يأتي إطلاق دولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030 أمس، والتي تشمل 79 مشروعاً في قطاعات علوم وأبحاث الفضاء، والتصنيع، والتجميع، والاختبارات، والخدمات الفضائية التجارية، ترجمة للرؤية الواضحة للدولة وطموحاتها، فيما يخص تعزيز مكانتها اللائقة بين الدول المتقدمة في مجال علوم الفضاء بفضل مجهوداتها المستمرة ومشاريعها المتنوعة في قطاع الفضاء.
استراتيجية جديدة
وجاءت هذه الاستراتيجية الجديدة لتصيغ وتكمل الخطوات والمشروعات الفضائية المختلفة التي أطلقتها الإمارات خلال السنوات الماضية، والتي تستشرف المستقبل العلمي للدولة، ومن ضمنها مشروع «مسبار الأمل» لاستكشاف المريخ، والأقمار الصناعية «خليفة سات» و«دبي سات 1 و2»، ومشروع مدينة المريخ العلمية، وبرنامج الإمارات لرواد الفضاء الذي اختار رائدي فضاء إماراتيين مؤخراً، فضلاً عن وجود مشروع لقانون بشأن الفضاء.
وتتكامل مجهودات مركز «محمد بن راشد للفضاء»، و«وكالة الإمارات للفضاء»، الذراعين التنفيذيتين لقطاع الفضاء في الإمارات، لتعزيز بصمة الدولة في هذا القطاع عالمياً، خاصة أن الاستثمارات في هذا القطاع وصلت 20 مليار درهم خلال الـ 10 سنوات الماضية، مما يؤكد الإرادة الموجودة، التي تدعمها رؤية القيادة ومجهودات وخطوات الحكومة الإماراتية.
وأصبح مركز محمد بن راشد للفضاء، وبفضل خططه ومشروعاته المتنوعة، منصة لدعم الابتكارات العلمية والتقدم التقني، ودفع عجلة التنمية المستدامة في هذا القطاع، خاصة أنه يضم كوادر إماراتية عالية الكفاءة ذات مستوى علمي رفيع، من مهندسين، وفنيين، وخبراء، يعملون داخل منظومة احترافية، ومن بينها إطلاق القمر الصناعي «خليفة سات» مؤخراً .
والذي يعتبر أول قمر صناعي صنع في الدولة بالكامل وعلى أيدي مهندسين إماراتيين 100%، ويعد أيقونة هندسية فائقة التطور، خاصة أنه يمتلك 5 براءات اختراع، كما توجد لدى المركز كذلك أقمار صناعية أخرى مثل دبي سات 1 و2، ونايف1.من جهة أخرى يسير مشروع «مسبار الأمل» وفق خطته الزمنية للإطلاق نحو الكوكب الأحمر، ليكون أول مسبار عربي وإسلامي يرسل إلى المريخ، كما أنه يضع الإمارات كواحدة من بين 9 دول فقط تطمح لاستكشاف هذا الكوكب.
وسينطلق المسبار في مهمته عام 2020، ومن المخطط أن يصل إلى المريخ بحلول عام 2021، تزامناً مع ذكرى مرور خمسين عاماً على قيام اتحاد الإمارات، ويجري التخطيط والإدارة والتنفيذ لمشروع المسبار على يد فريق إماراتي، فيما تشرف وكالة الإمارات للفضاء على المشروع وتموله بالكامل، ويقوم بتطويره مركز محمد بن راشد للفضاء بالتعاون مع شركاء دوليين.
وتستمر مهمة المسبار حتى العام 2023 مع إمكانية تمديدها حتى العام 2025، وسيوفر المشروع أكثر من 1000 جيجابايت من البيانات الجديدة عن كوكب المريخ حيث سيقوم فريق من الباحثين والعلماء الإماراتيين بدراستها ونشرها لأكثر من 200 مركز بحثي حول العالم ليستفيد منها آلاف العلماء المتخصصين في علوم الفضاء، ويبلغ عدد فريق عمل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ 75 حالياً ليصل لـ150 مهندساً وباحثاً قبل العام 2020.
مهمة
ويكشف المسبار خلال مهمته عن العديد من الجوانب العلمية والمعرفية، حيث سيعمل المشروع على رسم صورة واضحة وشاملة عن مناخ المريخ وأسباب تآكل غلافه الجوي وهروب المياه من على سطحه، وبالتالي اختفاء فرص الحياة عليه.
كما سيوفر متابعة يومية لحالة الطقس على الكوكب الأحمر وتفاعل التغيرات في أجوائه من عواصف ودرجات حرارة مع قممه البركانية الشاهقة ووديانه العميقة وصفائحه الجليدية وصحرائه الواسعة، مما يوفر لأول مرة للعلماء رسم نموذج متكامل للتغيرات الجوية اليومية والموسمية على سطح الكوكب، وسيجيب المشروع عن أسئلة جديدة حول الكوكب الأحمر التي لم يستطع العلماء الإجابة عنها سابقاً بسبب قلة البيانات والمعلومات.
