صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فارس مغوار يمتلك جميع أدوات الفروسية وقدراتها، حيث تربّى على حُب الخيل وتعوّد ركوبها والسباق بها منذ نعومة أظفاره.
ولا شك أن ذلك من سيماء أبناء الملوك الذين عودهم آباؤهم على الارتباط بالخيل والتعامل معها منذ صغرهم، فشبوا على حبها والتعلّق بها إلى درجة التفاني في هذا الحب والتعلّق، وإن للخيل في قلوب العرب، وخاصة فرسانهم، ميزة وخاصية فريدة تعلو على سواها من متع ومقتنيات، وربما تعدل الولد عندهم تماماً في حبه وإيثاره على غيره.
وللعرب مع الخيل قصص وحكايات تملأ المجلدات، وما زال العربي، حتى اليوم، يتغنّى بالخيل ويطرب لها، وإن كان حب الخيل وإيثارها والتغني بمآثرها ومكارمها، قد خف عما كان عليه العرب في جاهليتهم وما بعدها من عصور، إلى أن ظهرت وسائل النقل الحديثة ومظاهر التسلح المعاصرة، ولكن رغم ذلك، بقيت الخيل على ما هي عليه في قلوب كثير من العرب، خاصة الملوك وأبناء العشائر وفرسان العرب.
ويأتي على رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي تعلّق بالخيل وأحبها منذ صغر سنّه ونعومة أظفاره، وكبر مع هذا الحب الذي عشعش في قلبه وطوى عليه أعماقه، وكل يوم يزيد ويكبر ويتلألأ بريقه بين جنبيه، وللشيخ محمد بن راشد مع الخيل قصص وحكايات وأخبار وأحاديث تسمعها فتبصر مدى العلاقة الحميمة التي تربط سموه بالخيل، بحيث أصبح بينهما رباط وثيق أنتج لغة خاصة بينهما، فإذا ما حمحمت الخيل أو حركت رأسها أو تصرفت على نحو ما، فإن في ذلك إشارات يفهمها الشيخ محمد بن راشد، وسرعان ما يلبيها.
وكذلك إذا ما تحدّث الشيخ محمد بن راشد أو لامس بيده رأسها أو عنقها أو جزءاً من جسمها أو همس لها في أذنها أو نظر لها نظرة، فإن الخيل سرعان ما تفهم تلك الإشارات منه، هذه اللغة الفريدة بينهما أنتجها طول العلاقة وعمقها بين الطرفين، وليس بغريب ذلك على الشيخ محمد بن راشد، الذي يعد فارس فرسان العرب، والفارس عادة ما يكون له تعلّق بالخيل وحب لها وعشرة معها وألفة بينهما، ولا يمكن للفارس.
سواء كان في السابق وقت ازدهار الخيل أو لاحقاً لذلك في معاصرتنا، إلا أن يكون من محبي هذا الجنس الأثير لديه والمحبب له، ولكم تبارى الملوك والفرسان وعشّاق الخيل، عرباً وغيرهم في معاصرتنا، بامتلاكهم الخيل، وخاصةً السلالات المتميزة منها، سواء كانت من سلالات السباق أو سلالات الحسن والجمال.
ويعد الشيخ محمد بن راشد من أهم وأشهر ملاّك الخيل، إذ له معها حكاية تطول فصولها وتتعدد جوانبها. وقد ارتبط معها بقصة حب منذ يفاعته، ولم يزل يتأجج حبها في قلبه على مدى الأيام وتزيد حرارته ويلتهب أواره ولا يكاد ينتهي أبداً.. فما ذُكرت الخيل حديثاً إلاّ وذكر معها الشيخ محمد بن راشد كأشهر من يملك الخيل ويعرف أسرارها ودواخلها. ويبهرك مدى العلاقة الحميمة بين الطرفين وعمق هذه العلاقة التي تنتج أمام عينيك مجموعة مظاهر من السلوك الفريد الذي يلفت الذهن والقلب والمشاعر.
