جاء اختيار مجلس وزراء الإعلام العرب أمس دبي عاصمةً للإعلام العربي لعام 2020 في ختام اجتماعات دورته الخمسين في مقر الجامعة العربية بالقاهرة ليتوّج مسيرة حافلة خاضتها الإمارة على مدار نحو عقدين من الزمان بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.

وفي إطار رؤية سموه لمستقبل الإعلام ليس فقط في حدود دولة الإمارات ولكن على المستوى العربي الأشمل لتثمر تلك الرؤية تقديراً عربياً مستحقاً وإشادة إقليمية تشهد بالريادة الإماراتية في القطاع الإعلامي أسوة ببقية القطاعات التي تسعى الدولة لتبوء الرقم واحد فيها.

جدارة دبي

ويأتي هذا الاختيار ليؤكد مجدداً جدارة دبي بمواصلة الدور الذي قررته لنفسها للاضطلاع بدور رئيس في قيادة جهود التطوير الإعلامي في المنطقة، حيث ترجمت هذا القرار إلى إنجازات كان لها أثرها الواضح في تشكيل ملامح خارطة الإعلام في المنطقة برؤية واضحة لمتطلبات التطوير، وتوظيف واعٍ للإمكانات والقدرات التي واصلت دبي بناءها على مدار سنوات برؤية قائد نهضتها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

حيث وجّه سموه بإطلاق المبادرات والمشاريع التي أراد لها أن تكون محركات دفع لها من الحضور والتأثير ما يؤهلها للقيام بدور ملموس في دفع مسيرة التطوير الإعلامي في المنطقة قدماً، والنهوض بقدرات هذه الصناعة بكافة قطاعاتها واستعادة المكانة الرائدة للإعلام العربي كمحور رئيس من محاور التنمية الشاملة في المنطقة.

البدايات

وكان تأسيس «نادي دبي للصحافة» في عام 1999، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إشارة البدء لانطلاق المرحلة الجديدة التي خاضتها دبي في رحلتها الحافلة مع الإعلام، حيث أراد سموه من وراء إطلاق النادي استحداث منصة تسهم في تعزيز الحوار البناء بين العاملين في مختلف القطاعات الإعلامية ليس فقط على مستوى دولة الإمارات ولكن على الصعيد العربي الأشمل، وعهد سموه لكوادر وطنية شابة بمهمة تأسيس هذا النادي الذي تحول خلال سنوات وجيزة إلى قوة دافعة للتطوير الإعلامي في المنطقة.

وما لبث النادي أن شرع على الفور في وضع رؤية صاحب فكرة تأسيسه موضع التنفيذ العملي بإطلاق مبادرتين احتفظتا إلى اليوم بمكانتهما كأهم المبادرات التي عرفها عالم الإعلام العربي على مدار عقود وهما «منتدى الإعلام العربي» و«جائزة الصحافة العربية».

حيث باشر المنتدى على مدار سنوات عمره التي قاربت العشرين رسالته الرئيسة كمنصة رئيسة لنقاشات مهنية شارك فيها خلال دوراته المتعاقبة نخبة رموز العمل الإعلامي العربي وأهم الكُتاب والمفكرين في المنطقة، وكذلك لفيف من صنّاع القرار في المجال الإعلامي وكبار مسؤولي المؤسسات الإعلامية سواء العربية أو العالمية.

وكان للجائزة وقعها المؤثر في إيجاد الحافز على التميز في عالم الصحافة العربية، وتميزت كأهم محفل يحتفي بالإبداع والفكر الخلاق في هذا المجال على مدار سنوات كرمت خلالها عشرات الكُتَّاب والصحفيين والمصورين ومبدعي فن الكاريكاتير وكُتاب الأعمدة والشخصيات الإعلامية البارزة في مختلف ربوع عالمنا العربي، في الوقت الذي حظيت فيه الجائزة بإقبال آخذ في التزايد على مر سنواتها المتعاقبة ليصل عدد الأعمال المتنافسة على جوائزها في دورتها السابقة إلى أكثر من 5000 عمل صحفي عربي في مختلف فئاتها من شتى أنحاء المنطقة والعالم.

جسور الحوار

ولم يقتصر إسهام منتدى الإعلام العربي على إقامة جسور الحوار حول أهم القضايا والموضوعات المتعلقة بالإعلام في منطقتنا واستعراض أهم التحديات التي تواجهه وسبل التغلب عليها لإطلاق طاقاته كاملة بما يخدم المجتمعات العربية ويعينها على تحقيق تطلعاتها لمستقبل أفضل يسهم فيه الإعلام في تأسيس للرخاء والازدهار.

بل أردف هذا الحوار بجهد بحثي علمي موثق بالتعاون مع مجموعة من أهم المراكز البحثية والأكاديمية في تقديم تقرير «نظرة على الإعلام العربي» الذي تحول عبر إصداراته المتتابعة إلى مرجع مهني مشمول بالحقائق والأرقام تم من خلالها رصد أهم تفاصيل الواقع الإعلامي في المنطقة العربية، وأبرز المؤثرات في مسيرته وأفضل سيناريوهات الاستعداد لمستقبله.

