملة من التحديات التي لا بد من تجاوزها تمهيداً للوصول إلى الأهداف المرجوّة، وأبرزها تنمية وتطوير الكفاءات العلمية المتخصصة، والقدرات المحلية في مجال الذكاء الاصطناعي، كذلك تدريب موظفي الحكومة من خلال إشراكهم في دورات متخصصة في علم البيانات.

بالإضافة إلى خلق ثقافة الذكاء الاصطناعي لدى فئات المجتمع وذلك لتسهيل انتشار استخدام التطبيقات التي تعتمد على هذه التقنيات، وهذا يتطلب تكاتف وتضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والتعليمية والإعلامية للتوعية المجتمعية بأساسيات هذا المجال لخلق المواطن الرقمي القادر على التعامل مع مثل هذه التقنيات، مع التأكيد على أهمية إنشاء مراكز بحثية تساهم في تطوير القطاعات المختلفة بالدولة وتأهيلها لاستقبال ضرورات الذكاء الاصطناعي، مؤكدين في الوقت ذاته أن دولة الإمارات تتمتع ببنية تحتية تؤهلها لتصبح رائدة في هذا المجال وخاصة تطبيقاته في قطاع التعليم.

رؤية حكيمة

أشار الدكتور منصور العور رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية، إلى أن دولة الإمارات تقطع في ظل الرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة مسيرة استثنائية طموحة نحو تحقيق الريادة والتفوق في مختلف المجالات، ولا سيما تلك المتعلقة بالابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمي والتطوير والمعرفة، على نحو يجعلها دولة مؤثرة وفاعلة في عصر تعتمد معايير التنمية والتقدم فيه بصورة متزايدة على التقنيات الحديثة.

وتحرص جامعة حمدان بن محمد الذكية على أن تكون رافداً محورياً من روافد هذه المسيرة عبر توفير البيئة الأكاديمية والبحثية المحفزة لاستدامتها، مع التركيز على تطوير العنصر البشري وخلق منظومة متكاملة لدعم وتطوير وتوظيف الكفاءات الشابة في دبي ودولة الإمارات، على نحو يمثل ترجمة عملية لمبادرة «دبي 10X» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لجعل الإمارة تسبق مدن العالم بعشر سنوات، ويعزز بالتالي مكانة الدولة في المراكز الأولى على خريطة التنمية والتطور العالمية في الحاضر والمستقبل.

وتسعى الجامعة في هذا الصدد إلى إعادة هندسة مستقبل التعليم عبر التكنولوجيا الذكية والابتكار والبحث العلمي، وترسيخ فلسفة التعلم مدى الحياة لمختلف فئات المجتمع وفق أعلى معايير الجودة، انطلاقاً من رؤية وتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي الرئيس الأعلى للجامعة، الذي قال: «في دبي تجاوزنا مرحلة التطوير، وعقدنا العزم أن نبقى في المركز الأول بفارق عشر سنوات».

بنية تحتية

وأوضح الدكتور عيسى البستكي رئيس جامعة دبي رئيس مجلس إدارة نادي الإمارات العلمي، ورئيس لجنة الجوائز العالمية للربوتات والذكاء الاصطناعي، وعضو لجنة تحكيم مبادرة 10X، أن دولة الإمارات تتمتع ببنية تحتية تؤهلها لتصبح رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وخاصة في قطاع التعليم، مضيفاً أن نشر الوعي بمفهوم الذكاء الاصطناعي وتطبيقه فعلياً في المؤسسات التعليمية سيساهم في تسريع التطور العلمي وتحقيق 10 X، ورفع نسبة الذكاء إلى الإدراكي للإنسان من خلال تطويره ليعطي حلولاً حسب المعطيات والمستجدات دون تدخل بشري، مشيراً إلى أن الجامعات تطبق الذكاء الاصطناعي وخاصة كليات التقنية والهندسة.

وأكد أن الذكاء الاصطناعي هو لغة المستقبل كون التكنولوجيا تعتمد عليه، إذ إن الطائرة من دون طيار والعلاج والتعلم عن بعد جميعها تعتمد عليه، لذا وجب تطويره ليخدم هذه القطاعات الحيوية، كما يجب أن تطلق الجامعات برامج تعليمية تواكب التغير الذي سيحدث في الوظائف المستقبلية.

