عقدت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية بكامل هيئتها، أول من أمس، اجتماعها العالمي الثاني في المكتبة العامة وسط مدينة نيويورك الأمريكية، وذلك بحضور سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وعدد من كبار المسؤولين الإماراتيين، وممثلي عدد من المؤسسات المختلفة والشركاء.

واستعرض أعضاء اللجنة العليا خلال الاجتماع، مشروع «بيت العائلة الإبراهيمية»، المقرر إقامته في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، والذي سيتم افتتاحه في عام 2022، وهو إحدى المبادرات الأولى التي دعت إليها وثيقة الأخوة الإنسانية، حيث سيضم البيت كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، ليشكل للمرة الأولى مجتمعاً مشتركاً، تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات، من أجل تعزيز قيم التعايش السلمي، والقبول بين العقائد والجنسيات والثقافات المختلفة.

وكشف خلال الاجتماع عن التصاميم الخاصة المعنية بهذه المبادرة، والتي يتولاها المهندس المعماري الشهير عالمياً، والحاصل على العديد من الجوائز السير ديفيد أجايي أوبي.

تفاهم مشترك

كما تم خلال الاجتماع، الذي عقد بالتزامن مع بدء أعمال الجزء الرفيع المستوى للدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، استعراض أعضاء اللجنة العليا لمهمتها الرامية إلى تعزيز نشر ثقافة الاحترام المشترك، والحوار بين أتباع الديانات والمذاهب والجنسيات المختلفة، ما يعد بمثابة انطلاقة لخطوة طموحة، تتضافر من خلالها الجهود المشتركة من أجل استكشاف السبل التي يمكن أن يمضي في إطارها أصحاب النوايا الطيبة من كافة الديانات والمعتقدات، بهدف تعزيز التفاهم المشترك والسلام العالمي.

وللجنة العليا التي تشكلت حديثاً صلاحيات تقديم المشورة والتوجيه بشأن تحقيق أهداف «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك»، والتي وقّع عليها كل من قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في أبوظبي، وذلك خلال زيارتهما لدولة الإمارات في شهر فبراير هذا العام.

مبادرة تاريخية

وفي معرض تعليقه على هذه المبادرة التاريخية، قال صاحب النيافة، المطران ميغيل أنخيل أيوسو غويكسوت، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان ورئيس اللجنة: «ينطوي هذا المسعى على تأثير بالغ للبشرية، ففي الوقت الذي تطغى للأسف أنباء الحقد والكراهية والشر والانقسامات على التقارير الإخبارية من جميع أنحاء العالم، فلا تزال مشاعر الخير تملأ قلوبنا، وتنير طريقنا لبناء الحوار، وتبادل المعرفة، وتحقيق التطلعات نحو بناء عالم تسوده قيم التآخي والسلام، جنباً إلى جنب مع شركائنا من أتباع الديانات الأخرى، والرجال والنساء من أصحاب النوايا الطيبة».

وأضاف «إنني بهذه المناسبة، أود أن أتوجه بالشكر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، على التزامها الملموس تجاه مبادرة الأخوة الإنسانية».

تسامح

من جانبه، أكد القاضي محمد محمود عبد السلام عضو اللجنة العليا، الأمين العام للجنة، المستشار السابق لفضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أن تشكيل اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، جاء في وقت مهم، ويتطلب ذلك من كافة المحبين للسلام، الوقوف صفاً واحداً من أجل دعم جهود نشر ثقافة التعايش والإخاء والتسامح في جميع أنحاء العالم، معرباً عن سعادته بهذه الطاقة الإيجابية، وروح الإصرار الذي تبثه مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، من أجل إرساء الأمن والتعايش والسلام للجميع.

وعبّر القاضي عبد السلام عن تقديره لما أثمر عنه لقاء قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في شهر فبراير الماضي، ولا سيما تعبيرهما عن قلقهما الإنساني المشترك، وإصرارهما على العمل معاً، من أجل توفير سبل السعادة للبشر، أياً كانت انتماءاتهم العقائدية أو جنسياتهم.

ونوه بتأثره الكبير بما لمسه من الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وكذلك قداسة البابا فرانسيس، في أول لقاء جمع بينهما من اهتمام مشترك، بما يعانيه الإنسان من آلام ومآسٍ، وإصرارهما على الاجتهاد في ما تبقى من عمرهما، في كل ما يسعد البشر مهما اختلفت أديانهم وأجناسهم.

تعزيز السلام

وتحدث الحاخام م. بروس لوستيج كبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن، وعضو اللجنة قائلاً «إن هذه فرصة مهمة لجميع من يثقون بقوة الإيمان والقيم البشرية، حيث ستسهم في مد جسور التواصل بين رجال الدين وأفراد المجتمعات، وتعزيز السلام والتآلف، لا سيما ونحن نعيش في عصر تسوده أشكال الفرقة». وأضاف «يشرفني أن أكون جزءاً من هذه النخبة الموقرة، حيث يجمعنا العمل لهدف واحد، وهو إعلاء قيم الحب على الكراهية، والعدل على الظلم، والإيمان على الخوف، مشدداً على أهمية مبادرة الأخوة الإنسانية، لعكس بعض المفاهيم السلبية القائمة على التمييز والكراهية»، وقال «إن أي اعتداء على أي من الأديان السماوية، هو بمثابة اعتداء على الإنسانية برمتها».

