قبل 28 عاماً، غيب الموت المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، لكنه بقي حاضراً في وجدان أبناء الإمارات بصفة عامة وأبناء دبي بصفة خاصة، يشهد له تاريخ الإمارات بأنه قائد استثنائي ترك بصمة واضحة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، من خلال رؤية ثاقبة وبصيرة نافذة استشرف مستقبل نهضة إمارة دبي ليجعلها محط أنظار العالم، حملت رؤيته راية التطور والتقدم في الدولة وأسهمت في توحد وتلاحم الشعب والقيادة فيها، عبر فكر مستنير أضاء طريق الاستقرار لتحقيق السعادة للجميع وبدد الصعاب والمعوقات وحولها إلى فرص عمل أسهمت في نجاح المسيرة التنموية.
المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراه من رواد وحدة الإمارات وبناء حضارتها، وأحد العظماء الذين حملوا مشاعل التطور والتقدم في دولة الإمارات العربية المتحدة.
تصادف اليوم، الذكرى 28 لوفاته، إذ انتقل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، إلى جوار ربه في السابع من شهر أكتوبر عام 1990 الموافق الثامن عشر من شهر ربيع الأول عام 1411هـ عن عمر يناهز 78 عاماً، قضاها رحمه الله في خدمة أمته ووطنه ومواطنيه، وبذل خلالها كل ما يملك من طاقة في سبيل تحقيق الخير.
ولد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله في دبي عام 1912، ونشأ في بيت والده الشيخ سعيد الذي اشتهر بالورع والزهد والتقوى، والحرص على مصلحة الوطن والمواطنين، وسعة الصدر والحلم، والخلق النبيل، كما نشأ «رحمه الله» في كنف الشيخة حصة بنت المر والدته التي كانت لها مكانة خاصة في قلوب الناس لما عُرف عنها من تسامح وطيبة قلب، وقد لقبت بـ«أم دبي»، فتشرّب سموه منذ نعومة أظفاره في هذا البيت كل هذه الخصال الطيبة والسجايا الحميدة المستقاة من أصيل الثقافة العربية الإسلامية.
مقاليد الحكم
تسلم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله مقاليد الحكم في إمارة دبي في عام 1958 عقب وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم، وشارك والده الشيخ سعيد في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939، وكان يراقب عن كثب كيفية حكم والده للناس، فتعلم أصول الحكم الرشيد الذي يستمع فيه الحاكم لجميع المحكومين، ويعطي الحرية لكل المواطنين، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم من الشخصيات العظيمة في دولة الإمارات ورفيق درب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه في تأسيس دولة الاتحاد وتحقيق الحلم الغالي.
وظف الشيخ راشد بن سعيد رحمه الله خبرته السياسية في إدارته لشؤون الإمارة في ذلك الوقت ثم على رئاسته مجلس الوزراء بعد قيام الاتحاد، فحققت دبي تحت إدارته طفرة تنموية شملت إنشاء الطرق والجسور التي تربط شطري الإمارة وتوسيع خور دبي وتعزيز موقعها التجاري بإنشاء مزيد من الموانئ حول الإمارة فأصبحت دبي مركزاً تجارياً بين الشرق والغرب ولم ينقصها سوى أن تصبح جزءاً من كيان عربي أكبر له ثقله السياسي إقليمياً وعالمياً.
وتوافقت رؤية المغفور له الشيخ راشد بن سعيد مع رؤية إخوانه حكام إمارات الخليج العربي أنه لا بد من قيام الاتحاد بين الإمارات التي تجمعها سمات مشتركة تمثلت في وحدة التاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد والملامح السياسية، فعمل ورفيق دربه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وإخوانهما حكام الإمارات على تأسيس الدولة، فكان الإعلان رسمياً عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر 1971 برئاسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ونائبه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.
وشارك الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة مع أخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مساهماً بشكل فعال في بناء الدولة وتدعيم الاتحاد ثم كان يداً بيد مع إخوته حكام الإمارات على دفع عجلة التقدم والتنمية وتحقيق الرخاء للمواطنين.
