تجد الشاعرة والباحثة الفلسطينية، الدكتورة فيحاء عبدالهادي، في التاريخ الشفوي، القدرة على سد فجوات التاريخ، عبر إبرازه سيرة المهمشين من الناس، الذين لم تتح لهم فرصة أن يعرفهم التاريخ. وبذلت في هذا المجال، جهوداً جبارة، كي تستطيع توثيق أدوار المرأة الفلسطينية في أجزاء، ذلك بدءاً من ثلاثينات القرن الماضي.

توضح فيحاء، في حوارها مع "بيان الكتب"، أن مشروع بحثها مبني على مقابلات مع النساء اللواتي عاصرن مرحلة محددة، إذ تعتني في التركيز على معرفة ماهية ومدى مشاركة المرأة في الحياة السياسية.. وكذا الثقافية والاقتصادية، التي تظهر، كما تشير، في ثنايا البحث والحديث عن الجانب الأول..

إذ يتبين للباحث، عند تناوله جزءاً ما في الحقل المطروق، أن البيانات والمراجع، وأيضاً المتحدث (الراوي للقصص في المجال أو الناقل للحكايات الشفهية)، تقدم المضمون في الإطار، في سياق متكامل وشامل. وتؤكد في الصدد، أن ذاكرة الناس الشفاهية، تضيء الزوايا القاتمة والغامضة في تاريخنا.

إلى أين وصلت في بحثك حول أدوار المرأة الفلسطينية؟

إنه مشروع متواصل، فبعد أن انتهيت من التدوين حول حقب زمنية بدأت منذ الثلاثينات والخمسينات في القرن الماضي، أعمل حالياً على تقصي وتسجيل أدوار المرأة الفلسطينية من أواسط الستينات وحتى الثمانينات في القرن ذاته.

تعدد

ما المراجع التي تعتمدين عليها في الخصوص؟

التاريخ الشفوي. وهذا مبني على مقابلات مع النساء اللواتي عاصرن مرحلة تاريخ معينة، وأركز في هذا التاريخ، بشكل رئيسي، على جوانب مشاركة المرأة في الحياة السياسية. وأظن أن ذاكرة الناس الشفاهية، تضيء الزوايا القاتمة والخافية والغامضة في تاريخنا.

هناك تنوع في تجربتك الإبداعية ومجالاتها: كتابة الشعر والبحث والنقد. متى تتجهين إلى أحدها؟

كتبت الشعر، ومن ثم: روايات شهرزاد التي تتحدث عن: غزة، رفح، مخيم جنين، اجتياح جنين، نابلس، مرحلة اجتياح إسرائيل مناطق السلطة الوطنية في الـ 2002. وجميع تلك الكتابات جاء في سلسلة بعنوان "احكي يا شهرزاد".وفي المجمل، أنا بدأت في الشعر.

وهو عشقي الأساسي.. ومعه أشعر أنه من الممكن أن نقول ما نريد بأشكال متعددة، وحبي للشعر والأدب حفزني ودفعني للتبحر أكثر في مكنونهما العملي. فحصلت على الدكتوراه في تخصص الأدب العربي. وفي الوقت نفسه، عملت بشكل مهني، على الرواية الشفوية وفق منهجية التاريخ الشفوي.

وحدث أن وجدت نفسي أكثر في الحقل الأخير.. فركزت عليه، وعثرت فيه على : الشعر والحكاية والنقد الاجتماعي والتركيز على المهمشين- خاصة النساء-. إن التاريخ الشفوي كثيراً ما يعنى بالمهمشين والناس الأقل حظاً بالوصول إلى السلطة، والأقل حظاً بالوصول إلى الناس والإعلام. فرواياتهم وما يحكونه، تهمل، بينما الروايات الرسمية تبرز.