صرح متميز

وقال السير ديفيد أجايي، المؤسس ورئيس شركة «أجايي وشركاه»: «يسعدني ويشرفني وقوع الاختيار على تصميمي لهذا الصرح المتميز، الذي سيضم 3 مبانٍ منفصلة، سيخصص كل مبنى على حدة منها لعبادة ديانة سماوية، في إطار مدخل منفصل من الحديقة الرئيسة للمجمع، إلى جانب مبنى رابع غير تابع لأي ديانة، سيكون بمثابة متحف ثقافي يجتمع فيه الأخوة في الإنسانية بمختلف انتماءاتهم، وسيوفر برامج تعليمية وفعاليات متنوعة، تهدف إلى تعزز التبادل والتعاون الثقافي والإنساني بين الأديان والأخوة الإنسانية بمختلف انتماءاتهم».

وكشف عن أن تنفيذ هذا المشروع التاريخي الفريد من نوعه، والذي بدأت حالياً أولى خطوات تنفيذه، سيستغرق ثلاث سنوات، ليتم افتتاحه في عام 2022.. وقال «أؤمن بأن دور فن العمارة، هو إضفاء طابع متميز على العالم الذي نطمح أن نعيش فيه، وبما يعكس قيم التسامح والانفتاح والتطور المستمر، فالعمارة وفن تنسيق الأماكن، يمكن أن يكونا تجسيداً لمعالم المكان والمبادئ التي شيد من أجلها، وتحفيز سبل الحوار، ومساعدتنا في إعادة تقييم تصوراتنا الحالية بشأن العالم من حولنا، واستكشاف المميزات التي يمكن أن نجنيها بشكل أكثر دلالة».

وأضاف «بحكم خبرتي كمعماري، فإنني أتطلع إلى تصميم مبنى يسهم في التخلص من المفاهيم التي تغذي الخلافات المذهبية والدينية، بمعنى أن التصميم لا بد أن يتسم بالطابع الشمولي والعالمي، على نحو أكثر سمواً، يعزز ثراء الحياة الإنسانية، ونتطلع إلى وضع مخطط لهذا الصرح، يشتمل على عناصر جمالية، ويعزز التأمل لأصحاب الديانات الثلاث، ويحفز سبل الحوار والتفاهم، في الوقت الذي يعيش العالم هذه المرحلة الحرجة، وسوف يكون البيت المقرر إنشاؤه في أبوظبي، مفتوحاً للبشر من كافة الديانات من جميع أنحاء العالم، وكافة طوائف المجتمع للتعلم والتواصل، لتجمعهم رسالة مشتركة، وهي التعايش السلمي للأجيال المقبلة».

مشروع حضاري

كما أجمع أعضاء اللجنة العليا، على أن اختيار هذا التصميم العصري لـ «بيت العائلة الإبراهيمية»، جاء وفق عملية دقيقة، أتيحت الفرصة خلالها لمشاركة معماريين معروفين حول العالم، تتنوع خلفياتهم ودياناتهم، ولفتوا إلى أن تصميم المعماري أجايي، اتسم بالتميز، حيث يضم أماكن عبادة منفصلة لكل ديانة، ومكاناً مشتركاً للتعاون، تقام فيه تجمعات غير رسمية، ولكونه تصميماً معاصراً، فهو سيعكس الهدف الذي تم وضعه لإنشاء مكان للأجيال المقبلة.

وشددوا على أن هذا المشروع الحضاري، سيكون بمثابة معلم حضاري عالمي، يهدف إلى إعلاء قيم التنوع والتفاهم والمحبة والتسامح، ويعطي في نفس الوقت للبشرية، محطة للتأمل والأمل، والاحتكام إلى العقل والإرث الإنساني للأمم والشعوب، مهما اختلفت وتعددت قناعاتها وأديانها وعقائدها.

وتضم اللجنة العليا للأخوة الإنسانية في عضويتها، كلاً من الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو غويكسوت رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالكرسي الرسولي، والدكتور محمد حسين المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر، والحاخام م. بروس لوستيج كبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن، والمونسنيور يؤانس لحظي جيد السكرتير الشخصي لقداسة البابا، والقاضي محمد محمود عبد السلام المستشار السابق لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ومحمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، والدكتور سلطان فيصل الرميثي، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، والكاتب ومقدم البرامج في دولة الإمارات ياسر حارب.

 

اقرأ أيضاً:

ـــ خطة لتشجيع الأمم المتحدة على تبني «وثيقة الأخوة الإنسانية»