أحياناً يصفونني بصياد الجوائز، وأنا أقول: «إن المعرفة هي الجائزة الكبرى، وهي بوسعها أن تأتي على الإنسان بفوائد معنوية وعينية أيضاً». أنا خطاط منذ أن كنت في السابعة من عمري، وحينما كانت أصابع أقراني تتشبث بالكرة أو الألعاب كانت أصابعي تتحرك بمهارة تارةً بخط النسخ وتارةً بخط الرقعة. كل ما أحتاج إليه هو ورقة وقلم. فقط كي أحلق إلى عوالم الفن والخيال والانسيابية.

لغتنا رائعة وخطنا غني ومنوع وإبداعي، إنه ليس مجرد حروف تتشكل، إنه حياة بوسعك أن تطلق روحك مع الحروف وأن ترسمها وتنحتها وتوشمها وتكشف أسرارها حين تتأتى لك القدرة في النهل من أعماقها. الحروف هي تلك الإشارات التي تلوح لك في السراب وتتخطف لتلهمك أفكاراً وأبعاداً ورؤى ليس لأي كان أن يتصل بها إذا لم يكن لديه قرب وشغف باللغة العربية وخطوطها.

كان عندي هذا الشغف ولا يزال، أكثر من 60 سنة من حياتي قضيتها بالمشي على دروب المعرفة. كأنني أتبع ضوءاً لا ينطفئ. منذ أن كنت في العشرينات مدرساً للغة الإنجليزية في مدرسة الأحمدية، مروراً بعشرات المسابقات الثقافية التي لم أدخل إحداها إلا وخرجت بفوز، وصولاً إلى اليوم: رجل في السبعين من العمر لم يتوقف عن تدريب ذهنه كل يوم، ولم يتوقف عن البحث عن أي ورقة وقلم في أي يوم.

لا تزال صورتي شاباً أستمع إلى المذياع وموجة «راديو الكويت» راسخة في بالي. كان يوماً خاصاً جداً من أيام العام 1979. كان بداية رحلة المسابقات والعالم الخاص بالجوائز والفوز والرضى والتحدي والرغبة بتحصيل المزيد، والمحافظة على الذي تحقق، أذكر جيداً ذلك اليوم إذ كان علي أن أرسل مكتوباً بالبريد إلى عنوان الإذاعة، متضمناً إجابة عن سؤال يتعلق بالممثل صقر الرشود.

وفي مركز البريد في دبي، في اللحظة التي كنت أغلق فيها المظروف، أغمضت عيني وتمنيت من كل قلبي أن أحصل على الجائزة، وقلت مهما تكن الجائزة سوف أقوم بتخطيط اسمها على ورقة وأحتفظ بها ذكرى لا تزول. بعد أيام سمعت اسمي من الراديو وأرسلوا لي الهدية. كان شيئاً أردته بقوة، وكان ثميناً وله قيمة وليس أي كان بوسعه الحصول عليه في ذلك الزمن: آلة حاسبة!

من قال إن حب الأدب والشعر لا يجتمعان مع حب الرياضيات والفيزياء؟ من قال إن الفن والعلم على نقيض؟ تحتاج إلى العلم لكي تقدّر الفن وتقيم تأثيره وتوثقه. وتحتاج إلى الفن لكي ترتقي بالنفس وتنقي مساربها وتصفي العقل لكي تتمكن من فهم العلم ونشره. الفن والعلم كانا المكونين اللذين شكلاني.

وكنت أتعامل مع معادلات «الجيب» و«تمام الجيب» بالشغف ذاته الذي أتعامل به مع النسخ والرقعة. وكنت بلا شك أحد أفضل الخطوط التي تكتب معادلات رياضية. بوسعي أن أجعل المعادلات أشكالاً فنية أنيقة وليس مجرد رموز وخطوط. المهم أن تفعل ما تريد بشغف واحترام لقيمة المعرفة.. إذا فعلت ذلك ستترك من دون شك.. خطاً جميلاً من بعدك!



علمتني الحياة

الثقة بالله والإيمان بما لديك يفتحان أمامك أبواباً مغلقة

الإنسان المثقف ليس مضجراً.. على العكس مليء بالحكايات

أصابعنا تحتاج دوماً إلى تدريب لتنتج خطوطاً جميلة

الذهن مثل العضلات يتطلب تمرينات ليبقى حاضراً

الناس معادن مثل الخطوط مختلفة: ملكي وللعوام

يأتي في حلمي

اسمي مخطط على لافتة المدرسة: تعلموا مع الأستاذ زكريا

ريشتي أغمسها بالمداوة وأخطط الأسماء على القمصان

مجموعتي الثمينة التي أقتنيها للخطاط هاشم البغدادي

أراقب ضحكات الناس وأقارن شكلها بأشكال الخطوط

أربح جائزة خيالية وأكرّم على كل الجوائز التي حصلتها