وكشف الدكتور البستكي عن عزم الجامعة طرح تخصص جديد في هندسة الحاسوب وتقنية المعلومات في كلية الهندسة بجامعة دبي لمواكبة الاهتمام بهذا القطاع بهدف خدمة المجتمع والمؤسسات الهادفة إلى تحصيل 10X، مؤكداً أن الجامعة على أتم الاستعداد لذلك، حيث أبرمت اتفاقية مع هيئة الطرق والمواصلات، بحيث تقوم الجامعة بتأسيس مركز بحثي يخدم قطاع النقل والمواصلات ويساهم في تطويره من خلال طرح كافة الخدمات المقدمة من الهيئة عبر الذكاء الاصطناعي مثل التاكسي الطائر والمترو وكافة وسائل النقل البرية والبحرية، من خلال أتمتة وسائل النقل وتحسين مستواه.

وأضاف بأن الجامعة باشرت في تأسيس المركز بالتعاون مع الهيئة، كما وقعت اتفاقية مع مركز دبي لأمن المعلومات لإجراء بحوث في مجال الأمن المعلوماتي، فضلاً عن اتفاقية أخرى مع مركز محمد بن راشد للفضاء لعمل مركز بحثي آخر يخدم نفس المجال.

وقال إن الجامعة تعتزم كذلك توقيع اتفاقية مع القيادة العامة لشرطة دبي لنفس الهدف انطلاقاً من حرص الجامعة على تلبية احتياجات المؤسسات في مجال الذكاء الاصطناعي.

مشروع العنكبوت

وحول مشروع «العنكبوت» أوضح أنه مشروع رائد في الدولة انطلق منذ 7 سنوات ويخدم كافة المؤسسات التعليمية والبحثية ويعد الجيل الثاني لشبكة الانترنت كونها تتمتع بسرعة عالية جداً، ما يوفر سرعة في استخدام التكنولوجيا الحديثة.

وأوضح أن الواقع الافتراضي يعد متطلباً أساسياً للبنية التحتية للقطاعات المختلفة لتوفير الوقت والجهد، إذ إن قطاع التعليم لن تحده حدود خاصة مع استخدام تقنية «البلوك تشين»، التي تتيح للأكاديمي إلقاء محاضرة من أميركا يشاهدها الطلبة في أنحاء العالم عن طريق «انترنت الأشياء» الذي سيجعل من العملية التعليمية افتراضية وسيزيد من كفاءتها والشغف بها.

ولفت إلى أن هذه التقنية ستقلص مدة الدراسة بحيث يتمكن الطالب من الحصول على البكالريوس في سن أصغر من سن الجامعة، وقد ينتهي من سنواته الدراسية كاملة ويختصرها في سنوات قليلة، بحيث يصبح جاهزاً لسوق العمل مما يزيد الإنتاجية ويرفع نهضة الأمم.

وأشار إلى ضرورة أن تتجه المؤسسات التعليمية إلى تقنية التعلم بالواقع الافتراضي لتتماشى مع الذكاء الاصطناعي.

بنية متطورة

ويرى الدكتور سعيد خلفان الظاهري، رئيس مجلس إدارة شركة سمارت ورلد، خبير متخصص في تقنيات المعلومات حول تقييم أولي لبيئة الذكاء الاصطناعي بالدولة، أن دولة الإمارات بفضل رؤية ودعم القيادة الرشيدة لديها بنية تقنية رقمية متطورة تعتبر حجر الأساس لخلق بيئة داعمة لمبادرات مثل الذكاء الاصطناعي، وشهدنا خلال العامين الماضيين دعم الحكومة لمبادرات الذكاء الاصطناعي في الدولة، وكانت استجابة المجتمع مشجعة لهذا التوجه، فعلى سبيل المثال قامت بعض الدوائر الحكومية في دبي وأبوظبي بتطوير خدماتها الموجهة للجمهور بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ويعتقد الظاهري أن تنمية وتطوير الكفاءات والقدرات المحلية في مجال الذكاء الاصطناعي يُعد من أبرز التحديات، كون هذا التخصص والمجال يعني بتطوير خوارزميات معقدة في تعّلم الآلة وعلم البيانات وقال: لا نريد أن نستورد التكنولوجيا فقط بل نريد أن نكون فاعلين في صناعتها وكذلك تطويعها لخدمة أهدافنا والاستراتيجية التي وضعتها الدولة في هذا المجال.

