يتمتع قطاع الطيران في الإمارات بمكانة كبيرة في الاقتصاد الوطني، حيث يعد مساهماً رئيسياً في الناتج المحلي بنحو 15%، ويوظف أكثر من 500 ألف موظف، كما أنه وضع الدولة في مكانة عالمية، حيث تمتلك الإمارات ناقلات لها سمعتها ومساهماتها في قطاع النقل الجوي العالمي.
ولكن على الرغم من ذلك، تبقى معدلات التوطين في القطاع أقل كثيراً من الطموحات المطلوبة، وظلت الاستعانة بالخبرات الأجنبية هي النهج على مدار سنوات هي عمر الناقلات الوطنية، لأسباب عديدة قد يكون بعضها مقبولاً في الماضي عندما كان القطاع يخطو خطواته الأولى في عالم الطيران، لكن هذا الأمر لم يعد مقبولاً الآن على الإطلاق، خاصة وأن الدولة تتبنى برامج ومبادرات واستراتيجيات تهدف جميعها إلى الرفع من مهارات المواطنين وتأهيلهم ليتصدروا المشهد في قطاع الطيران، ليبقى القطاع رغم ما يتمتع به من مكانة عالية، دون الطموح إلى حد كبير في توطين أبنائه.
يرى خبراء في قطاع الطيران أن السبب الرئيسي في تدني مستوى التوطين في القطاع يرجع بالدرجة الأولى إلى عدم معرفة العديد من الشباب المواطن بحجم ونوعية الفرص الذي يوفرها قطاع الطيران، في حين أن السبب الثاني يرجع إلى أن حجم القطاع ضخم، ويصل عدد العاملين فيه بشكل مباشر وغير مباشر إلى نحو 500 ألف موظف، في حين أن عدد المواطنين المؤهلين للعمل في العديد من تخصصات الطيران لا يزال قليلاً مقارنة بحجم الفرص الضخم الذي يوفره القطاع، بينما يرجع السبب الثالث إلى عدم وجود تعريف واضح لمصطلح التوطين بالنسبة للمؤسسات والجهات ذات العلاقة بالطيران.
وأكد الخبراء أنه لرفع نسبة التوطين في القطاع، يجب وضع خطط طويلة الأمد تتضمن خطوات عملية مدروسة وحوافز للشركات التي تنجح في رفع نسبة التوطين، كما أنه يجب أن تتعاون جميع الجهات والمؤسسات الإعلامية للتعريف بالفرص الوظيفية التي يوفرها القطاع، بالإضافة إلى التنسيق مع المدارس والجامعات للتعريف بالقطاع واستقطاب المواهب.
محاور رئيسية
وقال سيف محمد السويدي، مدير عام الهيئة العامة للطيران المدني، إن التوطين هو أحد أهم المحاور الرئيسية التي يجب التركيز عليها من خلال إطلاق المبادرات والبرامج، مشيراً إلى أن من أهم أسباب تدني نسبة التوطين في الطيران عدم المعرفة بالفرص الوظيفية التي يوفرها القطاع، بالإضافة إلى أن حجم القطاع كبير جداً، إذ يصل عدد العاملين فيه إلى نحو 500 ألف موظف، في حين أن عدد المواطنين المؤهلين على الرغم من ارتفاعه بشكل كبير مقارنة بالسنوات الماضية، يبقى أقل من حجم الفرص التي يوفرها القطاع.
وأضاف أن رفع فرص التوطين في القطاع يتطلب تنسيق الجهود مع باقي الجهات الحكومية والخاصة ذات الصِّلة، مثال ذلك توقيع الهيئة العامة للطيران المدني مذكرات تفاهم مع عدة جهات منها وزارة الموارد البشرية والتوطين، وفي إطار تسريع التوطين النوعي في قطاعات اقتصادية تشمل الطيران.
مبادرات
وقال المدير العام للهيئة العامة للطيران المدني، إن الهيئة أطلقت مبادرات عدة في إطار رفع مستويات التوطين، منها أسبوع «براعم الطيران» للناشئين السنوي، والذي يشارك فيه طلبة من مختلف الصفوف الدراسية في ورش عمل تم تصميمها لإشراك الطلبة من خلال برنامج تفاعلي متخصص للتعريف بقطاع الطيران وفرص العمل المتاحة به، وأهميته في زيادة الناتج المحلي للدولة.
وأضاف أنه تم أيضاً طرح برنامج الماجستير في القانون الجوي والفضائي، بالتعاون مع جامعة الشارقة، الذي يعد البرنامج الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، بهدف دعم وتطوير الموارد البشرية المتخصصة في مجال الطيران المدني على المستويين المحلي والدولي، مشيراً إلى أن المبادرات الأخرى تمثلت في برامج للتدريب العلمي لطلاب الجامعات في المكتب التمثيلي لدولة الإمارات في مجلس منظمة الطيران المدني الدولي «إيكاو».
برنامج تأهيل
وأوضح السويدي أن البرنامج التدريبي لتأهيل المراقبين الجويين المواطنين الذي أطلقته الهيئة عام 1998 أسهم في رفع معدلات التوطين في قطاع المراقبة الجوية لتصل إلى 30 % كما هو الحال في مركز الشيخ زايد للمراقبة الجوية، وتعتبر هذه النسبة من أعلى نسب التوطين في قطاع الطيران.
وأضاف السويدي أنه في ظل النمو المتواصل في قطاع الطيران هناك جهود لرفع نسب التوطين ودعم القطاع بالكوادر الوطنية، حيث تم الإعلان عن افتتاح منشآت ومرافق متخصصة للتدريب والتأهيل، منها أكاديمية الإمارات لتدريب الطيارين، إلى جانب (مركز الاتحاد لتدريب الطيران)، التابع لمجموعة (الاتحاد للطيران).
