مما لا شك فيه، أن مواقع التواصل الاجتماعي، قصّرت المسافات، وأذابت الحدود بين بلدان العالم أجمع، فقد اتخذ كثيرون من الأخبار والمعلومات التي تبثها، موجهاً، ومرشداً لهم، دون تحري الدقة والمصداقية، والوقوف على المزيف منها من الحقيقي، والشائعة من الواقع.

خصوصاً أن المتتبع للشائعات التي تروجها هذه المواقع، يجد أنها باتت تطال قطاعات حساسة، كالقطاع الصحي والأمني والمناخي والاقتصادي، والأخطر، هو انسياق أفراد المجتمع خلف هذه الأكاذيب، بل والمساهمة في نشرها وتداولها، عن عدم دراية ووعي في التعامل معها.

ومع انتشار فيروس كورونا الجديد على مستوى العالم، زادت الشائعات بشأنه، ما شكل قلقاً إضافياً للجمهور، خاصة أنها تزرع بذور الشك، وتتسبب بتكدير الرأي العام، وبث الرعب في النفوس.

وفي هذا الإطار، شدد أعضاء في المجلس الوطني الاتحادي وقانونيون، على انتهاج الإمارات مبدأ الشفافية في الاعلان عن الحالات المسجلة بالفيروس، مشيرين إلى أن الدولة كانت في مقدمة الدول التي أعلنت عن حالات الاصابة والاشتباه، الأمر الذي أدى إلى محاصرة انتشار الشائعات.

وأشاروا إلى أن الشائعات، وتحديداً المتعلقة بالأوبئة، وعلى سبيل المثال، فيروس كورونا، تهدد سلامة واستقرار المجتمع، داعين إلى عدم التجاوب معها، وملاحقة مروجيها قضائياً، وتغليظ العقوبات عليهم، إلى جانب تكثيف الحملات التوعوية لأفراد المجتمع بخطورة هذه الظاهرة.

تجهيزات

وقال ضرار بالهول الفلاسي عضو المجلس الوطني الاتحادي، إن الشفافية في التعامل مع الحالات المشتبه بها أو المؤكد إصابتها بفيروس كورونا، من شأنها أن توضح الصورة الحقيقية لانتشار المرض، وبالتالي، تسهل إمكانية احتوائه والقضاء عليه، أو تقليل مخاطره، على الأقل.

وأشار إلى الجدية والمسؤولية التي تعاملت بها الدولة منذ الأيام الأولى لانتشار أخبار الفيروس، من حيث إخضاع جميع القادمين إلى البلاد لفحوصات طبية مركزة، ووضع كل التجهيزات اللازمة للتعامل مع الفيروس، في حال اكتشاف أي حالة مرضية، بالتزامن مع حملات توعية مكثفة في الإعلام الرسمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لإرشاد المواطنين وكافة المقيمين على أراضي الدولة، إلى الإجراءات اللازم اتباعها لتفادي الفيروس، كالنظافة العامة، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، واستخدام المطهرات، وعدم السفر أثناء وجود أعراض مرضية، أو استعمال الكمامات الطبية.

وقال إن الإمارات تعاملت بشفافية مع الفيروس، حيث لم تتأخر عن الإعلان عن أي حالة مكتشفة، بروح من المسؤولية والأمانة، مشيراً إلى الشائعات التي يطلقها البعض، من شأنها أن تخلق نوعاً من القلق المبالغ فيه، وتؤدي إلى حالة من الهلع والفوضى، وهو أمر يهدد سلامة واستقرار أي مجتمع في العالم.

ودعا الفلاسي جميع المواطنين والمقيمين في الدولة، إلى عدم الانصياع وراء الشائعات، لأسباب كثيرة، أهمها أن الدولة، تعاملت وتتعامل بشفافية ومصداقية مطلقة مع أخبار فيروس كورونا، منذ البداية، واتخذت كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية البلاد، وهو ما حدث بالنسبة للحالات التي أعلن عنها، والتي تم أو يتم التعامل معها، بمهنية صحية عالية المستوى، وبأمانة وشفافية مطلقة.