قصة
وأذكر أني كنت مرة مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، في أحد إسطبلاته، وكان مدرّب الخيول يدور بها في حلقة دائرية بشيء من التدريب الخفيف، ووقف الشيخ محمد بن راشد على جانب بحيث يرى هذا المشهد، فإذا بمهر من هذه الخيول يخرج عن مساره ويأتي إلى سموه ويمد عنقه ليلامسه ويتشمّمه، فلاطفه الشيخ محمد بن راشد، وأسر له في أذنه ببعض كلمات فعاد إلى مساره مع الخيل ثم عاود هذا التصرف مرة أخرى في مشهد لافت وجميل ومحبب إلى النفس يعكس مدى ما بلغته هذه العلاقة بين الخيل والإنسان من درجة ومنزلة متميزة، وينبئ عن مشاعر فيّاضة لدى الخيل ومدى قربها من الإنسان وقدرتها على التكيف معه بتلك الصور التي نشاهدها أحياناً، وبشكل خاص كما هي حالة الشيخ محمد بن راشد وعلاقته بخيوله وأفراسه.
وبعد ذلك، فلا غرابة أن يقول الشيخ محمد بن راشد في الخيل ما يقوله عنها ويصورها في شعره ويصفها فيه بأوصاف جميلة محببة فريدة، إذ قد نما حب الخيل في قلبه وسيطر على مشاعره وبلغ به درجة من الغرام والهيام ووحدة الحال بينهما في هذا الحب، فلقد اشتمل كثير من شعر الشاعر الشيخ محمد بن راشد على خاصيتين واضحتين فيه، هما الخيل والحبيبة.
فقد أنتج الشاعر درراً من قصائده في هذين المعنيين المحببين إلى نفسه، ولا يكاد يغيب كلاهما عن قصائده، ولك أن تجعله في ذلك بدون أدنى منازع، شاعر الخيل، لما برز في شعره من هذا الوصف للخيل والحديث عنها، كما أنه بالقدر ذاته، يمكنك أن تعتبره شاعر الحب والغزل، لما احتوته قصائده من التغزل في الحبيبة ووصف مظهر جمالها وتعلّقه بها.
وتعد هذه القصيدة من غرر قصائده في الخيل، تكشف عن سر العلاقة بينهما ومظاهر التودد الذي تبديه الخيل ناحية الشيخ محمد بن راشد، واحتفائها به حين تشاهده وتراه، ويبدؤها بهذا البيت الجميل:
مِـــنْ عَــلَّـمْ الخيلْ أنْ بإسـمي تـنـاديـني
وأنِّــــي إذا جــيــتْ مِ الــبِـعـدْ إتِّـلَـقَّـاني
يسأل الشاعر نفسه: من علّم الخيل، يا ترى، أن تناديه باسمه. وتلك حقيقة في يقين الشاعر، بأن الخيل تعرفه وتناديه باسمه بلغة خاصة بينهما يعرفها كل منهما، فإذا ما حمحمت بشكل ما عرف منه الشاعر أنها تناديه باسمه، فيقترب منها ويلاطفها ويقف على سر حاجتها منه ولا يقتصر في ذلك على خيل من خيوله فقط، وإنما تلك عادة خيوله كلها معه، لذلك قال: «من علّم الخيل» بصيغة الجمع.
ولا شك أن الجواب على هذا السؤال يكمن في طول العلاقة بين الطرفين وقدرة الشاعر على فهم مكنون نفس الخيل والوقوف على مشاعرها وأحاسيسها، بصورة تنم عن قربه منها، ذلك القرب الذي جعل كلاً منهما يفهم أسرار صاحبه، وإضافة إلى مناداة الخيل للشاعر باسمه، فإنه يلحظ منها سلوكاً حنوناً وتصرفاً غاية في الحب والتفاني فيه، وهو أنه إذا جاءها رحبت به وتلقته على البعد، تعبيراً عن فيض هذا الحب الذي تشعر به نحوه، تصرف شبيه بتصرف الإنسان، إن لم يكن أبلغ وأرق منه لدى هذا الحيوان الحساس صاحب المشاعر الرقيقة في لحظات الرقة والحنان.
لطف وصداقة
تــفـرَحْ بـقـربـي وتـمـازحـني وتـحَـيِّيني
وَإنْ غــبـتْ عـنـهـا عــلـىَ نــارْ إتِّـرَيَّـاني
وينتقل الشاعر ليحكي لنا عن بعض مظاهر هذا اللطف والصداقة بينهما، إذ تفرح به الخيل فرحاً كبيراً، فيعبّر عن شيء منه بمزاحها معه وتحيتها له بالشكل الذي يعرف الشاعر منه أنه تعبير منها عن تحيته والترحيب به، وذلك ما يفهمه الشاعر من بعض تصرفاتها وسلوكها معه، وبقدر تلك الفرحة بقربه منها تقلق الخيل على بعده عنها، فتظل قابضة على نار جمر الفراق إلى حين قدومه إليها.