وباشر نادي دبي للصحافة تحقيق أهداف الرؤية التي تأسس في إطارها ووسع من نشاطه وأطلق المزيد من المبادرات التي هدف من خلالها إلى إحداث نقلة نوعية في مستوى النقاش حول أهم الموضوعات المتعلقة بتطوير القدرات الإعلامية ليس فقط عربياً .

ولكن أيضا محلياً، فأطلق «منتدى الإعلام الإماراتي»، الذي انعقدت أولى دوراته في عام 2013 ساهم في توسيع دائرة الحوار البنّاء حول مستقبل العمل الإعلامي المحلي ومتطلبات تعزيز تنافسيته على المستويين الإقليمي والعالمي، وضم المنتدى ضمن دوراته المختلفة أهم القائمين على تطوير العمل الإعلامي في الدولة ورموز الفكر والثقافة الإماراتية، وقدم العديد من الأفكار والمقترحات التي ساهمت في دفع مسيرة التطوير الإعلامي المحلي قدماً.

حضور لافت

وكانت دبي حاضرة دائماً في قلب التطورات التي شهدتها صناعة الإعلام لاسيما في السنوات الأخيرة في ضوء الطفرة الهائلة في مجال الاتصال وتبادل المعلومات، وما أسفره التطور التكنولوجي من منصّات جديدة ساهمت في بناء نمط إعلامي جديد بات يُعرف بالإعلام الاجتماعي.

وكان لنادي دبي للصحافة إسهامه في هذه المواكبة بإطلاق مجموعة من المبادرات التي استهدف بها اكتشاف أفضل السبل التي يمكن تطويع هذا النمط الإعلامي الجديد في خدمة الأهداف التنموية للمنطقة العربية. وبرعاية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أطلق النادي «قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب» في عام 2015.

وكانت الحدث الأول والأكبر من نوعه في المنطقة للمؤثرين العرب على وسائل التواصل الاجتماعي، واستهدفت القمة طرح الأفكار المبتكرة الهادفة إلى توظيف منصات التواصل الاجتماعي والشعبية الكبيرة للمؤثرين في خدمة المجتمعات العربية.. وقدمت القمة أيضاً «جائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب» لتكريم المبدعين العرب في مختلف المجالات التي تضيف قيمة حقيقية للمجتمع العربي، وتحمل رسالة هادفة وذات معنى وقيمة لجمهورها.

وخلال الدورة الثانية من القمة، تم الإعلان عن تأسيس «نادي رواد التواصل الاجتماعي العربي»، ليكون منصة جديدة يمكن من خلالها تعظيم دور وإسهام هؤلاء الرواد، وتعظيم مشاركتهم في النهوض بالمجتمعات العربية، وتعزيز فرص التطوير والتنمية فيها وتحفيز الطاقات المبدعة والخلاقة بين أبنائها وعلى مختلف الصعد، في ضوء ما يملكه هؤلاء الرواد من تأثير عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي يقدر عدد متابعيهم من خلال حساباتهم عليها بالملايين في مختلف أنحاء المنطقة العربية والعالم.

مدن إعلامية

وأحدثت دبي نقلة نوعية مهمة بتأسيس منطقة حرة مخصصة للأنشطة الإعلامية تحولت خلال سنوات قليلة إلى أكبر تجمع إعلامي عالمي في المنطقة وهي «مدينة دبي للإعلام» التي انطلقت عام 2001 وأخذت في النمو بخطوات بالغة السرعة وتطور معها مجتمعها الإعلامي الضخم الذي يضم أكبر وأهم الأسماء في عالم الإعلام، من خلال المقار الإقليمية لوكالات الأنباء العالمية وشبكات التلفزيون والفضائيات والشبكات الإذاعية وشركات الدعاية والإعلان، وغيرها من القطاعات المُكملة.

وكانت مجموعة «قنوات إم بي سي» من باكورة المؤسسات الإعلامية التي قررت نقل نشاطها بالكامل من مقرّها في لندن إلى مدينة دبي للإعلام مع بداياتها الأولى وكان إطلاق الرؤية الجديدة للعمل الإعلامي في دبي أثره في استقطاب أكبر الأسماء العالمية مثل شبكة «سي إن إن» التي اختارت دبي لإطلاق موقعها «سي إن إن بالعربية» على شبكة الإنترنت من مكاتبها في مدينة دبي للإعلام التي ما لبثت أن توسّعت أعمالها فيها بافتتاح أستوديو للأخبار في عام 2016 تزامناً مع الذكرى الرابعة عشرة لإطلاق موقعها العربي.

ومن بين الأسماء الكبرى الأخرى العاملة في المدينة «طومسون رويترز» العالمية، و«وكالة الصحافة الفرنسية»، ووكالة «أسوشيتد برس»، وشركة بلومبرغ العالمية لمعلومات المال والأعمال والأخبار، وهيئة الإذاعة البريطانية BBC، وغيرها المئات من شبكات البث الفضائي والإذاعي، والخدمات الإعلامية المتنوعة.