تعليمه
تعلم مبادئ اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم على يد المطاوعة، إلى أن التحق بالمدرسة الأحمدية في ديرة، التي أسسها الشيخ محمد بن أحمد بن دلموك تاجر اللؤلؤ المعروف، وكانت تحت الرعاية الشخصية للشيخ مانع بن راشد آل مكتوم الذي استقدم المدرسين من الزبير في العراق؛ لتحسين مستوى التعليم في مدرسته.
وعُرف عنه رحمه الله جدّه واجتهاده، وبعده عن اللهو وحبه للعلم والمعرفة، كما اشتهر منذ صغره بسمو الأخلاق وطيب النفس ولين المعشر، وقد رأى مدرسوه وصحبه في عينيه دوماً لهيباً من الحماس يكتنف مقلتيه، ويقوده نحو الأمام لتحقيق أحلامه، وقد كان حلمه الأكبر رسم اللون الأخضر على صفحات هذه الصحراء مترامية الأطراف، القاسية، وجلب الحياة السهلة الكريمة لأبنائه وإخوانه المواطنين.
ولما بلغ الشيخ راشد رحمه الله الثامنة عشرة من العمر دأب على حضور اجتماعات والده ومجالسه، وأخذ ينهل من خبرته الطويلة، ويقتات على سيرته العطرة بين حكام الساحل الخليجي، فقد اشتهر والده بعروبته الأصيلة، وحرصه على القضايا العربية العالقة، وكرهه للاستعمار وحلمه بالوحدة والأمن والاستقرار وخير المنطقة، فأحبه الجميع واحترموه.
وكان يرافق والده في رحلات الصيد بالصقور، مما وطد العلاقة بينهما وأغنى حواراتهما، وهذا أدى بدوره إلى تعزيز الأثر الكبير الذي تركه الشيخ سعيد في نفس ابنه الشاب، وقد أفادت هذه الرياضة الحاكم القادم وشدت من عزمه، فتعلم الاستيقاظ باكراً، وركوب المخاطر، والصبر والتحمل، والإحساس بقسوة العيش وحر الصحراء القاحلة.
قيادة مبكرة
وكشفت الأيام بعد ذلك عن الكثير من صفات الشيخ راشد رحمه الله، فظهرت لديه سمات القيادة وحسن تدبير الأمور، والقدرة على تولي زمامها، وقد كان عوناً لأبيه في شتى المجالات، وخصوصاً في الشؤون الاقتصادية؛ حيث ساهم في تحسين المعيشة، الأمر الذي أكسبه شعبية وحباً من المواطنين، وكان رحمه الله قد تولّى منصب ولي العهد في الإمارة من عام 1928، ومن المأثور عنه قوله: «ما هو مفيد للتجار، مفيـد لدبي».
وفي 10 سبتمبر عام 1958 أسلم المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم الروح إلى بارئها، وشاع الحزن في دبي، بل في الساحل كله حزناً على الفقيد الغالي، وقد ملك الحزن قلب الشيخ راشد على رحيل والده الذي ربطته به علاقة مميزة وكان قريباً منه دوماً، وانتقل الحكم بسلاسة إلى الحاكم الجديد ولي العهد الشيخ راشد رحمه الله في 4 أكتوبر من العام نفسه في حفل تنصيب رسمي، واستمر في نهجه الذي اتبعه منذ تعيينه ولياً للعهد في الإصلاح والتطوير وتحسين ظروف الحياة.
حجر الأساس
وكان الشيخ راشد بن سعيد يمثل حجر الأساس في بناء دبي، حيث يتذكر الذين عاصروه واحتكوا به الجهد والنشاط والعزيمة والإصرار التي امتاز بها، ونهجه في أن يجعل دبي رائدة في كل مجال عمراني وتنموي، والمكان الذي يحبه كل زائر وسائح وتاجر، وهذا ما نلمسه اليوم، حيث الجميع من مختلف العالم يقصدون دبي ويحبون زيارتها.
ويذكر الكثيرون أن مجلسه المسائي في جميرا كان يحتوي على حفل عشاء أكثر من مرة في الأسبوع، وكان المدعوون إليه، إلى جانب رواد المجلس، زواراً من الخليج ومن إيران والهند وباكستان، وكانوا تجاراً ورسميين وغير رسميين، وكان كل واحد منهم يعتقد أن الحفل أقيم من أجله وترحيباً به.
