استطاعت دولة الإمارات خلال سنوات قليلة أن توجد لنفسها موطئ قدم راسخة بشكل قوي في السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، وأن تكون عضواً فاعلاً عالمياً، من خلال مشاريعها المهمة، وفي مقدمتها «مسبار الأمل» الأول عربياً وإسلامياً لاستكشاف المريخ بقيادة فريق إماراتي، والأقمار الصناعية «خليفة سات» و«دبي سات 1 و2»، ومشروع بناء أكبر مدينة فضائية على الأرض، والتي تشكل نموذجاً عملياً صالحاً للتطبيق على الكوكب الأحمر، وأخيراً برنامج الإمارات لرواد الفضاء المعني بتجهيز 4 إماراتيين لإرسالهم للفضاء خلال 4 أعوام، وإطلاق مركز محمد بن راشد للأبحاث المستقبلية.

هذه الإنجازات في عالم الفضاء استندت إلى 5 ركائز شكلت الرافعة لحضور الدولة عالمياً، وتمثلت في الدعم اللامحدود من قيادة الدولة مادياً ومعنوياً لخوض غمار هذا القطاع وترك بصمة عربية واضحة فيه، ثم توفير بنية تحتية مادية وعلمية وقانونية قادرة على تذليل عقبات إنجاح مشاريع الفضاء، والعمل المتواصل لتأهيل كوادر إماراتية تدخل ميدان الفضاء بجدارة وكفاءة، مع تشجيع استثمارات القطاع الخاص في أبحاث ومشاريع الفضاء، وأخيراً تعزيز التواصل مع الخبرات العالمية والاستفادة منها لاختزال طريق الانطلاق نحو الفضاء.

بدورهم، أشاد علماء فضاء بالجهود الكبيرة التي تبذلها دولة الإمارات وبقية الدول العربية في مجال الفضاء، داعين في الوقت ذاته إلى تأسيس وكالة فضاء عربية توحد أهداف العرب ومشروعاتهم العلمية على غرار وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية.

من جهة أخرى، أكد العلماء جدوى العائد الاقتصادي الكبير وراء أبحاث الفضاء وأنها لم تعد ترفاً حضارياً، حيث بدأت كثير من الدول تسارع الخطى لكي تستفيد اقتصادياً من هذا الجانب، ومن ضمنها الإمارات التي كشفت عن مشروع لقانون بشأن الفضاء سيتضمن بنداً يمنح شركاتها، حق امتلاك واستغلال الموارد الطبيعية التي تجدها بعثاتها إلى الفضاء على أسطح الكواكب والأجرام السماوية التي تصلها.

وحمل العلماء الإعلام العربي جانباً من المسؤولية عن تأخر التحاق الشباب بركب علوم الفضاء، من خلال التناول الهش لهذه العلوم، فضلاً عن غياب الصحافة العلمية المتخصصة.

ذراعان

وأوضحت معالي سارة الأميري وزيرة دولة مسؤولة عن ملف العلوم المتقدمة وقائد الفريق العلمي لاستكشاف المريخ، رئيسة مجلس علماء الإمارات، أن الإمارات نجحت في تكريس دورها لاعباً مهماً في استكشاف الفضاء وهو ما عكسه تلك المشروعات المهمة التي أنجزت حتى الآن فضلا عن المستقبلية.

مؤكدة أن قادة الدولة حريصون على استشراف كل مقومات المستقبل من خلال ما يوفرونه من دعم لا محدود مادي ومعنوي، خاصة أن الاستثمارات الإماراتية في القطاع الفضائي بلغت 20 مليار درهم خلال الـ 10 سنوات الماضية.

مما يعكس الإرادة السياسية الموجودة لدفع هذا القطاع قدما لتحقيق نجاحات مستقبلية للدولة، فضلا عن بث الروح في أوصال علمائنا العرب المتخصصين، لأن الاستفادة من الخبرات والتعاون بين العقول هو أساس نجاح أي خطة استراتيجية تنموية مستقبلية.

