يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: «وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ»، (الذاريات: 47). وهذه الآية الكريمة تطرح سؤالا سواء لدى المفسرين في الماضي أو لدى العلماء في العصر الحديث، وقد أدرك علماء التفسير والعقيدة الإسلامية ضرورة وجود إمكانية لتوسع الكون.
ومن خلال موقع «الإعجاز العلمي في القرآن والسنة» يطرح الموقع آراء عدد من العلماء والمتكلمين والفلاسفة، ومنهم أبو حامد الغزالي الذي يسأل: «هل كان الله قادراً على أن يخلق العالم أكبر مما هو عليه؟ فإن أجيب بالنفي فهو تعجيز لله وإن أجيب بالإثبات ففيه اعتراف بوجود خلاء خارج العالم كان يمكن أن تقع فيه الزيادة لو أراد الله أن يزيد في حجم العالم عما هو عليه»، أما ابن رشد الذي يلتزم موقف الفلاسفة اليونانيين، فإنه يرى أن «زيادة حجم العالم أو نقصه عما هو عليه مستحيل لأن هذا التجويز إذا قام فلا مبرر لإيقافه عند حد، وإذن فيلزم تجويز زيادات لا نهاية لها».
ومن الواضح في هذه المناظرة أنه رغم عدم توفر المعلومات التفصيلية عن فيزياء الكون والقوى العاملة فيه إلا أن المتكلمين المسلمين حين استندوا إلى أصول العقيدة الإسلامية المستنبطة بشكل صحيح من القرآن، فإنهم توصّلوا إلى فهم مسائل عويصة منها مسألة توسع الكون والتي هي قضية مستحدثة في الاستنباط العلمي في القرن العشرين الميلادي. ومن الحقائق العلمية فإن عالم الفلك الأميركي «إدوين هابل» ومن خلال التلسكوب شاهد في عام 1929 أن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعات هائلة، وإن حركة ابتعاد المجرات ناتجة عن توسع الفضاء (الكون) وامتداده.
والآية الكريمة السابقة (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) تؤكد على أن الكون المعبّر عنه بلفظ السماء هو في حالة توسع دائم، بدلالة لفظ «موسعون» فهو اسم فاعل بصيغة الجمع لفعل أوسع وهو يفيد
الاستمرار، لكن القرآن لم يبين تفاصيل الاتساع وإنما أورده مجملاً.
وفي عام 1929 أكد العالمان الفلكيان «همسن» و«هابل» نظرية توسع الكون بالمشاهدة، حيث وضع هابل القاعدة المعروفة باسمه وهي قانون تزايد بُعد المجرات بالنسبة لمجراتنا، وبالنسبة لبعضها البعض، وبفضل هذا القانون أمكن حساب عمر الكون التقريبي، وقد قام «هابل» باستدعاء «آينشتين» من ألمانيا إلى أميركا حتى يُرِيَه تباعد المجرات والكواكب بواسطة التلسكوب.
إن حركة ابتعاد المجرات ناتجة عن توسع الفضاء نفسه حيث تنساق معه المجرات كلها، وبصورة عامة فإن المجرات وتجمعات المجرات وأكداس المجرات هي أشبه ما تكون بكتل غازية هائلة من الدخان ما تزال تتوسع وينتشر ويتوسع معها الكون منذ حصل الانفجار العظيم في الكتلة الغازية الأولى، وقد أشارت الموسوعة الفضائية إلى هذه الظاهرة واتفاق الفلكيين في النصف الثاني من القرن العشرين على حقيقة توسع الكون أسقطت فرضية أزلية الكون وقدمه، وثبت علمياً أن للكون بداية ونهاية، فسبحان الذي صدقنا وعده عندما قال: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت: 53).
ووجه الإعجاز في الآية القرآنية الكريمة هو دلالة لفظ «موسعون» الذي يفيد الماضي والحال والاستقبال، على أن الكون في حالة توسُّع مستمر، وهذا ما كشفت عنه المشاهدات الفلكية للعالم «هابل» عام 1929م.