انتهجت دولة الإمارات منذ تأسيسها سياسة الانفتاح والتسامح، حيث حافظت منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» على مبدأ عدم الانحياز لأي تعصبات أو صراعات، ومد يد العون والمساعدة لدول العالم أجمع، وترسيخ ما يتحلى به شعب الإمارات من قيم الإسلام الحنيف والعادات العربية الأصيلة.

حيث جعل مؤسس الدولة العدل والمساواة والتآلف والتسامح واحترام الآخر، من جميع الأديان والأعراق والثقافات، نهجاً ثابتاً لا يقتصر على الداخل بين مكونات المجتمع فقط، وإنما يحكم علاقات الدولة بالعالم الخارجي، وشكل التّسامح أحد المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي رسّختها قيادتنا الرشيدة منذ قيام الإمارات.

وباتت الدولة اليوم في نظر العالم مثالاً للتعايش والتسامح، حيث تحتضن على أرضها أكثر من 200 جنسية بمختلف ثقافاتها ودياناتها يعيشون في وئام وانسجام.

وأخذ التسامح في دولة الإمارات منحى مختلفاً؛ فتحول فكره وقيمه ومبادئه إلى نهج حياة وبرنامج عمل وجوهر وعمق سياسة دولة الإمارات التي كانت ومازالت وستظل تضرب مثالاً للتسامح والقيم الإنسانية الحضارية الراقية، حيث تعدُّ دولة الإمارات حاضنة لقيم التسامح والسلم والتعددية الثقافية، وكفلت قوانينها للجميع الاحترام والتقدير.

وجرمت الكراهية والعصبية وأسباب الفرقة والاختلاف، كما أن الدولة تعد شريكاً أساسياً في اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة ترتبط بنبذ العنف والتطرف والتمييز.

احتفاء

وتشارك الإمارات دول العالم الاحتفال باليوم الدولي للتسامح الذي يصادف 16 نوفمبر من كل عام، وحرصت الإمارات على الاحتفاء بهذا اليوم بما يعكس الصورة الحضارية للدولة في تكريس نهج التسامح والوئام والمودّة في سياسات الإمارات منذ تأسيسها، وفي فكر وسلوك قياداتها الحكيمة المؤسسة وقياداتها الرشيدة الحالية.

وأطلقت القيادة الرشيدة مبادرتها العالمية للتسامح إيماناً منها بأنه الطريق للأمن والاستقرار والبناء والتطور، وخصّصت الدولة وزيراً للتسامح وهو المنصب الذي استحدث في التشكيل الوزاري للحكومة في فبراير 2016، لتضطلع بمهمة ترسيخ التسامح كقيمة أساسية في المجتمع على الصعيدين المحلي والإقليمي، وعكس اهتمام الدولة في غرس قيم معينة في المجتمع الإماراتي، وفي مقدمتها التسامح والتعايش والاعتدال.

فضلاً عن إعلاء القيمة الإنسانية والدينية النبيلة وصولاً إلى مجتمع تعددي متسامح يمثل أحد تجليات التخطيط العلمي السليم لبناء مستقبل أفضل ليس فقط لدولة الإمارات بل للدول والشعوب العربية جميعها، بحكم أن الإمارات تضطلع بمهمة بناء نموذج تنموي عربي إسلامي مضاد لما يقدمه أعداء البشرية وصراع الحضارات.

وبذلت الدولة جهوداً كبيرة على مدار السنوات الماضية بهدف تكريس هذه القيم على الصعيد المجتمعي، فأسست مراكز البحوث المتخصصة في نشر الفكر الديني المعتدل ومكافحة التطرف والتشدد، كما استضافت ولا تزال الكثير من الفعاليات والأنشطة البحثية والعلمية الإقليمية والدولية الهادفة إلى بلورة آراء وتصورات جادة حول التواصل بين الحضارات وبناء مشتركات تحول دون نجاح دعاة الصراع الثقافي والحضاري والديني من بلوغ أهدافهم.

قانون

وفي السياق أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير، ويعكس القانون طبيعة الشعب الإماراتي المتسامح، الذي يعد من أكثر شعوب العالم انفتاحاً على الآخر وقبولاً له، وكل من عاش على أرض الإمارات يدرك هذه الحقيقة جيداً.

ويرتكز اهتمام دولة الإمارات بقيمة التسامح على عدة اعتبارات، في مقدمتها أنها قيمة إنسانية إسلامية نبيلة تظهر الوجه الحقيقي لديننا الحنيف، وتُعلي شأنه وتعزّز صورته الذهنية في مقابل الإساءات التي يتلقّاها هذا الدين سواء من جانب التنظيمات الإرهابية، التي تقدم وجهاً قبيحاً مشوهاً للإسلام، أو من جانب أعداء هذا الدين في أي منطقة أو دولة، أو من الجانبين معاً بحكم كونهما يشكلان ما يشبه التحالف غير المعلن لتشويه صورة الدين الإسلامي الحنيف.

وجاء إصدار القانون تجسيدا لنهج الإمارات القائم على أهمية ترسيخ الوسطية والتسامح والتعددية في المجتمعات، لمنع الجماعات المتطرفة من استغلال الطائفية والعنصرية.

ضمانة أساسية

ويعتبر التسامح الضمانة الأساسية للتعايش بين الأفراد واحترام حقوق الإنسان ويسهم في تعزيز الثقافة والهوية الوطنية، وتعميق قيم الولاء والانتماء للوطن وقيادته، حرصت القيادة الرشيدة على جعل التسامح ثقافة يومية في الإمارات ينتهجها الجميع، بما يعكس أهمية تكريس قيمة التسامح ودورها الحيوي في ضمان الأمن والاستقرار الداخلي الذي تنعم به دولة الإمارات.

