وسط تباين المواقف والسياسات واختلاف الرؤى المرتبطة بالقضية الفلسطينية، يدعو الكاتب والمفكر العربي الفلسطيني سلامة كيلة في حواره مع «بيان الكتب»، إلى رؤية جديدة لحل القضية الفلسطينية، تقوم على العودة إلى البديهيات التي حاولت السياسات المتبعة طمسها، وتتمثل في أن تبقى فلسطين دولة ديمقراطية عربية تقبل وجود (اليهود) في إطارها، انطلاقاً من أنهم ينتمون إلى قوميات أخرى.
ويستند كيلة، في تصوره هذا، إلى فكرة حل الدولتين وكيف جرى تسويقها على أنها أمل ممكن التحقيق، وكيف أصبحت أكثر خطورة وشكلت مأزقاً منذ بداياتها، متطرقاً في هذا السياق إلى تلاشي المقاومة الفلسطينية، بعد أن تحولت إلى وجود سياسي أكثر منها قوة حقيقية؛ الأمر الذي تحولت معه التنظيمات الفلسطينية إلى قوى ليست فاعلة.
ويرى المفكر الفلسطيني أن تحقيق هذا التصور الذي يطرحه لحل القضية الفلسطينية، يفرض بداية تكسير كل الأوهام التي تراكمت خلال أربعة عقود، ودعم وتطوير التحرك الشعبي العربي، الذي رأيناه أخيراً، بعد قرار ترامب بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، موضحاً أن هذا التحرك الشعبي بمثابة حراك جديد للقضية الفلسطينية، وإن كان هذا الحراك بحاجة إلى نقاش نظري لبحث كيفية تحويله إلى إطار عملي على أرض الواقع، ومشيراً أيضاً إلى أن الأمل كبير بالمثقفين الشباب العرب والفلسطينيين، لقيادة حراك ناضج وقوي مؤثر في سبيل نصرة فلسطين وقضيتها.
- تطرح في كتابك استراتيجية خاصة حول «المسألة الفلسطينية» تبعد عن نكبات الماضي وهزائمه وأطروحات الحاضر في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات عاصفة.. ما المحاور الرئيسية التي انطلقت من خلالها تلك الاستراتيجية؟
بات واضحاً، خلال الفترة الراهنة، أن المسار الذي قامت عليه القضية الفلسطينية خلال عقود مضت، مسار فاشل، وذلك ليس مستغرباً؛ لأن من يدرس تاريخ الدولة الصهيونية وسبب وجودها يعرف أن تأسيس هذه الدولة الصهيونية أتى في سياق تأسيس قاعدة عسكرية من أجل مواجهة المنطقة العربية عموماً ومنع تقدمها. وبالتالي، وفي ضوء هذا الهدف، كان غير مسموح وجود حل سياسي للقضية الفلسطينية. وبهذا المنظور، كان حل الدولتين وهماً لدى القيادة الفلسطينية، بينما كان استفادة ثمينة من الوقت بالنسبة للدولة الصهيونية للتضييق على الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم، فضلاً عن التوسع في إقامة المستوطنات بالأراضي الفلسطينية المحتلة؛ لأن طبيعة المشروع الصهيوني الإمبريالي لا تجعل مكاناً لحلول وسط.
انطلاقاً من هذا المنظور، فإنني في كتاب «المسألة الفلسطينية»، أقدم تصوراً جديداً بالعودة إلى البديهيات التي حاولت سياسات متبعة وتابعة طمسها، أولها أن فلسطين تبقى فلسطين، دولة ديمقراطية عربية تقبل وجود (اليهود) في إطارها، انطلاقاً من أنهم ينتمون إلى قوميات أخرى، ومن أن هناك عرباً يهوداً جرى جرهم إلى فلسطين بتدخلات متعددة، وصولاً إلى مبادئ أساسية، يتمثل أبرزها في عودة اللاجئين الفلسطينيين، وإعطائهم حقوقهم كاملة.
