كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن ترشيد استهلاك المياه، وكثرت الدعوات من جانب المنظمات والهيئات الدولية والمحلية لمراعاة جوانب الترشيد وعدم الإسراف في استخدامات هذه النعمة، التي أنعم الله بها على البشرية، وجعل منها كل شيء حي «وجعلنا من الماء كل شيء حي». ووجوه الإسراف أكثر من أن تحصى أو تعد، كما أن وجوه الترشيد أيضا كثيرة لا تعد ولا تحصى، والمهم أن نتخذ الخطوة الأولى في نشر ثقافة الترشيد أو الاقتصاد في كل شيء، بدءا من البيت مرورا بالمدرسة وانتهاء بالدوائر والمؤسسات والجمعيات والهيئات. ويحتاج ذلك إلى وقفة من الوالدين ومن المعلمين ومن وسائل الإعلام المختلفة، فالوالدان هما المعنيان في المقام الأول لتعويد أطفالهما على الاقتصاد وعدم الإسراف سواء في الطعام أو اللباس أو استخدام الماء في الاستحمام أو حتى الوضوء، الذي يعتبر من القربات إلى الله سبحانه وتعالى، ولا تصح الصلاة إلا بها، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الإسراف في الوضوء، فقد مر النبي صلى الله عليه وآلـه وسلم بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضأ فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ ؟» فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ ؟ قَالَ: « نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَار» رواه أحمد وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
والإسلام يربي في نفوس أهله كراهية الإسراف في كل شيء بل يبلغ الأمر إلى وصف الإسراف بالطغيان وربط ذلك بغضب الله تعالى في قوله عز وجل: «كُلُوا مِن طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُم وَلاَ تَطْغَوا فِيهِ فَيَحِل عَلَيْكُم غَضَبِي وَمَن يَحْلِل عَلَيْه غَضَبِى فَقَدْ هَوَى» طه 81، ويقول سبحانه «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً» الفرقان:67.
وعدم الإسراف يمكن أن يكون منهج حياة لكل إنسان يود أن يعيش بدون مشاكل صحية والتي تنتج من الإسراف في الأكل أو الشرب، كما أن عدم الإسراف في الوضوء يمكن أن يكون ملازما للشخص طوال حياته إذا كان مؤمنا بفائدة ذلك، ومؤمنا بأن هذا هو هدي الإسلام وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى ولو لم تكن الحنفيات الموجودة في المساجد أو البيوت أو أماكن العمل مصممة للتخفيف أو الحد من اندفاع الماء، فيمكن أن يخفف من فتحها قليلا وإغلاقها مع الانتقال من غسل عضو إلى غسل عضو آخر.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ذلك، فقد ضرب لنا صلى الله عليه وسلم في ذلك أروع الأمثلة، فعن سَفِينةَ رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُغَسِّلُه الصَّاع مِنَ الْمَاءِ مِنَ الْجَنَابَة، وَيُوَضِّئُه الْمُدُّ. رواه مسلم.