وأضاف أن هذا التحدي يتطلب بناء كفاءات علمية متخصصة في هذا المجال والاهتمام بعلوم الحاسب الآلي وتشجيع المواطنين على دراسة هذا التخصص لخلق قاعدة من الكوادر البشرية المواطنة والمتخصصة، كذلك تدريب موظفي الحكومة من خلال إشراكهم في دورات متخصصة في علم البيانات data science وذلك لمعرفة كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي تدريب هذه الخوارزميات للوصول إلى نظم آليه خبيرة.

وأكد أنه ومن التحديات كذلك خلق ثقافة الذكاء الاصطناعي لدى فئات المجتمع، وذلك لتسهيل انتشار استخدام التطبيقات التي تعتمد على هذه التقنيات، وهذا يتطلب تكاتف وتضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والتعليمية والإعلامية للتوعية المجتمعية بأساسيات هذا المجال لخلق المواطن الرقمي القادر على التعامل مع مثل هذه التقنيات.

وأما أبرز الاحتياجات والأولويات التي يجب القيام بها فبين الظاهري، فيما يخص المؤسسات والجهات الحكومية، فعلى المديرين التنفيذيين للابتكار البدء في تكوين فرق عمل تعنى بهذا الموضوع لدراسة الفرص والتحديات التي تواجه هذه الجهات في تطوير خدماتها وأنظمتها الإلكترونية بالاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي وعمل خطط عمل لتطبيق هذه التقنية وإيجاد حلول للتحديات التي سوف تواجهها.

وأضاف يجب خلق التوعية لدى قادة المؤسسات والمديرين والموظفين في الجهات الحكومية بأهمية الذكاء الاصطناعي واستخداماته، وذلك لتسهيل تبنّي هذه التقنية في عمل وتطوير خدمات هذه المؤسسات.

تكثيف الوعي

ومن ناحيته أكد البروفيسور الدكتور رائد العواملة عميد كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، انه وخلال البحث الذي تم إجراؤه حول انترنت الأشياء أظهر أن الجمهور سيُقبل بشكل عام على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك في حال وجود خدمات تحقق فوائد وتحافظ بنفس الوقت على الخصوصية، وأشار إلى أن البحث كشف أن معرفة الجمهور بمفهوم الذكاء الاصطناعي متوسطة وتحتاج إلى توعية، مؤكدا أنه لا بد من التركيز على شرح مفهوم الذكاء الاصطناعي وتوضيح تطبيقاته للجمهور، فإن الوعي بهذا المفهوم مازال ضعيفاً، وذلك على مستوى العالم العربي بشكل عام.

وأشار إلى ضرورة مساندة استراتيجية الذكاء الاصطناعي واستراتيجية الدولة بشكل عام، لافتا إلى أن البحث درس آليات المواءمة بين البنية التحتية والبنية الفنية والتقنية ليعملا معاً بشكل أكثر فعالية وكفاءة، موضحاً أن الذكاء الاصطناعي سيكون مسانداً وداعماً للبنية التحتية ولا سيما في مجال التعليم، مؤكداً أننا لا نتحدث عن إحلال الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم وإنما عن مساندة ودعم العملية التعليمية القائمة.

فرص اقتصادية كبيــرة في الكثير من القطاعـات

لإمارات تعزز دورها المحـوري فـي ريادة الثورة الصناعية الرابعة

أكد مختصون أن الإمارات عبر رؤية قيادتها الثاقبة أصبحت رائدة في الثورة الصناعية الرابعة واستخداماتها، عبر استعداداتها لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي يمثل فرصة اقتصادية كبيرة للكثير من القطاعات، بحيث يمكنها تحقيق أرباح طائلة إذا ما بدأت في تطبيق استخداماته والاعتماد على ما يقدمه من معلومات واستشارات دقيقة، فضلاً عن تأثيراته الإيجابية في تقليل الاعتماد على العنصر البشري والعمالة، مما يرفع جودة المنتجات ويقلل من الإنفاق.