كما يعتبر «مشروع المريخ 2117» الذي يستهدف بناء أول مستوطنة بشرية على سطح الكوكب الأحمر بحلول عام 2117، و«مبنى مدينة المريخ العلمية» الجاري العمل عليها حالياً، خطوة مهمة من شأنها توفير سبق معرفي ضخم، خاصة أن عدد المراكز البحثية التي ستستفيد مما ستوفره المدينة من فرص لاكتشاف الفضاء سيبلغ 200 مركز بحثي في مختلف أنحاء العالم، وأنه بإنجاز المشروع سيكون المبنى الأكثر تطوراً في العالم، وبالإمكان تنفيذه بشكل كامل على كوكب المريخ، وقد عملت على المشروع فرق عدة من علماء ومهندسين ومصممين، يقودهم فريق علمي هندسي إماراتي من المركز.
ويشمل «البرنامج الوطني للفضاء»، مشاريع كبرى وطموحة من بينها برنامج الإمارات لرواد الفضاء، الذي أعلن قبل وقت قريب، عن اختيار هزاع المنصوري وسلطان النيادي ليكونا أول رائدي فضاء إماراتيين، وهو برنامج يرسم مساراً واعداً للتنمية البشرية، والإعداد العلمي لفريق من الإماراتيين الذين سيتم تدريبهم وإعدادهم للسفر إلى الفضاء، ويحمل البرنامج العديد من الأهداف، تشمل تأهيل الدفعة الأولى من رواد الفضاء الإماراتيين للسفر إلى الفضاء بعد مسارات تدريبية مكثفة، وإرسالهم إلى الفضاء للقيام بتجارب علمية تعود بالنفع على البشرية، فضلاً عن تشجيع ثقافة الاستكشاف وتحفيز وإلهام الأجيال الشابة، وترسيخ مكانة الدولة كشريك عالمي في رحلات الفضاء المأهولة، ودعم رؤية الإمارات لبناء مستقبل يعتمد اقتصاد المعرفة.
وكالة الإمارات
من ناحيتها دشنت وكالة الإمارات للفضاء، السياسة الوطنية لقطاع الفضاء في الدولة، التي أصبحت خطوة فارقة نحو تحقيق رؤية الدولة وطموحاتها عبر تنمية وتطوير قدراتنا، وبناء قطاع فضائي إمارتي قوي ومستدام، يدعم ويحمي المصالح الوطنية والقطاعات الحيوية، ويساهم في تنويع الاقتصاد ونموه، ويعزز الكفاءات الإماراتية المتخصصة، ويطور القدرات العلمية والتقنية العالية، ويؤصل ثقافة الابتكار والاعتزاز القومي، ويرسخ دور دولة الإمارات ومكانتها إقليمياً وعالمياً.
وتتماشى السياسة الوطنية لقطاع الفضاء مع رؤى وسياسات الدولة وخططها الاستراتيجية للقطاعات المختلفة، بما يدعم النمو والتنوع الاقتصادي والمصالح الوطنية، حيث تضع السياسة، اللبنة الأولى التي سيبنى عليها الإطار التنظيمي لقطاع الفضاء الوطني، بما يضمن تحقيقه للأهداف الموضوعة على المديين القصير والبعيد وتعزيز ريادة الدولة إقليمياً وعالمياً في مجال الاستخدام السلمي للفضاء وتطوير القدرات الفضائية.
وتدعم السياسة الوطنية لقطاع الفضاء جهود البحث العلمي والابتكارات والتقنيات الفضائية والأبحاث ذات الصلة، ودعم المشاريع الفضائية وعلى رأسها مشروع مسبار الأمل لاستكشاف كوكب المريخ، فيما تكمن أهمية السياسة، في ضمان تقديمها مساهمة رئيسية لما تشهده الإمارات من نهضة علمية وتقنية في مختلف المجالات والصناعات، خاصة أن الفضاء يعد من بين القطاعات الوطنية الرئيسية السبع ضمن الاستراتيجية الوطنية للابتكار.
رؤية وطنية
وتشمل السياسة الوطنية المبادئ الرئيسية التي توضح كيفية مساهمة قطاع الفضاء في تحقيق الرؤية الوطنية وأولوياتها وأهدافها التي تنسجم مع رؤية وسياسات الإمارات وخططها الاستراتيجية في القطاعات المختلفة.
إضافة إلى الأهداف والطموحات التي تصف غايات الدولة، فيما يتعلق بأنشطتها الفضائية، إلى جانب الممكنات الأساسية التي تحدد القدرات وعوامل التمكين اللازمة لدعم تحقيق أهداف السياسة الوطنية، كما تنص السياسة على مجموعة من التوجيهات والإرشادات للجهات المعنية حول الأنشطة اللازمة لدعم وتطوير القطاع الفضائي للدولة، فضلاً عن العوامل الواجب مراعاتها وتطبيقها لضمان نجاح السياسة.
وتتضمن السياسة الوطنية 6 أقسام، تبدأ بمقدمة تلخص أبرز التطورات التي شهدها قطاع الفضاء في الدولة والعالم، ونقطة التحول الكبيرة في تعزيز القطاع الفضائي الوطني المتمثلة بتأسيس وكالة الإمارات للفضاء كأول وكالة فضاء عربية في المنطقة في العام 2014 بالتزامن مع إعلان قيادة الإمارات عزمها إطلاق أول مسبار إماراتي عربي وإسلامي إلى المريخ عام 2020.