حدد أكاديميون، رؤى وأفكاراً ترسم مستقبل البحث العلمي، خلال الخمسين عاماً المقبلة، أبرزها إنشاء مؤسسة أو هيئة اتحادية، كمظلة تعنى بدعم وتطوير البحث العلمي، واجتذاب كوادر أكاديمية وبحثية متميزة ومتخصصة، وإطلاق تشريعات داعمة، وتأسيس جامعات ومؤسسات مهمتها البحث والإنتاج المعرفي، وتضافر الجهود من قبل الجهات المعنية، جنباً إلى جنب مع المؤسسات الأكاديمية، وتحفيز القطاع الخاص بالمساهمة في دعم الأبحاث، وزيادة ميزانية البحث العلمي، مؤكدين أن ذلك يأتي في مقدم أولويات الحلول التي ستجعل من الإمارات منصة إقليمية وعالمية للبحث العلمي، وتطبيق مخرجاته في خدمة الإنسان.

وأكد الدكتور حميد مجول النعيمي مدير جامعة الشارقة، أن البحث العلمي خلال الـ 50 عاماً المقبلة، سوف يكون مميزاً في الدولة، نتيجة للتوجه الدقيق الذي سوف تنتهجه خلال المرحلة المقبلة، لذلك، لا بد لكافة المؤسسات، أن تعمل في إطار الأولويات.

وقال إن الإنفاق على البحوث في الدولة، يعد جيداً، مقارنة ببعض الدول، كما أن هناك مؤسسات بحثية في أبوظبي ودبي والشارقة، تنفق أموالاً مدروسة بدقة، وبخطة زمنية واستراتيجية واضحة، سواء سنوية أو خمسية أو عشرية أو خمسينية.

وبيّن أنه من أبرز التخصصات التي يجب التركز عليها خلال الأعوام المقبلة، هي استخدام التقنيات الحديثة من الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، والمدن الذكية والأمن السيبراني، والطاقة وتقنيات الفضاء، والصحة والبيئة، والتي تعد كلها أولويات، يجب أن تركز عليها المؤسسات البحثية، إضافة إلى التخصصات الاجتماعية والنفسية والإنسانية.

ولفت مجول إلى أنه يجب أن تكون هناك تشريعات واضحة، تنفذ من قبل الجميع، في ما يتعلق بالملكية الفكرية.

دعم

ورأى الدكتور فارس الهواري عميد كلية العلوم الطبيعية والصحية في جامعة زايد، أن تحقيق التقدم العلمي، من خلال دعم الأبحاث العلمية، خاصة في المجالات التي ترتبط بخدمة الإنسان، حقيقة تدركها تماماً الدول المتقدمة، وتسعى دولة الإمارات إلى الاعتماد على اقتصاد معرفي وتنافسي، مدفوعاً بالابتكار والبحث والعلوم والتكنولوجيا، بقيادة كفاءات ماهرة ومخلصة، كي تنتقل من مستهلك للتقنيات، إلى مبتكر للتكنولوجيا.

وقال: يجب أن يكون حجم الإنفاق على الأبحاث العلمية، بنسبة مطردة من الناتج المحلي، مقترحاً إلزام القطاع الخاص بتخصيص 1 % من أرباحه على الأقل، لدعم الأبحاث العلمية، ما سيكون له عظيم الأثر في عملية التطور، والطفرة المنشودة لمستقبل الخمسين عاماً القادمة، مشيراً إلى أن كل هذه الحلول مجتمعة، من شأنها أن تجعل الإمارات منارة للبحث العلمي والتقدم التقني، ليس على المستوى الإقليمي فقط، بل على المستوى الدولي أيضاً.

وأضاف أن الطريق إلى المستقبل، في ظل الثورة الصناعية الرابعة، مرهون بالتقدم في مجال البحث العلمي، وإلا فستظل المنطقة أسيرة التقليد والاستهلاك، وبالنظر إلى واقع البحث العلمي العربي، نجد أنه يتسم بانخفاض حجم الإنفاق عليه، وهذا يؤدي إلى عدم توفر البنية التحتية اللازمة للبحث، وانخفاض الإنتاجية العلمية.‏‏‎وأفاد بأن هناك 3 متغيرات رئيسة، تعزز مكانة دولة الإمارات في التطورات التكنولوجية الجديدة مستقبلاً، ويمكن الاستفادة منها بشكل إيجابي لخدمة البحث العلمي، وهي: الإنفاق على البحث العلمي، والإنتاجية البحثية، وتعزيز ثقافة البحث والقدرات البحثية في المؤسسات الوطنية المعنية.