وقال الدكتور علي النقبي عضو مجلس علماء الإمارات مدير بوليتكنك أبوظبي، إن الإمارات أصبحت رائدة في مجال الابتكار والإبداع واستخدام الذكاء الاصطناعي، كونه أحد مخرجات الثورة الصناعية الرابعة، لافتاً إلى أن ما ساعد على ذلك هو تلك الرؤية الثاقبة لأصحاب القرار فضلاً عن البنية التحتية المتميزة للبحوث وأعضاء هيئة التدريس المميزين في جامعات الدولة.

وذكر أن الابتكار يعد عاملاً أساسياً من ضمن الكثير من العوامل المهمة للمنافسة في تأمين مخرجات، تسهم في مرحلة ما بعد النفط والمساهمة الفعالة في تحقيق رؤية الحكومة المتطلعة لأن تكون الدولة لاعباً أساسياً ومحورياً في الثورة الصناعية الرابعة واستخداماتها.

وأردف أن إطلاق وزارة للذكاء الاصطناعي يؤكد على أن الدولة بصدد إطلاق مرحلة تنموية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في كافة القطاعات الحكومية والخاصة، وأن محور الحوكمة الأساسي في استراتيجية الإمارات في هذا الشأن ينص على تشكيل مجالس الذكاء الاصطناعي في الدولة وفرق عمل مع الرؤساء التنفيذيين للابتكار، والأهم هو إصدار قوانين بشأن الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي.

خطوات تنظيمية

وأبان النقبي أن هذه الخطوة سيعقبها خطوات تنظم هذا القطاع وفي مقدمتها الأطر القانونية التي ستحكم هذا العمل، خاصة أن هناك الكثير من الأمور التي يجب أن توصف قانونياً وتضع الأمور في نصابها الصحيح حتى يمكن الانطلاق بقوة وعلى أرض صلبة، كما أن هناك مطالبات بقوانين لمحاكمة الروبوتات كجسد لديه ذكاء في الاختيار.

وأوضح أن هناك تحديات يجب الانتباه إليها ومواجهتها وتشمل أبرزها، التأقلم مع معايير التحول نحو الثورة الصناعية الرابعة، وترسيخ مفهوم الذكاء الاصطناعي بين الطلاب، وتبني مادة مستقلة للذكاء الاصطناعي في مدارسنا وجامعاتنا، وتبني كل ما يسهم في زيادة عدد الطلبة المتفوقين المقبولين للجامعات خلال السنوات العشر المقبلة الذين يملكون الفهم الحسي والمهارات اليدوية، وأنه يبقى التحدي الأبرز هو كيفية تحليل البيانات واستخدامها.

وألمح إلى أن الرجل الآلي والتكنولوجيا المتناهية الصغر ستسهم في توسيع نطاق التحول في الإمارات والتأقلم مع الذكاء الاصطناعي وما يقدمه من مهارات لتحسين ظروف الطلبة وتحفيزهم بمهارات واسعة لكي تنمو قدراتهم على الاكتشاف والابتكار والمهارات اليدوية والإشرافية لاستلهام الحلول، فضلا عن تحفيز المسؤولية الحسية لتجنب التحديات.

تطور سريع

وتابع النقبي أن الذكاء الاصطناعي أصبح متطوراً بشكل سريع في جميع مناحي الحياة، مثل الصحة، حيث بإمكان الكادر الطبي الوصول بشكل افضل لملفات المريض بالأوامر الصوتية، كما أنه بإمكان المرضى استخدامه في حجز المواعيد، بالإضافة إلى تطوير الذات عن طريق برنامج الذكاء الاصطناعي ضمن نطاق الذكاء البشري كآلات التعليم والمنطق والتصحيح الذاتي والبرمجة الذاتية، وسيسهم الذكاء الاصطناعي أيضا في المساعدة في تشخيص الأمراض ووصف الأدوية والاستشارات القانونية والتعليم التفاعلي والمجالات الأمنية والعسكرية وفي وسائل النقل السيارات ذاتية القيادة.