صناعات جديدة

وقالت معاليها إن بلوغ الفضاء بمشروعات مهمة من شأنه أن يفرز صناعات جديدة دقيقة مثل البرمجة وتصنيع الروبوتات وأجزاء الأقمار الصناعية، موضحة أن الانفاق والاستثمار في هذه المشروعات يعطي مردوداً اقتصادياً كبيراً، وتتوقع وكالة الإمارات للفضاء نمواً بصناعات الفضاء بنسبة 10% سنوياً والتي تتركز في شركة الاتصالات الفضائية ومنظومة الأقمار الصناعية.

وتطرقت معاليها إلى أهمية مسبار الأمل كونه سيفتح المجال واسعاً عند وصوله للكوكب الأحمر، لتطوير صناعات مغذية كبيرة ومهمة تفيد في استمرارية مهمته، مثل التقنيات والابتكارات التي تستفيد من هذه المشاريع، خاصة أن التطور في الاستكشاف يفرز حلولاً جديدة تعززها قدرات الابتكارات المتخصصة الجديدة.

وذكرت معاليها أن الدولة أخذت على عاتقها تأهيل البنية التحتية لقطاع الفضاء وتعزيزه بكل ما يحتاجه سواء من ناحية العنصر البشري المؤهل، أو الإمكانات التقنية وغيرها، موضحة أنه من المهم جدا لأي دولة تدخل إلى عالم الفضاء أن تدرس جيدا مدى استفادتها من ذلك، والمردود الذي يطالها، فيما يجب أن يُدعم ذلك دعماً سياسياً وشعبياً.

وأضافت أن التخطيط والإدارة والتنفيذ للمشروعات الفضائية الإماراتية تتم على يد فريق إماراتي يعتمد أفراده على مهاراتهم واجتهادهم لاكتساب جميع المعارف ذات الصلة بعلوم استكشاف الفضاء، وأنه لن يتم استيراد أي من التقنيات الرئيسية التي يقوم عليها المشروع، بل يتم تصميمها وتصنيعها وتجميعها محلياً على يد خبرات وبإمكانات محلية، مشيرة إلى أن المعرفة التقنية اللازمة لمسبار الأمل مثلاً، بُدئ بتطويرها محلياً من خلال تدريب المهندسين الإماراتيين عبر الشراكات الاستراتيجية مع جهات أكاديمية علمية عوضاً عن توريد التقنيات من الوكالات والشركات العالمية المتخصصة في مجال الفضاء.

قانون فضائي

إلى ذلك، كشفت الإمارات عن مشروع لقانون بشأن الفضاء سيتضمن بنداً يمنح شركاتها، حق امتلاك واستغلال الموارد الطبيعية التي تجدها بعثاتها إلى الفضاء على أسطح الكواكب والأجرام السماوية التي تصلها، وذلك وفقاً للقانون الدولي لاستكشاف الفضاء واستخداماته.

وأوضح الدكتور المهندس محمد الأحبابي مدير عام وكالة الإمارات للفضاء، إن «القانون الجاري إعداده حالياً يتناول مفاهيم متقدمة وجديدة استُحدثت في عصر الفضاء الذي نعيشه، مثل حق امتلاك الموارد الطبيعية التي يتم العثور عليها في الفضاء وتنظيم رحلات مأهولة إلى الفضاء وما إلى ذلك، مشيراً إلى أن الدولة بصدد تأسيس قطاع صناعي ابتكاري يركز على تأهيل كوادر بشرية متميزة من خلال تعزيز الشراكات العلمية ونقل وتوطين المعرفة الفضائية المتخصصة.

وأوضح أنهم يعملون على إصدار هذه الوثيقة القانونية التي من شأنها صياغة سياسة دولة الإمارات نحو الفضاء، وتوضيح أهداف برنامج الفضاء الإماراتي، وتنظيم المشاريع الفضائية، لافتاً أن مشروع استكشاف المريخ الذي تم تكليف مركز محمد بن راشد للفضاء بتنفيذه يشكل منصة رئيسية لتنمية قطاع الصناعة الفضائية في الإمارات والمنطقة ومعه أصبحت دولة الإمارات محوراً رئيسياً لعلوم وأبحاث وابتكارات الفضاء في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.