إجراءات احترازية

بدورها، قالت سارة محمد فلكناز عضو المجلس الوطني الاتحادي، إنهم كأعضاء في المجلس، يعملون على توصيل صوت المجتمع الإماراتي، من استفسارات أو تداعيات قد تقلقهم، لافتة إلى أنها تشرفت في جلسة المجلس الماضية، وبحضور معالي عبد الرحمن بن محمد العويس وزير الصحة ووقاية المجتمع، بطرح سؤال بخصوص الإجراءات الاحترازية في دولة الإمارات لمواجهة فيروس «كورونا»، وكان جواب معاليه واضحاً ووافياً ومطمئناً، في عرضه لكل الأعمال والجهود التي تبذلها الجهات والمؤسسات الصحية في الدولة، لحماية شعب وسكان دولة الإمارات.

وهذه فرصة أشكر فيها معاليه، على شفافيته في جوابه، الذي يجعلنا في مقدم الدول التي اتخذت الإجراءات اللازمة لمواجهة الفيروس، خلافاً للدول التي قررت عدم الإفصاح عن الأرقام الحقيقية، واختارت الإغلاق على نفسها، لتكون بعيدة كل البعد عن المصداقية. ووجهت رسالة للمجتمع بجميع أطيافه، بالتحقق دائماً من مصادر الأخبار قبل تداولها، وعدم نشر الإشاعات، وقراءة الأخبار من المصادر الموثوقة فقط.

آثار سلبية

واعتبرت مريم ماجد بن ثنية عضو المجلس الوطني الاتحادي، أن عملية التصدي للشائعات، تتم عبر استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، نظراً للآثار السلبية التي قد تتسبب بها الأخبار المغلوطة من تهديد لأمن الدولة وأفرادها، على حد سواء، كما تمثل عملية التعامل مع الشائعات، عبئاً على الحكومة والجهات الرسمية، التي لا تدخر جهداً في نشر الحقيقة على جميع وسائل الإعلام، ولكن مع السرعة الرهيبة التي تحملها وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح «السبق» لنشر الخبر، هو هم كل شخص يحمل هاتفاً في يده.

فئة مستهترة

ووصفت كفاح الزعابي عضو المجلس الوطني الاتحادي، الفئة التي تنشر الشائعات والأكاذيب، بالمستهترة، كونها تعمل على نشر الرعب بين الناس، بالمعلومات المغلوطة التي يروجونها، وهنا، لا بد أن نؤكد على أن المشرع الإماراتي، شدد العقوبة على نشر مثل هذه الشائعات، حيث تنص المادة (198) مكرراً من قانون العقوبات الاتحادي، على «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، كل من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة، أو بث دعايات مثيرة، إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام، أو إلقاء الرعب بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة»، ودعت الجميع إلى التعاطي الراقي مع الأحداث، وعدم نشر الإشاعات، حتى لا تعرض نفسك للمساءلة القانونية.

3 صور

وقال المستشار القانوني، معتز فانوس، إن الشائعات تأخذ ثلاث صور: أولاها، إذاعة أخبار أو بيانات كاذبة أو مغرضة، أو بث دعايات مثيرة، ما من شأنه تكدير الرأي العام، أو إلقاء الرعب بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، لا سيما الدعايات المثيرة، التي تُحدث في النفوس هياجاً وتوتراً وإثارة، وينبغي أن يكون من شأن إذاعة أو بث الأمور السابقة، تكدير الرأي العام، أو إلقاء الرعب بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، ولكن لا يلزم أن يتحقق ذلك فعلاً على أرض الواقع، فالجريمة في هذه الصورة، هي جريمة شكلية، تتحقق بالسلوك المجرد، ولو لم تحدث نتيجة مادية لهذا السلوك.