وذكر أنه سيخفف أيضا على الإنسان الكثير من المشاق في الأعمال الخطرة مثل الاستكشاف والمشاركة في عمليات الإنقاذ أثناء الكوارث الطبيعية والتي تحتاج الى قوة عضلية، و من الممكن استخدامه في أنظمة الخبراء التي تستند على قواعد معرفة وتكنولوجيا التعرف إلى الوجه التي تستخدمه حاليا شركة ابل في هاتفها اكس، كما أن نظام التعليم سيتغير كمفهوم وكنتيجة لتطبيق مبادئ الثورة الصناعية الرابعة، حيث سيتركز التعليم على التعليم الحسي ليلبي متطلبات القطاع الصناعي والذكاء الصناعي.

وأفاد أن عوامل نجاح التحول إلى الثورة الصناعية الرابعة والاستفادة من الذكاء الاصطناعي فيها يرتكز على عوامل عدة مهمة، من بينها إلغاء الحدود الفاصلة بين كل ما هو فيزيائي ورقمي وبيولوجي ومخرجات التعليم والبنية التحتية ودعم الابتكار.

فرصة اقتصادية

بدوره قال الدكتور حمد عبدالله الجسمي أستاذ الهندسة المدنية المساعد ومساعد العميد لشؤون البحث العلمي والدراسات العليا بكلية الهندسة بجامعة الإمارات، إن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة اقتصادية كبيرة للكثير من القطاعات، بحيث يمكنها تحقيق أرباح طائلة إذا ما بدأت في تطبيق استخداماته والاعتماد على ما يقدمه من معلومات واستشارات دقيقة، فضلاً عن تأثيراته الإيجابية في تقليل الاعتماد على العنصر البشري والعمالة، مما يرفع جودة المنتجات ويقلل من الإنفاق.

وذكر أن هناك دراسة أجراها البيت الأبيض العام الماضي تقول إن 83% من الحرف ذات الأجور التي لا تتجاوز 20 دولاراً في الساعة من المحتمل أن يتم استبدالها بالأتمتة مستقبلاً، الأمر الذي يشكل قلقاً لتداعياته على نسب البطالة وتفاوت معدلات الدخل بالنسبة للدول التي يمتهن مواطنوها هذه الحرف المهددة بالانقراض.

وأفاد أن الإمارات من الممكن أن تستفيد جيداً من تعزيز الذكاء الاصطناعي لأنها فرصة ينبغي أن نكون الأكثر حرصاً على تطويرها وتسريع إمكانية تطبيقها، ليس لتحسين أداء المشاريع فحسب، بل لتقليص أعداد العمالة الوافدة وتعديل التركيبة السكانية.



تحليل تنبيهات التسمم

تضم جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا مركز «إبتيك» (مركز الإمارات لبحوث تكنولوجيا المعلومات والاتصالات) حيث يقوم الباحثون بعمل أبحاث متطورة باستخدام الذكاء الاصطناعي، ومن تلك المشاريع على سبيل المثال مشروع نظام تحليل تنبيهات حالات التسمم والإصابات بالتعاون مع هيئة الصحة في أبوظبي ونظام تحليل المشاعر على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بالتعاون مع مركز أبوظبي للإحصاء وبرنامج يقوم بحوكمة إنتاج البرامج الإلكترونية .

حيث يقوم البرنامج بما يعرف بالتعلم العميق والتعلم الذاتي، ونظام ذكي لتلخيص النصوص العربية من مقالات الصحف، فضلاً عن مشروع يقوم بقياس مشاعر الحشود من صور الفيديو للتنبؤ بتصرفات بعض الأشخاص للتطبيقات الأمنية وغيرها من المشاريع المتنوعة.

وسعت الجامعة منذ بداية تأسيسها وخلال مسيرتها وصولاً إلى مرحلة ما بعد الاندماج إلى تطوير الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في مختلف القطاعات الحيوية للدولة، وكمثال على بعض تلك الجهود كان على سبيل المثال تنظيم مسابقة الطائرات من دون طيار كمهارات مستقبلية على هامش مسابقات المهارات العالمية التي أقيمت مؤخراً في أبوظبي.