معرفة تامة
تَــــدْركْ وجـــودي وتَـعْـرفـني وتَـغـلـيني
وتـبِـشْ لــي وبَــسْ قـاصـرْها إتِّـحـفَّاني
يعرف الشاعر أن خيله تدرك حقيقة وجوده معها وتعرفه معرفة تامة في جميع تصرفاته وسلوكه، ولا يشك في مدى وصدق هذه العلاقة وحب الخيل له وتجسد مظاهر هذا الحب فيها، إذ ينعكس ذلك على الفرح به وتعبيرها عن هذا الحب الطاغي في أعماقها له، حيث عبّر الشاعر عن ذلك بقوله «تبِشْ»، أي ترتسم الفرحة على وجهها إلى درجة أن تتحفاه، أي تبالغ في الترحيب به، وذلك من سلوك وسجايا الإنسان، لكن الشاعر جعله بذات القدر متحققاً في سلوكيات وتصرفات خيله معه.
فيض جارف
وتـحـسْ بــي وبـشعورْ تـشَمَّمْ إيـديني
يـاكنَّها فـي الـمشاعرْ نـفسْ الأنساني
والشاعر متأكد من أنه أثير لدى خيله يعيش في أعماقها ويتربع في كيانها، لذلك قال: «تحس بي» من الإحساس وبالغ المشاعر، تلك المشاعر التي تدعوها إلى أن تشم أياديه تعبيراً عما تكنّه بداخلها من هذا الفيض الجارف من الحب الصادق. ويستغرب الشاعر من كم هذه المشاعر ورقتها، ليقول إنها كمشاعر الإنسان تماماً «ياكنَّها في المشاعرْ نفس الأنساني»، وذلك ما خبره الشاعر فيها، فعبّر عنه بهذه الصورة الحقيقية التي ليس فيها أدنى مبالغة.
تحية خاصة
إنْ جـيـتـها بــعـدْ غـيـبِـهْ لـــي تـحَـيِّيني
ويــضـجْ الإسـطـبـلْ بـالـتَّرحيبْ حـيَّـاني
فإذا جاءها الشاعر بعد غياب قامت له تحييه بطريقتها الخاصة بها، التي يفهمها الشاعر كل الفهم والإدراك، وكم كان يضج الإسطبل من فعل الخيول وحركتها تعبيراً منها عن أداء هذه التحية للشيخ محمد بن راشد، الذي جاءها بعد غيبة له.
شوق
يـاكـنَّـها تــقـولْ لــي يــا مـنـوَةْ الـعـيني
طـوَّلـتْ غـيـبتكْ والـلِّـي يـحـبْ ولـهاني
ويفسر الشيخ محمد بن راشد ما يفهمه من مظاهر هذا الترحيب والتحية، بأن الخيل تريد أن تقول له: يا قرة العين ومناها، قد أطلت غيبتك ففاض بي شوق الحب وولهه.
«كما الإنسان»
ولـلـخـيلْ أنــسـابْ وأوطـــانْ وبـلاديـني
وفـي الـخيلْ أسـرارْ محفوظهْ بكتماني
ومن معرفة الشيخ محمد بن راشد بالخيل ما يذكره في هذا البيت، إذ يمدح الخيل بأنها كالإنسان تماماً، لها أنسابها الخاصة بها، ولها أوطانها المعروفة بها وفي داخل الخيل أسرار مخفية لا يعرفها إلا صاحب إدراك ومعرفة وفطنة بها، فالخيل، كما يذكر الشاعر، أجناس عديدة لا يدركها إلا الخبير المتمرس فيها كالشيخ محمد بن راشد، والعرب تحب الخيل وتحتفي بها وتبالغ في هذا الحب والاحتفاء إلى درجة كبيرة ربما لا تجدها عند قوم غيرهم. وقد بلغ بهم هذا الحب أن صنفوا في الخيل كتباً وقرروا لها صفات ومناقب واحتفظوا بأنسابها التي يتفاخرون بها كما يتفاخرون بأنسابهم تماماً.