قصة صداقة

ربطتك بالشاعرة فدوى طوقان، علاقة وثيقة. ما طبيعتها؟

كانت الشاعرة فدوى طوقان تأتي إلى بيتنا، منذ كنت صغيرة، وعندما كانت تحكي كنت أستمع إليها بحب وانبهار. واعتاد أهلي أن يقولوا لها، خلال الزيارات: ما رأيك أن تسمعي قصائدك بصوت فيحاء؟ وبالفعل كنت ألقي قصائدها. بقي الأمر كذلك إلى أن جاء اليوم الذي قررت فيه أن أصدر فيه مجموعتي الشعرية الأولى: "هل يلتئم الشطران".

فأرسلتها إليها. وكتبت إليها: يهمني رأيك في أن أصدرها أو لا. فردت أن انشري. وكتبت لي مقدمة المجموعة.

حقول المعرفة

دفعت ثمناً للعمل المباشر في السياسية...

المكان يحدد الخيارات أحياناً، لأني ولدت وتربيت في نابلس، وكان عمري 15 سنة عندما سجنت أنا والوالدة، وأكيلت لكلينا تهم مختلفة. وجلسنا في السجن سوية، ثم أبعدنا معاً من السجن إلى الجسر، وتركونا. ولم أعد من بعدها إلى فلسطين إلا بعد 27 سنة.

ماذا عن طبيعة ارتباطك بشبكة "ألف امرأة عبر العالم"؟

"ألف امرأة عبر العالم" شبكة نسوية، تضم مجموعة من النساء من العالم، من اللواتي يطرحهن سؤال "لماذا تذهب جائزة نوبل للرجال وليست للنساء؟". ومن هنا بدأت الحركة في تجمع نسائي لترشيح ألف امرأة مع بعض لنيل جائزة نوبل للسلام، في العام 2005، من كل دول العالم. وكنت في هذه المرحلة منسقة لفلسطين.. وجدت بالشبكة منبراً دولياً للتعريف بالقضية كفلسطينية وتوفير المساندة الدولية.

ما الذي وجدته في التاريخ الشفوي، كي تركزي عليه في محاور كتابك "أدوار المرأة الفلسطينية في الخمسينات حتى أواسط الستينات"؟

لا أبالغ إن قلت إني وجدت فيه النقد والشعر. وإحدى قصائدي لها علاقة بالرواية الشفوية، وكذا كتابي "قالت شهرزاد" هو حكايات الناس في قالب أدبي. إذا وجدت في الرواية الشفوية، الأدب بشكله القصصي والشعري، في أكثر من شكل. فهناك أشياء قاتمة في تاريخنا، ولا تملؤها إلا ذاكرة الناس الجماعية.

التاريخ الاجتماعي هو من يملأ فجوات التاريخ المكتوب، هم العمال والفلاحون والفقراء، الأميون في الغالب، ولكن يملكون الحكمة والمعرفة. لذا علينا أن نخرج الحكمة من صدورهم، ونلتقط التاريخ من مروياتهم، قبل أن يدفن معهم.

إنني، وبعد البحث في التاريخ الشفاهي وجدت اسماء وبيانات بعض النساء اللواتي ناضلن في ثورة 1936.. (للأسف، فقدنا، حالياً أسماء من ناضلوا في العام 1948، ولم نعد نجدها)، ولأجل ذلك كله أشعر بمدى أهمية هذا المشروع.

إضاءة

الدكتورة فيحاء عبدالهادي حاصلة على دكتوراه في الأدب العربي الحديث، من جامعة القاهرة - 1990.

عضو المجلس الوطني الفلسطيني، وعضو الهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين (1998 2005)، وعضو مجلس أمناء القدس للمساعدة الإنسانية، وعضو مجلس أمناء مركز أوغاريت الثقافي، وعضو هيئة مكتب مجلس الأمناء للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية.

أشرفت على أبحاث عديدة.

أسست فرقة عباد الشمس الغنائية للأطفال واليافعين 1987 1998، التي حققت الفرقة العديد من الإنجازات.