إنجازات تسبق عصرها

طورت الدائرة الاقتصادية في دبي في عام 2016 خدمة ساعد بالتعاون مع مكتب مدينة دبي الذكية وشركة IBM لتدريب نظام واتسن الذي يستخدم الحوسبة الإدراكية للرد على استفسارات الجمهور المتعلقة بإنشاء وفتح الأعمال في دبي، كما قام مكتب مدينة دبي الذكية في عام 2016 بإنشاء مختبر الذكاء الاصطناعي لمساعدة الجهات الحكومية على تطوير وتحسين خدماتها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الإدراكية، وشهدنا في معرض جيتكس هذا العام قيام البعض من الجهات الحكومية في الإمارات مثل مكتب مدينة دبي الذكية وهيئة كهرباء ومياه دبي وهيئة السياحة والثقافة في أبوظبي بتطوير وتحسين بعض من خدماتها بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وهناك توجه من حكومة أبوظبي باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة. وعلى مستوى القطاع الخاص شهدنا في عام 2015 استثمار شركة مبادلة التابعة لحكومة أبوظبي بالتعاون مع شركة IBM في إنشاء شركة كوغنيت للحلول التكنولوجية التي ستقوم بتطوير نظام واتسن للحوسبة الإدراكية باللغة العربية للمؤسسات المحلية ولرواد الأعمال والشركات الناشئة ومبرمجي التطبيقات في منطقة الشرق الأوسط.

تقنيات تخدم الجميع

يشير بيتر نورفيغ مدير الأبحاث لدى شركة «غوغل»، وأحد رواد ما يُعرف بـ «التعلم الآلي»، وهو فرعٌ لـ«الذكاء الاصطناعي» يعتمد على البيانات، ويقف وراء الكثير من النجاحات التي حققتها تلك التقنيات مؤخراً، إلى تحديد كيفية ضمان أن تعود هذه الأنظمة المعلوماتية الحديثة بالنفع على المجتمع ككل، دون أن تقتصر فوائدها على من يتحكمون فيها فحسب، يمثل الجانب المهم فيما يتعلق بمسألة «الذكاء الاصطناعي.

حيث برهنت تقنيات الذكاء الاصطناعي على كونها شديدة الفعالية على صعيد أداء مهام عملية؛ من إضافة تعليقات ومؤثرات إلى الصور، مروراً بفهم الحديث (المنطوق) وكتابة النصوص بلغة مفهومة وطبيعية على غرار ما يكتبه البشر (وليست كلمات مرصوصة إلى جانب بعضها البعض) وصولاً إلى المساعدة في التعرف على الأمراض. يتمثل التحدي الآن في التأكد من أن الجميع ينتفع من هذه التكنولوجيا».

طباعة ثلاثية الأبعاد بالرمال

شكلت جامعة الإمارات فريقاً بحثياً متعدد التخصصات ليقوم بدراسة وبحث قابلية استخدام مواد مستدامة مستخرجة من البيئة المحلية مثل الكثبان الرملية والركام معاد التدوير للبناء بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهذه التقنية تأتي ضمن باقة من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة متعددة التخصصات التي تتطلب إعادة نظر في مناهج التعليم أو حتى إعادة نظر في تقسيمات الوحدات العلمية لدى الجامعات.

ويذكر أكاديميون في جامعة الإمارات أننا سنشهد في المستقبل القريب مسميات لتخصصات هندسية مختلفة عن المسميات المتداولة اليوم، بل تخصصات هجينة تمزج بين علوم وتقنيات طالما كانت تُدرس منفصلة، وأن الجامعة حملت على عاتقها مهمة تطوير المنظومة الأكاديمية لتتلاءم مع متطلبات المستقبل، حيث تم إطلاق شعار «جامعة المستقبل»، عليها، وهو مشروع ضخم سيصعد بالجامعة في غضون السنوات العشر المقبلة إلى مصاف أفضل 200 جامعة في العالم.