مشروعات رائدة

إلى ذلك، أكد الدكتور عصام حجي الباحث في علوم الفضاء والعضو المشارك في مهام علمية لوكالتي ناسا والفضاء الأوروبية، أن مشروعات الفضاء العربية ليست إهدارا للمال، بل هي تعزز حلماً علمياً للشباب العربي، وتنمي الموارد الوطنية، مؤكداً أهميتها خاصة أنها بدأت تؤتي ثمارها، ودعا إلى إنشاء وكالة فضائية عربية لتوحيد الجهود وتبادل الخبرات.

وأنه رغم أن الشباب العربي محاصر بالإحباط، إلا أن هذه المشروعات تعتبر منقذاً لهم إذا ما اهتموا بدراسة العلوم، وأن بعض الإعلام العربي ساهم بعدم دقته والتهويل في تناول أخبار الفضاء، إلى عزوف الشباب للولوج لهذا القطاع.

وقال إن التجارب الفضائية العربية، أصبحت داعماً كبيراً للتنمية المستدامة في دولنا، وأن المردود الاقتصادي جراءها، كبير جداً ويحمل خيراً كثيراً خاصة مع زيادة الاستفادة من المعلومات المتاحة من هذه التجارب، فضلاً عن الابتكارات والصناعات التقنية التي تدعم هذه المشروعات، مؤكداً أن أي مبالغ تنفق على هذا القطاع ليست مهدرة، بل أنها في مكانها الصحيح وستنعكس إيجاباً حتميا على مقدرات شعوبنا من حيث التنمية والتطور، مضيفاً أنه يجب أن يكون لدينا «حلم علمي عربي».

مشروعات متكاملة

وأكد حجي أهمية أن تكون هذه المشروعات العربية متكاملة ويستفيد منها الجميع، وأن نبتعد عن فكرة التسابق فيما بيننا والانغلاق على مشروعاتنا الداخلية لكل دولة، وكل ذلك هدفه تعزيز البُعد العربي والانتماء لهدف واحد، وهو الأمر الذي من شأنه الانعكاس إيجاباً بكل تأكيد مستقبلاً.

وذكر أن العرب مؤهلون بقوة لنجاحات أكبر مستقبلاً في عالم استكشاف الفضاء وإعادة أمجادنا مرة أخرى، خاصة أننا أول من سطرنا علوم الفلك في العالم، لافتاً إلى أن السؤال الأهم هو هل نحن ننوي الاستفادة فعلياً مما هو متاح من معلومات، خاصة أننا نحتاج توسيع الدراسات المتخصصة فضلاً عن أقمار صناعية تفهمنا معارف جديدة.

واقترح أن تكون هناك وكالة فضاء عربية توحد أهدافنا ومشروعاتنا العلمية على غرار ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، وأنه لو نظرنا لناسا على سبيل المثال، فقد كان أول رئيس لها ألماني الجنسية، فضلاً عن أن العاملين بمشروع أبولو متعددو الجنسيات، كما أن علوم الفضاء عند العرب قديماً ووصولاً لناسا، معروف عنها التعددية والتعاون.

منصة

أشارت معالي سارة الأميري إلى أن مركز محمد بن راشد لأبحاث المستقبل، الذي أطلق مؤخراً، سيكون منصة عالمية للتعاون العلمي، من خلال إسهامه في تسريع وتغيير آلية عمل البحث العلمي عالمياً.

وقالت إن المركز سيقدم منحاً لأفضل الباحثين حوال العالم، مما يساعد في تسريع عملية التمويل العلمي، وسيفيد نحو 3000 خبير، وتستمر دورته 180 يوماً، وتشمل 50 تخصصاً، ما يغير مفهوم البحث العالمي عبر تسريع الأبحاث العلمية 10 مرات، وتخفيضها بنسبة 70%.