وأذكر أنني قرأت قصة تبين عن شيء كبير من هذا الحب الفياض للخيل، وذلك بأن سرقت خيل أصيلة تسمّى «كحيلة»، وهرب بها السارق وتبعه القوم على خيولهم وكاد كديش، أي خيل غير أصيل، أن يلحق بالفرس المسروقة، فما كان من صاحب الخيل إلا أن نبه السارق إلى غدير ماء بجانبه ليخوضه بخيله، وقد فعل ونجا من المطاردة، ولما سُئل صاحب الخيل عن فعله ذلك الذي أمّن للسارق سبيل نجاته، قال قولة أصبحت مثلاً: «تسرق كحيلة ولا يلحقها كديش».
من أسباب الجمال
إمـضـمَّرْ الـظـبي فـيـها وصـفَهْ إمـحيني
وعـدوَةْ الـذيبْ في غفلَهْ علىَ الضاني
وما يلفت نظر الشاعر في الخيل نحول خصرها الذي يتعب الشاعر والعارف بوصف هذا المظهر الذي تتفرد به الخيل عن غيرها، والذي يغدو من أسباب جمالها، حيث يصفه بقوله: «إمـضـمَّرْ الـظـبي»، أي كخصر الظبي، وما يلفته كذلك، سرعة الخيل في السباق، حتى إنه يصورها كعدوة الذئب في الانقضاض على الضأن.
وللعرب نظرات صائبة في تقاطيع جسم الخيل الأصيلة، إذ كل عضو فيها له مواصفات خاصة به تميزه وتعلي من شأنه، بحيث تعرف الخيل الأصيلة من مجمل أوصاف هذه الأعضاء، وذلك من بالغ اعتناء العرب بالخيل التي بها مناط فخرهم واعتزازهم، وقد مدح الرسول، صلى الله عليه وسلم، الخيل، بما معناه: «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة»، ولذلك يأتي اهتمام العرب عامة والفرسان خاصة بالخيل من هذا المنطلق، وبهذا المنطق الصائب الذي يجعل للخيل أهميتها ودورها في حياة الناس.
مظاهر ومواصفات
مـشـدودَةْ الـجـلدْ مـحـسوبَهْ بـتمكيني
صـلـيبةْ الـقينْ لـي فـي الـشَّدْ مـالاني
ويصف الشاعر جلد الخيل بأنه مشدود على جسدها، وذلك من أسباب جمالها وتميزها، فكل عضو فيها، كما يصوره الشاعر، محسوب بقدره ليسهم في تغذية مظهر هذا الجمال والتميز.
ولجسم الخيل، كما قلت، مواصفات وأوصاف تجعل الخيل، إن توافرت فيها، ذات تميز وعلو على غيرها من التي تقل فيها هذه المظاهر، فقد جعل العرب للجمال مواصفات، سواء كانت للخيل المعدودة للسباق أو لغيرها، وكثيراً ما تغنى الشعراء بهذه الأوصاف والتقاطيع، ومنهم خاصةً الشاعر الشيخ محمد بن راشد، الذي تحدث وتغنى بالخيل في كثير من شعره، خاصة في هذه المنظومة البديعة والرائعة التي قصرها، من بدايتها إلى نهايتها، على الخيل وأوصافها وأسرارها وعلاقته معها، وقول سموه: «صـلـيبةْ الـقينْ لـي فـي الـشَّدْ مـالاني»، أي حوافرها قوية صلبة لا تلين من كثرة ارتطامها بالحصى الصلب، وذلك ما عبر عن شيء منه، شاعر إماراتي قديم في قوله:
لي كينها يرقع على الضمان
ثاير عجاجه ما ركد
«طلقة العنان»
سـلسةْ عـنانٍ وحِـيَّةْ سيرْ في حيني
عقبْ التَّعَبْ ترجعْ أنشَطْ م الذي كاني
يصور شاعرنا، الشيخ محمد بن راشد، الخيل، بأنها منقادة للراكب، طلقة العنان، سريعة في الركض، ما إن تتعب حتى ترجع بأنشط مما كانت عليه، وتلك ميزات خيله التي خبرها فيها وعرفها عنها.