وقال إن هناك حاجة إلى تعاون وشراكة قوية بين القطاع الصناعي والمؤسسات الأكاديمية للتعليم العالي في الدولة. وأضاف: يجب تحفيز التنافسية بين الجامعات ومؤسسات البحث العلمي على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فضلاً عن المشاركة في التصنيف العالمي، بغرض التميز، ولعل ذلك يقتضي تأسيس جامعات، تكون مهمتها الأساسية هي البحث وإنتاج المعرفة.

تقييم

من ناحيتها، ترى الدكتورة فاطمة طاهر، مساعد العميد للبحوث وخدمة المجتمع بجامعة زايد، أن دعم البحث العلمي في الجامعات والمدارس، يتم من خلال تخصيص ميزانيات للبحث العلمي، وجعله معياراً أساسياً ضمن معايير تقييم الجامعات سنوياً، بالإضافة إلى ربطه بالصناعات، وتوجهات ورؤى الدولة، حتى تصبح الإمارات منصة ووجهة إقليمية وعالمية رائدة في هذا المجال، إلى جانب تعزيز مهارات البحث العلمي لدى الطلبة منذ المرحلة المدرسية، وإدراج البحث العلمي كمادة ضمن المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، وتشجيع الطلبة على نشر أبحاثهم في المجلات العلمية، وأن يكون ذلك جزءاً من تقييمهم الدراسي.

6 عناصر

ذكر الدكتور فارس الهواري أن هناك 6 عناصر لتعزيز الإنتاج الوطني من الأبحاث المعرفية، وهي الموارد، والحوافز، والتوظيف، وإعادة التنظيم، والملائمة، والتصنيف. وبيّن أن عنصر التوظيف، يعنى بجعل وظيفة البحث العلمي جاذبة في سوق العمل، عبر تأسيس جامعات ومؤسسات بحثية تركز على عمليات إنتاج المعرفة، وزيادة الإنتاجية البحثية، علاوة على تحفيز أعضاء هيئة التدريس، وتوفير تمويل البحوث والمعدات.

إجراءات مرنة تسرّع إنجاز البحوث

أكد الأستاذ الدكتور أحمد مراد النائب المشارك للبحث العلمي بجامعة الإمارات أنه كلما زاد عدد المؤسسات والجهات الداعمة للبحث العلمي، زادت الفرص المتاحة لإجراء البحث العلمي، وهذا بدوره يدعم الاستراتيجيات والتوجهات الوطنية، كما بات من الضروري وجود آلية في تلك المؤسسات البحثية في دعم الأفكار التي يقدمها الشباب الباحثون والذي بدوره يساهم في تعزيز القدرات البحثية للمواطنين وبالتالي بناء جيل من العلماء الإماراتيين يساهمون في التنمية والتطوير، مضيفاً: يحتاج البحث العلمي أيضاً إلى وجود سياسات وإجراءات تنظيمية تتميز بالمرونة وتساعد على سرعة الإنجاز.

وأشار إلى أنه مع المتغيرات المتسارعة التي تشهدها مختلف القطاعات الحيوية نتيجة تسارع وتيرة التطور التكنولوجي، تغيرت الأولويات البحثية، فمن التخصصات البحثية المهمة ما يلي: التكنولوجيا؛ الصحة؛ الفضاء؛ الطاقة المتجددة؛ الأمن المائي؛ الأمن الغذائي؛ التنقل؛ الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، التعليم، الدراسات الاجتماعية والثقافية، وعلوم المواد.

وتابع: يلعب الكادر الأكاديمي والبحثي الدور الأساسي في دفع عجلة البحث العلمي ولذلك بات استقطاب الكوادر البحثية والباحثين المتميزين ضرورة حتمية.

وذكر أن البحث العلمي في جامعة الإمارات، يعد ركيزة أساسية ومطلباً تنموياً تطلبه مرحلة الخمسين عاماً القادمة، حيث قامت الجامعة بإنشاء المراكز البحثية لدعم جهود البحث العلمي ولدفع عجلة الابتكار من خلال مشاركة الباحثين والطلبة في إيجاد الحلول العلمية للتحديات التي تواجه القطاعات المختلفة، وقد تم دعم البحث العلمي ببرامج أكاديمية لتعزز من المخرجات البحثية، فمثلاً تم إنشاء برنامج ماجستير علوم الفضاء.

وأضاف: يركز البحث العلمي في جامعة الإمارات على التحديات الواقعية من خلال إيجاد حلول مبتكرة للمجتمع المحلي، ولذلك جاءت المراكز البحثية لدعم هذه الجهود.