توسيع الدائرة

ولم تكتفِ دبي في رحلتها مع التطوير الإعلامي بتلك الإنجازات، بل حرصت على مواصلتها وتوسيع دائرتها. ومع النمو الكبير على الطلب الذي شهدته مدينة دبي للإعلام وانتشار شهرتها كأهم مركز إعلامي متخصص في العالم العربي والمنطقة الحرة التي تتيح خدمات نوعية هي الأفضل من نوعها وفق أرقى المعايير العالمية، إذ سارعت دبي لإطلاق منصّة إبداعية جديدة ومنطقة حرة تدعم الحراك الإعلامي القوي والإقبال المتنامي الذي شهدته الإمارة من قبل مؤسسات الإنتاج الإعلامي وهي «مدينة دبي للإنتاج» التي انطلقت في عام 2003 كمنطقة حرة مخصصة لأنشطة الإنتاج الإعلامي.

وتم تخصيصها لتلبية كافة احتياجات مجتمع الطباعة والنشر والتغليف وتقديم العناصر التي تعين الشركات العاملة في تلك القطاعات على التميز في إطار تنظيمي يضمن أعلى مستويات الكفاءة التشغيلية وتعزيز فرص النجاح.

وكان تأسيس «مدينة دبي للأستوديوهات» في عام 2005 بمثابة نقطة تحول جديدة أسست لمرحلة مهمة في رحلة دبي مع العمل الإعلامي العالمي، حيث ساهم إطلاق هذه المدينة في ترسيخ مكانة دبي ليس فقط كمركز إعلامي من الطراز الأول في المنطقة ولكن أيضاً كمركز جديد للإنتاج السينمائي استقطب انتباه صنّاع السينما في العالم لما تتمتع به الإمارة من مقومات طبيعية ولوجستية أهّلتها أن تكون الموقع الجديد لتصوير أعمالهم السينمائية.

كما ساهمت المدينة في تلبية الطلب الآخذ في النمو من قطاعات عدة مثل البث الفضائي والإنتاج التلفزيوني والموسيقي وغيرها من الأنشطة الإعلامية الإبداعية، ومن أبرزها مؤسسة دبي للإعلام، ويوتيوب سبيس، وشركة «فيلم وركس»، و«شبكة قنوات ديسكفري».

وقد ساهمت مدينة دبي للأستوديوهات في إعطاء زخم جديد لدبي كموقع للإنتاج السينمائي بما تتمتع به من مقومات عديدة جذبت إليها أنظار كبرى شركات الإنتاج العالمية التي وجدت في دبي مبتغاها من إمكانات لوجستية نادراً ما تتوافر في أي موقع تصوير آخر حول العالم، ومواقع متميزة للتصوير وفريدة من نوعها مثل «برج خليفة» أطول بناء في العالم، والذي كان من أهم العوامل التي فتحت شهية منتجي أحد أهم الأفلام العالمية وهو فيلم «المهمة المستحيلة.. بروتوكول الشبح» على اختيار دبي لتصوير جانب كبير من مشاهد الفيلم الذي قام بدور البطولة فيه النجم العالمي توم كروز مع كوكبة من نجوم هوليوود.

استقطاب سينمائي

وتعززت قدرات دبي في مجال استقطاب الأعمال السينمائية العالمية بتأسيس لجنة دبي للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، حيث باشرت دوراً كبيراً في الترويج لإمارة دبي كمركز للإنتاج السينمائي واستقطبت اهتماماً متنامياً من قبل منتجي السينما العالمية وكذلك منتجي الأعمال الدرامية والأعمال التلفزيونية، الساعية للاستفادة من الإمكانات المتطورة لمدينة دبي للأستوديوهات الممتدة على مساحة 22 مليون قدم مربعة، وتضم أستوديوهين مزوّدين بأهم التقنيات المستخدمة في السينما والتلفزيون وأكثرها تطوراً، كما توفّر مناطق للتصوير الخارجي بمساحة تقدر بثلاثة ملايين قدم مربعة، فضلاً عن مكاتب تجارية ومراكز عمل وأماكن ترفيهية مؤسِّسة بذلك مجتمعاً متكاملاً لخدمة عمليات الإنتاج.

وتشكّل المدن الثلاث «دبي للإعلام» و«دبي للأستوديوهات» و«دبي للإنتاج» مجتمعاً هو الأكبر من نوعه على مستوى منطقة الشرق الأوسط ويحفل بكل مقومات التميز في المجالات الإعلامية المختلفة لأكثر من 4000 شركة إعلامية متخصصة و33 ألف مهني متخصص يعملون في المؤسسات القائمة في المدن الثلاث.

وتتواصل مسيرة دبي وإسهاماتها في مضمار التطوير الإعلامي على المستوى العربي في إطار سعيها المستمر إلى إحداث فارق إيجابي في المنطقة؛ سعياً إلى تعميم الفائدة وهو النهج الذي طالما اتسمت به دبي والسمة التي تميز دولة الإمارات نحو مزيد من فرص التميز ومنح الشعوب العربية الفرص التي تمكّنها من ترسيخ أسس مرحلة جديدة يؤكد فيها العرب ريادتهم ويستعيدوا معها أمجادهم في شتى مجالات العطاء.