كانصباب الشلال
تـنصبْ فـي الـسِّيرْ صَـبْ الـما بتعييني
شـلاَّلْ مِـنْ راسْ ضـلعْ إيـصبْ عجلاني
أجمل ما شبه الشيخ محمد بن راشد، الخيل فيه، أنها تنصب بسرعة كانصباب شلال الماء، من أعلى رأس جبل شاهق، وهذا من أدق أوصاف الخيل الذي اهتدى إليه الشاعر الشيخ محمد بن راشد، إذ إن أكثر ما ينظر إلى الخيل فيه وما تتحدد صورتها به، هي السرعة، فجاء وصف السرعة هنا بشكل غير اعتيادي، وفيه شيء كبير من الجدة والابتكار، إذ صورها الشاعر بانصباب الماء من شلال دافق من رأس جبل شاهق، وذلك ما يبين قدرة الشاعر على توليد الأوصاف وتشقيق المعاني.
صقور منقضة
يـاكِّـنـكْ تــشـوفْ هـــدَّاتْ الـشِّـواهيني
هـدَّنْ عـلىَ الـصِّيدْ لـكنْ دونْ جـنحاني
ويصور الشاعر منظر الخيل أثناء السباق، بشكل الصقور المنقضة، حيث تنطلق إلى صيدها بأقصى سرعة، ولكن يفرق الخيل عن الصقور، كما يصورها الشاعر، أنها تنقض مسرعة، لكنها من دون جنحان، وهذه من الأوصاف الجميلة المبتكرة للخيل.
فـيها مِـنْ الـزِّينْ زيـنْ أزيَـنْ مِـنْ الـزِّيني
جـمـالـهـا فـــي عـيـونـي مـالـهـا ثــانـي
إن في الخيل جمالاً وحسناً ربما يفوق حسن وجمال كل شيء في عين الشاعر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فهذا ما يستشعره، بل ما يعتقده، ولا شك أنه صادق في هذا الوصف، إذ يعبر بذلك عما في نفسه من هذه المشاعر تجاه الخيل التي يتفرد جمالها في عيونه، إلى درجة أنه ليس لها ثانٍ عنده، كما يذكر البيت.
صور بديعة
أخي القارئ هذه القصيدة، كما قلت، من بين أروع وأبهى أشعار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الفارس والشاعر المتفرد، فهي مخصصة لأوصاف الخيل والحديث عنها بحيث تبرز الخيل في أبياتها في تلك الصورة التي جسدها الشاعر عنها، والتي تجلي الأبيات شيئاً كبيراً من مظاهرها وأوصافها وسجاياها، وتبين مدى علاقة الشاعر بها والحب المتبادل بينهما ومعرفة كل منهما، فالقصيدة نتاج خبرة الشاعر في الخيل، وهي قصيدة مكتنزة بكثير من المضامين والمعاني والصور والمشاهد والخبرة بأسرار الخيل وأوصافها، وليس هناك من هو أقدر من الشاعر الشيخ محمد بن راشد على تجسيد هذه الصورة النابضة عن الخيل، في كثير من مظاهرها التي تحدثت عنها هذه القصيدة بشيء كبير من فهم الشاعر لهذه الأسرار وحبه للخيل، ذلك الحب الذي تجسد في هذه اللوحة المزخرفة بأحلى وأجمل المضامين والصور.
وقد جاءت هذه القصيدة جميلة الصياغة والسبك والبيان، مكتملة المعنى والمضمون، بليغة محققة الهدف من ورائها، بحيث تجعل القارئ يقف على تجسيد متميز لصفات الخيل، وحديث الشاعر عنها بقدرة من منطلق معرفة تامة وطول علاقة بينهما، أهّله لأن يكون المتحدث عنها والمصور لمشاعرها وأحاسيسها والكاشف لكثير من أسرارها معه بشكل واضح ودقيق، فهو بحق شاعر الخيل والفروسية الخبير بأحوال الخيل وحالاتها وأطوارها وأوصافها ومواصفاتها وسجاياها ومكارمها.
وتأتي هذه القصيدة في مرتبتها المتميزة ومركزها المتقدم في الحديث عن الخيل، لتؤكد أنه لا يمكن لغير الشاعر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أن يأتي بمثل هذه الدرر التي جاء بها عن الخيل، وعبّر بها عنها في هذه الأبيات المتألقة، والمبدع فيها إبداع المتمكن الخبير في جنس الخيل، الذي لم يترك في هذا المجال شاردة ولا واردة، إلا وقف عليها وكشفها وتحدث عنها بأفضل ما يمكن أن يصورها ويتحدث عنها خبير بها.