شاركت في الكثير من المؤتمرات والمهرجانات، العربية والدولية وقدمت خلالها ندوات وحلقات دراسية.

أصدرت مجموعة قصص عن معاناة النساء الفلسطينيات، بعنوان "الأمل هو أغلى ما أملك". من مؤلفاتها: المرأة الفلسطينية والذاكرة، بيببلوغرافيا التاريخ الشفوي الفلسطيني، عد الغد.. دراسة في أدب غسان كنفاني.

ا1950 -1960

توجهت الدكتورة فيحاء عبدالهادي، في كتابها "أدوار المرأة الفلسطينية في الخمسينات حتى أواسط الستينات (1950-1960).. المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية"، الصادر عن مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق - اليونيسكو، إلى الرواة (نساءً ورجالاً)، لتبحث جوانب وخفايا الموضوع، في ظل معرفتها بطبيعة النقص الموجود عن مشاركة المرأة السياسية في تلك الحقبة التاريخية، في التاريخ المدون، وتحديداً بشأن مشاركة المرأة الفلسطينية في التنظيمات الحزبية العربية، وعملها لتأسيس روابط واتحادات وتنظيمات، خارج فلسطين، بالإضافة إلى مشاركاتها السياسية، التي لم تدوَّن، ولم يعرف عنها، أو يعترف بها.

 

مقارنات منهجية تحاكم المدوّن وتسائله

تركز أبحاث الكتاب على تقصي دقائق وتفاصيل مساهمة المرأة الفلسطينية في الخمسينات وحتى أواسط الستينات في القرن الـ20، في العمل السياسي، للتوصل إلى طبيعة هذه المشاركة وفاعليتها.

وتدرس الموضوع في ضوء تساؤلات: أكانت مساهمتها أساسية، في المدينة وفي الريف؟ هل شاركت المرأة في جميع مجالات العمل السياسي؟ ماذا أضافت إلى أدوارها؟ هل كان لديها دور عسكري؟ ما طبيعة عملها التنظيمي؟

وتشير المؤلفة في كتابها، إلى أن التاريخ المدوَّن سجل نضال المرأة الفلسطينية، في الفترة تلك، باقتضاب شديد، رغم أنه للمرة الأولى في تاريخ العمل النسائي، تمارس المرأة عملاً سياسياً، بالانخراط ضمن التنظيمات الحزبية العربية.

وتؤكد أن هذا الأساس هو ما استدعى وقفة مطولة، تدرس هذا الدور، من خلال التاريخ الشفوي، الذي يجمع الروايات المختلفة من شهود العيان، ويقارنها. ويستخلص النتائج والتقييم الذي يقترب من الحقيقة، وينصف المرأة.

كما استقصى البحث، دور التنظيمات والروابط الفلسطينية والعربية، التي عملت على إبراز دور المرأة الفلسطينية، والحفاظ على الهوية والانتماء، وتأديتها دوراً إعلامياً كبيراً خارج الوطن، مثل: "الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني في لبنان" ( تأسس عام 1952).

تدقيق ومقارنات

يرصد الكتاب إجابات الرواة، في طبيعة رؤيتها للعمل السياسي، والتي تربط بين العام والخاص. وتعيد المؤلف في كتابها، تفسير المصطلحات التي يستخدمها الرواة كي تستطيع رسم صورة لمشاركة المرأة في الحقبة التاريخية المحددة.

كما حاولت تصحيح بعض المعلومات، التي يتعامل معها الباحثون والباحثات، بوصفها حقائق ثابتة، من خلال التدقيق والبحث والتقصي، والتركيز على ما لم يذكر في التاريخ المدوَّن، وما كان ناقصاً، أو مبتوراً، إلى جانب التأكيد على بعض ما جاء في التاريخ، بالاستعانة بمنهج التاريخ الشفوي، من أجل التأريخ للمساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية، في المرحلة التاريخية قيد البحث.