شكلت العفوية والبساطة أبرز سمات شخصية الشيخ راشد التي امتاز بها عن كثير من الزعماء الآخرين، وكان بسيطاً في مأكله وملبسه ومركبه وقيامه وقعوده.
وكان الأجانب يستغربون وجود قائد له سمعته واسمه بهذه البساطة والعفوية، علاوة على ذلك فإنه كان صاحب رؤية ثاقبة أسهمت في رسم ملامح إمارة دبي الحديثة وكانت اللبنة الأساسية في انتقال دبي إلى قلب المدن العالمية الأكثر تطوراً، إذ يذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله عن والده قوله: «إنني أبني ميناء راشد، لأنه يمكن أن يأتي يوم لا تقدرون على بنائه، لم يفكر أحد قبل والدي في تنفيذ مشروع كهذا، ولكن والدي فكر فيه ونفذه فكيف اهتدى إليه؟! هذا السؤال لا أعرف جواباً مختصراً له، لكن لو حصرت إجابتي بكلمة واحدة لقلت إنها الرؤية».
نهج متفرد
وكان الشيخ راشد خلال فترة حكمه يعمل وفق نهج دقيق ومنظم ومتفرد لمتابعة الأعمال والمشاريع ضمن جدول يومي، حيث كان يقوم بجولتين في مدينة دبي يومياً يتابع فيهما المشاريع. ولا يكتفي باستطلاع سريع بل كان يتابع أدق التفاصيل لأي مشروع قيد التنفيذ في دبي، وكان يتابع كل شيء بنفسه خطوة خطوة، وكانت هذه الجولات فرصة للالتقاء بعامة الناس عن قرب والاستماع إليهم وتلبية مطالبهم، وبعد عودته من جولاته اليومية كان يمضي كثيراً من الوقت في أعماله الرسمية من خلال مجلسه الذي يتيح الفرصة للناس للالتقاء به حيث يشاركهم قضاياهم ويصغي لمطالبهم ويعمل على تلبيتها.
وأولى الشيخ راشد، رحمه الله، مجلسه اهتماماً كبيراً، وحظي بإعجاب الجميع لما تحلى به من حلم وصبر إذ كان يصغي لكل رأي أو مظلمة، ضامناً للجميع أفضل الحلول للقضايا والمشكلات وموفراً المساعدة لكل فرد، وكان المجلس يضم أشخاصاً من جنسيات متعددة وفر لهم قاعدة للحوار البناء، ورجالاً يعتد برأيهم، وكانت تتم في المجلس دراسة المشاريع دراسة وافية والنظر إليها وإلى مراحل تطورها مما يؤدي إلى تفهمها التام من قبل أعضاء المجلس.
وواصل الشيخ راشد رحمه الله البناء بكل إرادة وعزم مؤمناً إيماناً مطلقاً بكل ما يفعل وبأن حلمه الذي رفده بكل ما يملك من عزيمة لم يكن ضرباً من المستحيل بل جعل المستحيل تحدياً يجب مواجهته والتغلب عليه.
استشراف المستقبل
وتميز الشيخ راشد باستشراف المستقبل والتخطيط له بأشكاله كافة في بناء نهضته الشاملة وسيرته الخيرة، سواء كان ذلك بالنسبة لرقي وتطوير إمارة دبي، أو في ما يتعلق بالمسيرة الاتحادية التي كان أحد أبرز أقطابها. واستخدم «رحمه الله» التخطيط طويل المدى وقصير المدى، فكان إذا ارتأى أن الحاجة تدعو إلى خطة قصيرة، شرع في تنفيذها، أما إذا أراد أن يضع خطة طويلة الأجل، فإن تخطيطه يكون مثاراً للإعجاب والدهشة، وكان الشيخ راشد يملك القدرة على اختيار الوقت المناسب لتنفيذ عمل ما، فلم ينفذ أية خطة من خطط التنمية بكافة أشكالها، إلا واختار لها الوقت المناسب،
الاتحاد
شارك المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة مع أخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه مساهماً بشكل فعال في بناء الدولة وتدعيم الاتحاد ثم عاملاً يداً بيد مع إخوته حكام الإمارات على دفع عجلة التقدم والتنمية وتحقيق الرخاء للمواطنين، تاركاً وراءه سجلاً من الأعمال والإنجازات التي حازت احترام العالم لقائد تفانى في خدمة وطنه وتحقيق حلم الاتحاد.