وفي يونيو 2016 وافق مجلس الوزراء، على اعتماد البرنامج الوطني للتسامح ويأتي البرنامج، ليدعم توجه الدولة لتنفيذ رؤية الإمارات 2021 والأجندة الوطنية، للوصول إلى مجتمع متلاحم محافظ على هويته، ومن خلال مبادرات وبرامج وطنية هادفة ستُطلق تباعاً من خلال البرنامج.

وعن طريق فرق عمل ستُشكل بالتعاون مع الجهات الرئيسية ذات العلاقة، مثل إنشاء مجلس المفكرين للتسامح، ومركز الإمارات للتسامح، فضلاً عن إطلاق برنامج المسؤولية التسامحية للمؤسسات، والميثاق الإماراتي في التسامح والتعايش والسلام.

برنامج وطني

ويعمل البرنامج الوطني للتسامح ضمن 5 محاور رئيسية، ترتكز على تعزيز دور الحكومة حاضنةً للتسامح، وترسيخ دور الأسرة المترابطة في بناء المجتمع، وتعزيز التسامح لدى الشباب ووقايتهم من التعصب والتطرف، وإثراء المحتوى العلمي والثقافي، والإسهام في الجهود الدولية لتعزيز التسامح، وإبراز الدور الرائد للدولة في هذا المجال.

مبادرات

ويحتوى البرنامج على مبادرات عدة من بينها: «صوت التسامح»، التي تقوم على اختيار أفراد من مختلف شرائح المجتمع لنشر قيم التسامح ونبذ العنصرية والكراهية، من خلال أنشطة وفعاليات هادفة، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الاتصال المتاحة، بالشراكة مع وسائل الإعلام المختلفة.

و«مجلس المفكرين للتسامح»، الذي يضم الجهات ذات العلاقة، فضلاً عن نخبة من أهل العلم والخبرة والفكر والاختصاص، الذين سيعملون على الإسهام في وضع السياسات والاستراتيجيات التي تعزز التسامح واحترام التعددية الثقافية، وتنبذ العصبية والكراهية والتطرف، فضلاً عن دور المجلس في تقديم المبادرات التي ستعزز التسامح وتنشر قيمه ومبادئه محلياً وإقليمياً ودولياً.

كما يحتوي البرنامج «المسؤولية التسامحية للمؤسسات»، الذي يعدّ البرنامج الأول على مستوى العالم، ويهدف إلى نشر قيم التسامح في الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، من خلال الالتزام بمعايير ومؤشرات محددة تعزز التسامح والتعايش وتروّج لهما، وتنبذ الكراهية والعنصرية والتفرقة على أساس الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو العرق.

ومبادرة «الميثاق الإماراتي في التسامح والتعايش والسلام»، وهو مجموعة من المواثيق المرتبطة بالمواطن والمقيم والمعلم والطالب والموظف، تهدف إلى تعزيز التسامح والتعايش وقبول الآخر واحترام التنوع الثقافي، ونبذ العنف والتطرف والعنصرية، فضلاً عن إنشاء «مركز الإمارات للتسامح»، الذي سيُعنى بإعداد الدراسات والبحوث المختصة، التي ترتكز على تأصيل التسامح وتعزيزه.

واحترام الآخرين وضمان استمراريته في المجتمع، بالتوازي مع رصد كل أشكال العصبية والكراهية والتطرف وعدم قبول الآخر، ودوره في توفير المحتوى العلمي والثقافي عن التسامح وأفضل ممارساته في حياتنا اليومية.

تكريساً لقيم التسامح التي أصبحت سمة بارزة في المجتمع الإماراتي أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء بصفته حاكماً لإمارة دبي القانون رقم 9 لسنة 2017 بإنشاء المعهد الدولي للتسامح. كما أصدر سموه المرسوم رقم 23 لسنة 2017 بتشكيل مجلس أمناء المعهد الدولي للتسامح والمرسوم 28 لسنة 2017 بتعيين العضو المنتدب للمعهد الدولي للتسامح.

ويتضمن قانون إنشاء المعهد الدولي للتسامح إطلاق جائزة تسمى «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح» تدار وفقاً لأحكام قانون إنشاء المعهد ونظامها الأساسي وتلحق بالمعهد، ويهدف إنشاء المعهد الدولي للتسامح إلى بث روح التسامح في المجتمع وبناء مجتمع متلاحم وتعزيز مكانة دولة الإمارات كنموذج في التسامح ونبذ التطرف وكل مظاهر التمييز بين الناس بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة إلى جانب تكريم الفئات والجهات التي تسهم في إرساء قيم التسامح وتشجيع الحوار بين الأديان.

ويهدف قانون إنشاء المعهد إلى بث روح التسامح الألفة بين أفراد المجتمع وترسيخ مكانة الدولة كنموذج يحتذى به للتسامح والتعددية الثقافية والدينية بالإضافة إلى بناء مجتمع متلاحم يرتكز على التسامح والسلام والتعايش المشترك وقبول الآخر، إلى جانب نبذ جميع مظاهر التمييز أو العنف أو الكراهية بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة إلى جانب المساهمة في تحقيق أهداف البرنامج الوطني للتسامح.

كذلك يهدف القانون إلى تكريم الفئات والجهات التي لها إسهامات متميزة في ترسيخ قيم التسامح باعتباره وسيلة للتفاعل الحضاري بين الشعوب، وتشجيع روح المبادرة والتميز في إرساء قواعد التسامح على المستويين الوطني والدولي.جائزة

وتمنح «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح» في خمسة فروع ثلاثة منها لتكريم لجهود رموز التسامح في الفكر الإنساني والإبداع الأدبي والفنون الجمالية واثنان في مجال مسابقات تنظمها الجائزة بحيث تركز على المشاريع الشبابية والإعلام الجديد.