منظومة متكاملة
من جهته، قال علي أحمد النقبي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لاتحاد الطيران الخاص وطيران رجال الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «ميبا»، إن التوطين منظومة متكاملة لا تقتصر على التوظيف فقط، بل تنتهي عنده بعد رحلة تبدأ من التعليم من خلال مناهج دراسية تواكب متطلبات الوظائف المختلفة مع برامج تأهيل وتدريب وتنمية المهارات، ثم تأتي الوظيفة بعد ذلك، ومن هنا يجب تعاون مختلف المؤسسات في الدولة لدعم مسيرة التوطين في الطيران وباقي القطاعات.
وأضاف إن نسبة التوطين في قطاع الطيران تعتبر متدنية مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، فعلى سبيل المثال، تتراوح نسبة توطين الطيارين في الناقلات الوطنية بين 2% إلى 7%، مشيراً إلى أنه من المستحيل أن تصل نسبة توطين الطيارين في الشركات الوطنية إلى حد الكمال، لكن هذا لا يعني أن تكون النسبة في هذه المستويات المتدنية.
عدم الوعي
وأضاف النقبي أن تعريف التوطين من قبل الجهات المختصة لا يزال مجهولاً، كما أن هناك عدم وعي أو جهلاً بالفرص الوظيفية التي يوفرها القطاع يقلل من التوطين، مشيراً إلى أن القطاع يحتاج إلى خطط طويلة الأمد لرفع نسبة التوطين، كما أنه يجب إعطاء حوافز للشركات الخاصة العاملة في قطاع الطيران التي تحقق نسب توطين مرتفعة، سواء كانت هذه الحوافز تتعلق بتخفيض الرسوم أو غيرها.
وقال إن التعريف بالفرص والميزات الوظيفية التي يوفرها قطاع الطيران هي مسؤولية جميع الأطراف، بما فيها الهيئات والدوائر الحكومية المحلية والاتحادية، بالإضافة إلى الشركات العاملة في القطاع خاصة الشركات الوطنية، كما أن وسائل الإعلام تتحمل جزءاً من هذه المسؤولية.
وأضاف أن هناك مجالاً للتوطين في جميع المستويات الإدارية والأقسام المختلفة، ولا يجب أن يقتصر التوطين على مستويات إدارية معينة أو أقسام محددة، مشيراً إلى أن هناك نجاحاً متميزاً في توطين المراقبة الجوية، على الرغم من أنه يعتبر من القطاعات المعقدة، والتي تحتاج إلى كفاءات كبيرة ودقة عالية، وهنا يجب التساؤل: لماذا لا يوجد هناك نجاح مماثل في الأقسام والإدارات الأخرى؟.
مجموعة الإمارات
ونجحت «مجموعة الإمارات» على مر السنوات في استقطاب وتوظيف أعداد متنامية من الكفاءات الوطنية وتدريبها وتأهيلها وتعيينها في مواقع مناسبة ذات آفاق متميزة للتطور المهني والوظيفي، سواء في طيران الإمارات، أم في دناتا التي تعد من بين أكبر الشركات المقدمة لخدمات الطيران والسفر في العالم، أو في مختلف الإدارات والأقسام الأخرى ضمن المجموعة، مثل الموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات والمشتريات والإمداد وإدارة المرافق والتدقيق الداخلي والمالية وغيرها، الأمر الذي ساهم في رفع نسبة التوطين لتصل في الوظائف الإدارية العليا إلى أكثر من 25% وأن هذه النسبة تشهد نمواً عاماً بعد عام.
وتحدد «مجموعة الإمارات» من خلال استراتيجيتها للتوطين أهدافاً سنوية لتوظيف وتطوير واستبقاء الكفاءات الوطنية ومنحها فرصاً ضمن مختلف الوحدات والمستويات الوظيفية.
وتلتزم المجموعة بتوفير برامج تدريب وتأهيل مكثفة للمواطنين الذين توظفهم، سواء كانوا من حملة شهادة الثانوية العامة أم أصحاب المؤهلات الجامعية، لضمان تمكينهم من بلوغ إمكانياتهم وقدراتهم وتحقيق أقصى مستوى ممكن من التقدم وأداء أدوار ديناميكية ضمن المجموعة.
برامج تدريبية
وتعمل «طيران الإمارات» بشكل متواصل على تقديم أفضل ما يحافظ على الشبان المواطنين في مجموعة الإمارات، وتتمثل هذه الخطوات في توفير أفضل البرامج التدريبية طوال فترة وجودهم في المجموعة، ابتداءً بالتحاقهم بها، فضلاً عن العمل على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من خلال تأهيلهم للالتحاق بالأقسام التي تتناسب ودراستهم الجامعية، إن كانوا جامعيين، أو ما يتناسب مع مهاراتهم الذهنية إذا كانوا من خريجي الثانوية العامة.
وتوفر طيران الإمارات سلسلة من البرامج للمواطنين، وتشمل برنامج تدريب الطيارين وأطقم الخدمات الجوية والبرنامج الوطني لخريجي المدارس الذي يضم مجالات مختلفة تشمل الشحن الجوي ودناتا وتكنولوجيا المعلومات والمبيعات والأمن وإدارة المرافق والمنشآت، بالإضافة إلى برنامج تدريب فنيي صيانة الطائرات وبرنامج التدريب الإداري لخريجي الجامعات والدبلوم العالي.