وبنى الشيخ راشد علاقات أخوية وثيقة مع حكام العرب والعالم في كافة الظروف والأزمنة، وكان اتحاد الإمارات لبنة من لبنات أفكاره العظام التي امتزجت بطموحات أخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله.
وكان لمشاركة الشيخ راشد بن سعيد في مجلس الإمارات المتصالحة دور في التمهيد للاتحاد، فقد كان على قناعة حقيقية بأن مستقبل إمارات الساحل المتصالحة سيكون أفضل إذا توحدت وأمسكت هي بزمام الأمور، وعمل مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على إقناع حكام الإمارات وقطر والبحرين من أجل إيجاد كيان وحدوي، فكان يعرض خطته على الحكام في اجتماعات ثنائية.
وتمكن الشيخ راشد بالتعاون مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد في 1965 من الدعوة إلى اجتماع لحكام الإمارات السبع في قصر الضيافة في دبي، وعمل مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، على إصدار وثيقة الوحدة والاتحاد بين دبي وأبوظبي في فبراير 1968.
وفي العاشر من يوليو 1971 وجه الشيخ راشد دعوة من أجل المضي قدماً على طريق الاتحاد، واستمر في الدفع نحو الاتحاد حتى أعلن عنه رسمياً في الثاني من ديسمبر 1971، حيث تولى منصب نائب رئيس الدولة، إضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء.
وتم تكليف المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بقرار من المجلس الأعلى للاتحاد، لتشكيل مجلس الوزراء الجديد في الثلاثين من إبريل 1979، وأعلن سموه عقب تشكيل الحكومة في الأول من يوليو 1979 الخطوط العريضة للسياسة التي تنتهجها الحكومة.
حرص الشيخ راشد على مصالح الإمارات وقضايا أمته العربية والإسلامية إيماناً منه بعدالة قضاياها، فقد عارض بقوة احتلال إيران لجزر الإمارات العربية المتحدة الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وقدم مذكرات عديدة للمسؤولين الإيرانيين وأصدر بيانات بانتظام بهدف إبقاء هذه القضية حية في أجهزة الإعلام والمحافل الدولية ولدى الجماهير.
وكان الشيخ راشد داعماً للعديد من المشروعات فقدم المساعدات المالية لبناء المستشفيات والمساكن في الضفة الغربية وقطاع غزة وإفريقيا وآسيا.
وأسهم الشيخ راشد بعد توليه منصب نائب رئيس الدولة ورئاسة مجلس الوزراء، في التطوير العمراني والنهضة الشاملة التي شهدتها الإمارات في بداياتها من بناء المرافق العامة والبنى التحتية، وحرص على تقوية العلاقات مع دول الخليج والدول الأخرى وبرزت اهتماماته في مناقشة قضايا أمته وشعبه العربي والإسلامي، وأبرزها قضية احتلال الجزر الثلاث «طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى»، والقضية الفلسطينية والحرب العراقية الإيرانية، ودعا إلى إنشاء مجلس يضم دول الخليج العربي.
وتميز المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بمواقفه الوطنية من القضايا العربية، ومن أقواله في ذلك: «سنستمر في تقديم المساعدات للفلسطينيين، وذلك لأننا نؤمن بأن قضيتهم عادلة، وهذا من واجبنا»، و«قررنا وقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية، وسنقوم بنفس الإجراء ضد أي دولة تتخذ نفس الموقف الأميركي إزاء قضيتنا العادلة».
ومن أقواله أيضاً: «نتابع باهتمام كبير أنباء القتال الذي يخوضه إخوان لنا على الجبهتين المصرية والسورية في سبيل تحرير أرضنا المحتلة وكرامة أمتنا وعزتها، ودولة الإمارات تضع كل طاقاتها وكافة مواردها في خدمة هذه المعركة».
مطار دبي
بعد أن تولى الشيخ راشد بن سعيد رحمه الله، مقاليد الحكم في دبي أخذ على عاتقه ضرورة توفير الخدمات الأساسية لسكان دبي فأعلن عن رغبته في بناء مطار دبي، وتم الاختيار ما بين جبل علي والقصيص، فوقع الاختيار على القصيص لقربها من دبي، وافتتحه في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول، 1960 فأدت سياسة السماء المفتوحة إلى جعل دبي مركزاً إقليمياً لحركة الطيران، كما تم إنشاء ميناء جبل في 1979، كما أطلق الشيخ راشد الأعمال الإنشائية لميناء جبل علي في عام 1976.