ولفت إلى أن الصورة الثانية لهذه الجريمة، هي حيازة أو إحراز محررات أو مطبوعات أو تسجيلات، أياً كان نوعها، تتضمن أخباراً أو بيانات أو شائعات كاذبة أو مغرضة، أو دعايات مثيرة، متى كانت هذه المحررات أو المطبوعات أو التسجيلات معدة للتوزيع، أو لإطلاع الغير عليها، ويستوى في هذه الحيازة، أن تكون بالذات أو بالوساطة، فيما الصورة الثالثة، تتمثل في حيازة أو إحراز أي وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية، استعملت أو أعدت للاستعمال، ولو بصفة وقتية، لطبع أو تسجيل أو إذاعة الأخبار أو البيانات أو الشائعات الكاذبة، أو الدعايات المثيرة، وقد ساوى المشرع بين هذه الصور الثلاث، بحيث يكفي أن يقترف الجاني إحداها، حتى يقع تحت طائلة العقاب.

مسؤولية

شدد ضرار بالهول الفلاسي على ضرورة التحلي بروح المسؤولية، وإذا كان القلق من هذا فيروس كورونا أو غيره أمراً مشروعاً، فإن من اللا مشروع أبداً، أن نصغي لهذه الشائعة أو تلك، التي يطلقها البعض، ولا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تشكل فضاءً واسعاً بلا رقابة أحياناً، يرمي فيها الكثيرون الغث والسمين، بلا أي ضابط في معظم الحالات.

وأهاب الفلاسي بأفراد المجتمع، أن تكون المصادر الرسمية، والأخبار الصادرة عن المؤسسات الصحية المعنية، هي المرجع الوحيد لمتابعة الأمر، لا سيما أن الإمارات دولة مسؤولة، وتمتلك بنية تحتية صحية ممتازة، ولديها الإمكانات العلمية والمادية المهمة التي تمكنها من التعامل مع مثل هذه الحالات الطارئة.

عقوبات مشددة

قال المحامي علي مصبح إن طباع البشر تختلف عن بعضها، فهناك من يسعد بتداول الأخبار ونشرها وتعميمها ظناً منه أنه صاحب السبق، وربما يتعمد البعض نشرها برغم درايته الكاملة أنها غير صحيحة، وقد تكون سبباً في إشاعة حالة من الهلع بين الناس.

وتابع: «جاء المشرّع بمواد قانونية واضحة تتسم بالحزم وتضع حداً لنشر الشائعات، كما جرّم قانون مكافحة تقنية المعلومات الترويج ونشر الشائعات بعقوبة مشددة، إذ نص في المادة 29 بأنه يعاقَب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تجاوز مليون درهم كل من نشر معلومات أو أخبار أو بيانات أو إشاعات على موقع إلكتروني أو أي شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات بقصد السخرية أو الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة أو أي من مؤسساتها أو رئيسها أو نائبه أو حكام الإمارات أو أولياء عهودهم أو نواب حكام الإمارات أو علم الدولة أو السلام الوطني أو شعارها أو نشيدها الوطني أو رموزها».

التصدي بالتوعية والإرشاد

رأت هيام أبو مشعل، مستشارة نفسية وأسرية، أن الشائعات تعد من أقوى العوامل التي تخل بالأمن المعنوي والنفسي والاجتماعي والمادي والفكري في المجتمعات، وعليه ينبغي التصدي لها عبر التوعية والإرشاد والتأكد من مصدر الخبر وعدم الاستناد إلى معلومات مضللة.

وتابعت: يجب أن نواجه انفعالاتنا السلبية بقوة، وإن لم نستطع أن نكون أقوياء ولدينا قدرة على ضبط انفعالاتنا فالصمت قد يكون الحل الأنسب من تناقل الأخبار وتداولها، وألا نكون فريسة سهلة للشائعات، فهي ظاهرة اجتماعية ونفسية واقتصادية وإعلامية موجودة في كل المجتمعات، ولا بد من التكاتف للتخلص منها ومحاربتها، لأنها تحارب الفرد والمجتمع في كل زمان ومكان.

4 أسئلة ينبغي طرحها قبل تصديق المعلومة

قال الدكتور السيد درويش، أستاذ الإعلام في جامعة زايد: هناك 4 أسئلة أساسية ينبغي طرحها على النفس قبل تصديق المعلومة أو الخبر أو الشائعة وهي: أولاً: هل الكلام أو الخبر أو الفيديو منطقي أم لا؟، وثانياً: هل هو من مصدر موثوق به؟، وثالثاً: هل تأكدت بنفسك؟، ورابعاً: هل اطلعت أو شاهدت الحدث بنفسك؟.