بنى تحتية بحثية قوية ومنح تنافسية للجامعات

أكد البروفيسور كيفن ميتشيل، مدير الجامعة الأمريكية بالشارقة، أن إنشاء مرافق ومختبرات ومكتبات علمية وبنى تحتية بحثية قوية بإمكانها أن تدعم البحث العلمي، مشيراً إلى أن دعم القطاعين العام والخاص للبحث العلمي والتطوير ضروري للغاية على أن يكون الدعم في كافة المجالات.

وذكر أن وجود برنامج تمويل وطني تنافسي يعد ضرورياً للغاية من أجل دفع عجلة البحث العلمي وتعزيزها، خصوصاً خلال الخمسين عاماً المقبلة.

وقال إن إنشاء مؤسسة تعنى بالبحث العلمي يعتمد على نوع الأبحاث، فبينما قد يستفيد الباحثون الذين يعملون في مجالات متخصصة للغاية من مؤسسة بحثية متخصصة يكونون جزءاً منها، إلا أنه وفي المقابل الآخر يمكن أن يستفيد باحثون من كونهم جزءاً من مجتمع بحثي أكاديمي متنوع تبرز فيه أفكار جديدة من أعمال في مختلف المجالات ولقاءات مع زملاء يعملون في مجالات لا تمت لبعضها بصلة.

وأضاف أن وجود تشريعات قوية للملكية الفكرية مهم لتهيئة بيئة بحثية، كما أن وجود تشريعات جديدة للبحوث مدعومة بقوانين الملكية الفكرية يساهم في الإقبال على البحث العلمي.

وأكد الدكتور حسام حمدي، مدير جامعة الخليج الطبية في عجمان، أنه يجب أن يكون هناك دعم قوي للبحوث بمختلف أنواعها من خلال منح بحثية مدعومة تقدم لكافة الجامعات بالدولة.

وأضاف أنه خلال الخمسين عاماً المقبلة لا بد من زيادة مصادر تمويل البحوث العلمية، مبيناً أن البحث العلمي يعد ركيزة أساسية لتقدم الدول والمجتمع وان الجامعات تلعب دوراً رئيساً في ذلك، في حال دعم ميزانياتها في البحوث العلمية، على ألا يكون الدعم مباشراً إنما يكون من خلال هيئات ومنح بحثية تنافسية يتقدم لها الباحثون والمراكز البحثية في كافة جامعات الدولة للتنافس عليها. وقال إنه يجب التغيير في آلية إجراء البحوث المتعارف عليها، إلى جانب ضرورة تخفيف العبء عن أعضاء التدريس المميزين في البحث العلمي.

تسهيل تسجيل براءات الاختراع

اقترح الباحث والمبتكر مهند الدراي، مؤسس أول محرك بحث عالمي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، تبني جملة إجراءات وخطط مهمة، بينها: دعم جميع الأبحاث العلمية وتسهيل الإجراءات المطلوبة لتسجيل براءات الاختراع في الدولة، إضافة إلى تقديم الدعم اللامحدود لرواد الأعمال من أصحاب المشاريع الناشئة المتميزة لتبقى دولة الإمارات الأرض الخصبة والوجهة الأولى لاستقطاب الأبحاث العلمية والمشاريع الناشئة.

وذكر أنه وفقاً لآخر دراسة صادرة عن معهد اليونيسكو للإحصاء، فإن الولايات المتحدة والصين واليابان من أوائل دول العالم في مجال البحث العلمي والتطوير. وقال: إذا نظرنا إلى حجم إنفاق الإمارات في مجال البحث والتطوير، سنلاحظ أن الدولة حققت تقدماً مبهراً في السنوات الأخيرة، فقد قفز إجمالي الإنفاق نسبةً للناتج المحلي الإجمالي في مجال البحث والتطوير من 0.5% في سنة 2011 إلى 1.3% في 2018، ولكن لا جدال في أنه يجب علينا رفع معدلات الإنفاق في حقل البحث، بما يتناسب مع متوسط الإنفاق العالمي.

تبنّي مشروعات المبدعين وضمان التفرغ للباحثين

أكد مثقفون إماراتيون ضرورة الحرص في مكون ومضامين استراتيجيات العمل الخاصة بخطة الخمسين عاماً المقبلة في الإمارات، على تعزيز وتنويع أشكال دعم البحث العلمي، بجانب توفير مساقات التأهيل النوعي للكوادر العاملة بالمجال.