4

اعتبر الدكتور عصام حجي أن خطوة إرسال رواد فضاء إماراتيين خلال 4 أعوام، تبدو رائعة جداً في حال توفر الإعداد الجيد فضلاً عن الاهتمام بعامل الوقت، خاصة أن تأهيل رواد الفضاء يأخذ سنوات طويلة، والتركيز يجب أن يكون ليس على فقط إرسال رواد فضاء، لكن الأهم هو كيفية الاستفادة علميا مما يتاح من معلومات عند الإرسال، لأن تحديد الهدف مهم جداً في هذا الشأن، كما أن مسبار الأمل ومن خلال مهمته التي تبحث في مناخه وندرة المياه على سطحه، سيوفر معلومات جديدة للعالم أجمع.

19

قلل الدكتور عصام حجي من إشكالية الإنفاق الكبير على مشروعات فضاء عربية، حيث إنها لا تعد كبيرة مقارنة بما ينفق على مشروعات البنية التحتية، أو القنوات الإعلامية، وصولاً للحروب التي تكلف المليارات على حساب تقدمنا وتطورنا، مشيراً إلى أن وكالة ناسا تنفق سنوياً 19 مليار دولار ووكالة الفضاء الأوروبية تنفق ما يقارب هذه الأرقام.

تجارب

أفاد الدكتور عصام حجي بأن التجارب الفضائية العربية مقسمة إلى 3 مناطق، أولاها المغرب العربي، وهي تجربة تميل الى استحضار النموذج الأوروبي والفرنسي والبريطاني، من خلال التعاون مع شركات ايرباص الفرنسية وسوري البريطانية اللتين لهما مشروعات متخصصة بالأقمار الصناعية الصغيرة.

وتطرق إلى دول الشرق الأوسط والتي تمثلها مصر، حيث إن تجربتها تعتمد أكثر على الشركات الروسية والأوكرانية، وعرض حجي ثالثاً التجربة الخليجية متمثلة في الإمارات والسعودية، حيث إنها تميل الى وجود الأقمار الصناعية العلمية واستخدام الوسط الأكاديمي لها من حيث تبادل المعلومات، فيما تعاقدت الإمارات مع شركة ايرباص بخصوص أقمار التصوير الخاصة بالمسح الجيولوجي.

2117

مشروع المريخ 2117 الذي أطلقته دولة الإمارات والذي يستهدف بناء أول مستوطنة بشرية على سطح الكوكب الأحمر بحلول عام 2117، و«مبنى مدينة المريخ العلمية» الجاري العمل عليها حالياً، والتي ستوفر سبقاً معرفياً ضخماً، يجسدان خطوات مهمة ذات عوائد استثمارية ومعرفية كبيرة.

خاصة أن عدد المراكز البحثية التي ستستفيد مما ستوفره المدينة من فرص لاكتشاف الفضاء ستبلغ 200 مركز بحثي في مختلف أنحاء العالم، وأنه بإنجاز المشروع سيكون المبنى الأكثر تطوراً في العالم، وبالإمكان تنفيذه بشكل كامل على كوكب المريخ، وقد عملت على المشروع فرق عدة من علماء ومهندسين ومصممين، يقودهم فريق علمي هندسي إماراتي من مركز محمد بن راشد للفضاء.

إعلام

ساهم بعض وسائل الإعلام العربي في جعل صورة مشروعات الفضاء العربية مشوّشة في عقول وفكر الشباب العربي، من خلال التناول الهش والضعيف والذي يحمل كثيراً من التهويل عند التناول، فضلاً عن غياب الصحافة العلمية المتخصصة.

وأشار الدكتور عصام حجي إلى أن معظم الأخبار المتناولة، غالبا كاذبة أو غير دقيقة، مثل اصطدام النيازك بالأرض وارتطام كوكب بآخر وغيرها من الأشياء التي تفقد الشباب ثقتهم فيما يقدم لهم من معلومات، وأن العلاقة بين العلم والاعلام تعتبر مريضة، حيث إن الأخبار العلمية به تفقد الناس الثقة في العلم بسبب إدارتها وطرحها لهذه الأخبار.

وأوضح الباحث العربي في ناسا، أن مشاريع الإمارات وفي مقدمتها مسبار الأمل وإرسال رواد إماراتيين للفضاء، طموحة جداً وتفتح الأبواب للعلماء للتعرف على معلومات جديدة عن هذا الكوكب.