وأكد درويش أنّ عملية البحث عن الحقيقة وتقصيها ليست بالمهمة الصعبة، ولكنها تحتاج إلى مرتكزات أساسية، من بينها وضع خطة للتحقق من صحة الموضوع أو القصة، بدءاً من مصدرها، مع عدم نقل أو تصديق كل ما يقال أو ينشر دون تفكير أو إعطاء ثقة عمياء للمشتركين في القصة سواء كانوا شهوداً أو ضحايا أو سلطات، والتنبه إلى أن روايات شهود العيان يمكن أن تكون غير دقيقة أو غرضها التحوير، كما قد تشوبها العواطف وتشكلها ذاكرة خاطئة أو وجهة نظر محدودة.

ودعا درويش الراغبين في الكشف عن مصداقية ما ينشر لطرح بعض التساؤلات على أنفسهم منها: هل أعرف ما يكفي لأتحقق؟، وهل أنا على دراية كافية بالمواضيع؟، وهل تشاركت مع آخرين في التحقق من مصداقية ما ينشر؟،

وهل قمت باستعمال بعض الأدوات للتحقق من صحة الأخبار وتواريخ نشرها ومصدرها وجمع المعلومات المهمة المتعلقة بها مثل التدقيق في عناصر الصورة أو الفيديو كالتوقيت والمكان والعلامات الظاهرة والصوت واللغة المستخدمة والمظهر العام للأشخاص، إلى جانب التدقيق في اسم الناشر أو الموقع الذي نشر، هل هو اسم معروف أم وهمي وكذلك التدقيق في التعليقات فربما تساعدنا في الحصول على معلومات الناشر، فضلاً عن التدقيق في الأشخاص الذين تضمّنهم الخبر والتأكّد من وجودهم الفعلي ومناصبهم، إضافة إلى التدقيق في طبيعة المكان وظواهره الطبيعية والمناخية لغرض مطابقتها مع إجواء المكان الأصلي.

وفيما يتعلق بطرق التحقق من المحتوى الذي ينشره مستخدمو التواصل الاجتماعي، ينصح الدكتور السيد درويش بالبدء بفرضية أن المحتوى غير دقيق وأنه تم تجزئته واستنساخه وإعادة نشره بسياقات مختلفة، ومن ثم يجب التحقق من المصدر الأصلي ومن المحتوى، مع العمل على تجميع المعلومات حول من قام برفع المحتوى، والتأكد عما إذا كانوا بالفعل شهوداً أو ضحايا أو منشئي المحتوى، وكذلك تحديد المصدر الأصلي، ومن الأسئلة التي يمكن طرحها على نفسك: هل يمكنك أن تجد نفس المحتوى أو منشورات مشابهة في أماكن أخرى على الإنترنت؟ ومتى تم رفع تصوير مشاركة أول إصدار؟

وهل يمكنك تحديد الموقع؟ وهل تم وسم المحتوى جغرافياً؟ وهل تم الربط لأي موقع ضمن المحتوى؟ وهل يمكنك تحديد هوية الشخص الذي قام بمشاركة رفع المحتوى الأصلي؟، وهل ينشر أخبار بانتظام على حسابه؟، وهل هناك صورة لصاحب الحساب؟، وهل لديه أصدقاء ومتابعون، وماذا يكتب متابعوه؟، وهل هناك تفاعل بين هذا الحساب وحسابات أخرى؟.

ونبه إلى أنه لا يمكن التحقق بنسبة 100% من مصداقية الصورة أو الفيديو، فعملية تعديل الصور وتركيبها قد يكون معقداً جداً في بعض الأحيان، فبعض المخادعين يلجؤون إلى «تقنية» بسيطة جداً لتضليل رواد الإنترنت، حيث ينشرون صوراً قديمة على مواقع التواصل الاجتماعي ويقومون بعزلها عن سياقها الأصلي وربطها بأحداث أخرى أو يربطونها بحدث وقع في بلد ما بينما هي في الحقيقية ملتقطة في بلد آخر.