مشددين على أهمية التركيز على اعتماد مناهج ومخصصات دعم نوعي- رسمي ومجتمعي عام- لمشاريع التخرج الجامعية المتخصصة بمجالات العلوم، وتشجيع الشركات الخاصة على تبني وتمويل مشروعات وأفكار المبتكرين الشباب في حقول العلوم كافة، وضمان التفرغ للباحثين.

وأوضحوا أن هذه المحاور تمثل قاعدة تأسيس مثالية لمناهج البحث العلمي المتقدم في الدولة، وتبينها وتطبيقها سيكفل إثراء مشوار التنمية والازدهار في كافة ميادين العمل الوطني بموازاة ترسيخ وتمتين ركائز تميز الدولة عالمياً، وضمان تحولها بالفعل إلى منصة إقليمية وعالمية للبحث العلمي وتطبيقاته.

رفاهية

ورأى الأديب حارب الظاهري، أن دولة الإمارات أخذت على عاتقها تبنّي وتطوير مجموعة من البرامج والمشروعات والاكتشافات العلمية التي ستنعكس خيراً ورفاهية على الدولة وعلى العالم العربي والبشرية جمعاء، ولهذا لا بد من زيادة حجوم الميزانيات المخصصة للأبحاث العلمية في الدولة، لتكون بمستوى منافس عالمياً لأهم الدول بهذه الميادين، ولتكفل تحقيق أهداف دولتنا المرسومة.

وتابع الظاهري: تخطو الإمارات خطوات لافتة في مجالات علمية مختلفة وتتبنى مشاريع علمية متنوعة تخدم سعادة وراحة الإنسان، ونجد أنها باتت تحجز لها منزلة وبصمة رفيعتين عالمياً وخاصة في مجال الفضاء واستكشاف المريخ، حيث يستكشف «مسبار الأمل» المريخ لما فيه الخير والفائدة للبشرية جمعاء، ويعيد في الوقت نفسه، ألق المكانة الحضارية والعلمية للعرب.

وبناءً على هذا الأساس، من المؤكد أنه علينا في خطط ومشروعات عملنا الحكومي المستقبلي، والتي ستصاغ وتنصهر لبناتها في مكون استراتيجيات خطة الحمسين عاماً المقبلة، الاعتناء برصد ميزانية سنوية ضخمة لمراكز البحث العملي التي أنشئت أو التي ستنشأ في دولتنا، وذلك ضمن خطة واضحة المعالم ومستخرجة من نتائج وخطط عمل التخصصات المختلفة.

ويستطرد الظاهري: «يجب ألا نغفل عن أهمية التركيز على التأسيس لمراكز علمية تطبيقية تخصصية عالية المستويات بتجهيزاتها وإمكاناتها تقوم عليها وتنهض بأعبائها طواقم عمل مؤهلة بشكل نوعي، لتتمكن من أن تقوم بدورها بكفاءة في مجالات علوم المقارنة، وفهم الظواهر الغريبة والمتعددة، وإجراء التجارب ومواصلة الاستنتاجات بمصداقية علمية، بحيث تثمر جهودها في آخر المطاف حلولاً مثالية لشتى العقبات».

ضرورات ملحة

بدوره، قال الكاتب ورسام الكاريكاتير، المهندس خالد الجابري «صاحب كتاب علمي عن إنتاج النفط في العام 2016 -أعده بأسلوب الكوميكس-»: بصفتي كاتباً ومهندساً يعمل في مجال إنتاج النفط، أقترح زيادة ميزانية البحث العلمي في السنوات القادمة، ليس رفاهية أو مطلباً ثانوياً، بل يعد ضرورة تضمن بقاء بلادنا ضمن ركب الدول المتقدمة.

وتابع الجابري: وبلا شك، نحن معنيون في التركيز على عدة أمور وإجراءات تطويرية مهمة في الصدد، ومنها: زيادة الدعم لمشاريع التخرج الجامعية وإثراء ميزانيات البحث العلمي، والتركيز على المشاريع التي بالإمكان أن تدعمها الشركات الخاصة وتمولها، وتعزيز وتنمية ورعاية مساقات مشاركة الجامعات ومراكز البحث في حل المشاكل والمعضلات التي تواجهها الحكومة والمؤسسات كافة، وضمان التفرغ للباحثين كون الباحث أو المخترع يحتاج إلى الوقت والجهد حتى يقدم منتجاً علمياً جيداً من دون أن يتشتت تركيزه بين عمله الذي يسترزق منه والبحث العلمي يضعف منتوجه بشكل كبير.