في ضوء المستجدات الحالية على مستوى العالم العربي وثورة الشعوب لنيل حريتها وتحقيق العدالة الاجتماعية في أكثر من قطر عربي، فإن هناك خوف وقلق مشروع تجاه ما يحدث وما سينتج عنه من تداعيات ستطال الجميع إذا لم تكن هناك بوادر تحرك للم الشمل والاعتصام بالوحدة وعدم التفرق تحت أي من الذرائع الفكرية أو المذهبية، وهناك من العلماء المعروفين بتوجههم الوسطي نادوا دائما بالتعالي عن النظرة الضيقة للرأي أو المذهب إلى مدى واسع من الوئام والمودة التي تجمع ولا تفرق وتعصم من الزلات والوقوع في فخ الاختلاف لا الخلاف في الرأي الذي يثري الحياة، وفي هذا يقولون «الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، وقد ذكرت في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكتابات العلماء المتبصرين نصوص كثيرة تنادي بالاعتصام وعدم التفرق، فيقول عز وجل: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون».
ولذا فإن دور العلماء والدعاة والمؤسسات الدينية ينصب على بيان أن وحدة الأمة والأوطان في المرحلة القادمة لابد وأن تكون لها أولوية قصوى على ما عداها من القضايا، وأن يكون هناك استراتيجية واضحة لتحقيق الأهداف السامية لوحدة الشباب العربي من أجل تطوير مجتمعاتهم وتنميتها فكرياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، وعدم تضييع الفرصة الذهبية التي بين أيديهم، لتحقيق النهضة الشاملة.
ويرى أحد الباحثين أن: «الطروحات التي عالجت هذه المسألة كان أصحابها يبحثون عن مبرراتها ومسوغاتها ولم يكونوا يبحثون عن هدفها وغايتها ورسالتها تجاه المسلمين والعالم، وكانوا يشعرون أن الوحدة ضرورية ولذلك يجب أن تحشد جميع الأدلة المؤيدة والداعية لها وقد فعلوا ذلك فأتوا بالأدلة وقدموها وضخموها، ولكن جهودهم لم تؤد إلى الشيء المطلوب؛ لأن إثارة العواطف لا تثمر عملاً منظماً مبرمجاً، بل ردّات فعل هائجة غير متعقلة ولا محسوبة، فينبغي أن تبنى على مشروع نهضوي ورسالة واضحة». وفي الآيات القرآنية دلائل مهمة على ذلك ومنها: « إنما المؤمنون إخوة» الحجرات: 10. « إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء» الأنعام: 159. « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» الحجرات: 13. «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون» المؤمنون: 53. «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» المائدة: 2.
وفي الأحاديث الشريفة: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) صحيح البخاري، ج1، ص7. ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) صحيح مسلم، ج4، ص1999. ( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ) صحيح مسلم، ج4، ص1999. ( لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا ) كنز العمال، ج1، ص177. ( عليكم بالجماعة وإياكم الفرقة ) سنن الترمذي، ج4، ص466.