وفي نهاية 1960 تم إنجاز مشروع خور دبي، وبدأت بعد ذلك خطوط الملاحة تتوافد إلى دبي. وتم إنشاء شركة الكهرباء العامة بدبي في 1959 وحصلت دبي على أول إمداد كهربائي في عام 1961 وفي عام 1960 أمر الشيخ راشد بإنشاء شركة التليفون والبرق واللاسلكي جنباً إلى جنب مع شركة كهرباء دبي، وكان يمارس إشرافاً دقيقاً على شركة التليفون باعتباره رئيساً لمجلس إدارتها.
واهتم رحمه الله بتوفير مناخ ملائم للتجارة بهدف جلب التجارة والشركات العالمية لدبي، وبذل جهوده في افتتاح بنك (إمبريال بنك أوف إيران) الذي عرف بعد ذلك باسم «البنك البريطاني للشرق الأوسط» في عام 1954 واشترط في اتفاقية الإنشاء أن يتم تشغيل موظفين من أبناء دبي، وبعدها عرفت دبي الازدهار الاقتصادي.
وأصدر الشيخ راشد في 1963 مرسوماً بتأسيس أول بنك وطني، هو بنك دبي الوطني المحدود، برأس مال قدره مليون جنيه استرليني بعد أن كانت التعاملات المالية والمصرفية حكراً على المصارف الأجنبية، فقد كانت دبي قبل مجيء المصارف الأجنبية إليها تفتقر إلى وجود مؤسسة مالية من هذا القبيل، وكان التجار يحتفظون بأموالهم في صناديق حديدية. وعمل الشيخ راشد على حل مشكلة الإسكان التي كانت تتصدر أولوياته، فقام بإنشاء دائرة الأراضي والأملاك في 1960 وأسند رئاستها لأكبر أنجاله وهو المغفور له بإذن الله الشيخ مكتوم بن راشد، وبات الإسكان ضمن المشاريع العديدة التي بدأ العمل بها في دبي.
رحيل
رحل الشيخ راشد بن سعيد في الثامن عشر من ربيع الأول عام 1411 الموافق السابع من أكتوبر 1990 بعد حياة حافلة جعلت من دبي مدينة عالمية يشهد لها الجميع.
ووصفه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقال في عزائه: كان رجلاً باراً من رجالات هذا الوطن، وفارساً مغواراً من فرسانه، ورائداً من رواد وحدته وبناة حضارته، وإذا كان قد انتقل إلى مثواه الأخير فإن ذلك لا يعني أن يغادر ذاكرتنا أو حياتنا، بل سيبقى - رحمه الله - خالداً في القلوب وفي المقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال، بالأمس كان المغفور له أباً للشيخ مكتوم وإخوانه، واليوم أنا أبوهم وعوضهم فيه وهم عوضي أنا في أبيهم، كما أنهم عوض شعب دولة الإمارات العربية المتحدة بما عرفته وعرفه هذا الشعب منهم من حب وحرص وتفانٍ في خدمة هذا الوطن.
مدرسة
قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في تقديم سموه لكتاب: «مشاهد من فكر وحياة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم»، لمؤلفه المستشار إبراهيم بوملحه: لقد كان الشيخ راشد مجموعة رجال في رجل واحد يملك إرادة وعزيمة وفكراً، ورؤية وطموحاً، ولقد تعلمت شخصياً منه، ومن خلال مجلسه وتوجيهاته ما لم يكن ليحصل شيء من ذلك لولا قربي منه وحرصه على أن يزرع بين جنبي تلك الميزات والصفات التي كان عليها رحمه الله، إن دبي لتدين بما تحقق فيها من إنجازات للشيخ راشد بما لم يكن لحاكم قبله أن يقوم بما قام به من الإنجازات والنجاحات في مجال البناء والتنمية في المجتمع، ولك أن تعدد ما تحقق من هذه المشاريع العملاقة، لتكتشف أنها من فكر وصنع وقرار الشيخ راشد وحده.