مستويات
- في ضوء طرحك لهذه الفكرة في كتابك المذكور، كيف يمكن تحقيقها على أرض الواقع في ظل المتغيرات الحالية التي تشهدها القضية الفلسطينية؟
أعتقد أن تحقيق هذا التصور يفرض بداية، تكسير كل الأوهام التي تراكمت خلال أربعة عقود، وبالتالي ما يجب تحقيقه على أرض الواقع يتطلب مستويات عدة، أبرزها استمرار النضال الفلسطيني، وأيضاً الدفع باتجاه أن يلعب اليهود الإسرائيليون دوراً في إنهاء الدولة الصهيونية عبر تجاوز شعورهم الدائم بأنهم مهددون ومستهدفون من قبل النضال الفلسطيني، فضلاً عن أن أزمة الإمبريالية ستنعكس بالضرورة على الدولة الصهيونية، ويمكن أن يتفاقم الصراع الطبقي فيها ضد الفئة الرأسمالية المُسيطرة. وكل ذلك من الممكن أن يؤدي إلى إنهاء المشروع الصهيوني كونه مشروعاً إمبريالياً ودولة قائمة على الاستيطان واستغلال الدين اليهودي لخدمته.
والمستوى الثالث يتمثل في ضرورة أن تتجاوز القضية طابعها الفلسطيني؛ لأنها بالأساس تخص مجمل الوطن العربي، وهنا يجب أن نعلم أنه يفترض أن يكون الصراع بين العرب عموماً والصهاينة، وليس فلسطينياً- صهيونياً، بحيث عبر ذلك يمكن تغيير ميزان القوى. وأعتقد، أيضاً، أن المناخ العالمي أصبح مهيئاً أكثر من أي وقت مضى لتغيير موقفه من الدولة الصهيونية والتفاعل مع مقاطعتها، وهو ما ظهر في الرفض الشعبي العالمي لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أخيراً، بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأود التأكيد أن ردود الفعل العربية على قرار ترامب ذلك أظهر الحضور القوي للقضية الفلسطينية في ضمير أمتنا.
عودة واحتياطات
كيف يمكن إعادة بناء المشروع الفلسطيني وفق ما تطرحه في هذه الرؤية؟
المنطقة كلها الآن، تعيش مرحلة من الخطر والتوتر، وبالتالي نعول كثيراً على الجهد الشعبي الشبابي الفلسطيني والعربي عموماً، فهذا التحرك الشعبي الذي رأيناه أخيراً، بمثابة حراك جديد للقضية الفلسطينية، وإن كان هذا الحراك بحاجة إلى نقاش نظري لبحث كيفية تحويله إلى إطار عملي يصب في مصلحة الدولة الديمقراطية الفلسطينية الواحدة. وأعتقد أن شكل المقاومة الفلسطينية يتمثل حالياً في هذا الحراك الشبابي القوي داخل فلسطين، وذلك بعد اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد شهدنا بداية انتفاضة فلسطينية، وعمليات فردية للشباب بعيداً عن المنظمات الفلسطينية القائمة.
ما أريد قوله، إنه على ضوء قرار ترامب، عاد الحراك الفلسطيني، ولكنه ما زال في بداياته؛ لذلك يجب العمل على نموه وتطويره، بحيث يكون النضال الفلسطيني موحداً، ويتحول إلى حراك شعبي قوي داخل فلسطين ضد الدولة الصهيونية، بعد أن بات العمل المسلح صعباً للغاية، وتحول إلى عمل قريب للفردية، دون أن نتجاهل أهمية الصراع المسلح ذاته.
2011
تحدثت في كتابك ذاته عن فكرة «التحرر» التي انطلقت منها ثورات ما يسمى بـ«الربيع العربي»، وما تلاها من تطورات في المنطقة، كيف ترى تداعيات تلك الثورات على القضية الفلسطينية؟
ربما تكون ثورات الربيع العربي وما تلاها من تطورات في المنطقة سحبت الأضواء نوعاً ما من القضية الفلسطينية، لكن فلسطين كانت حاضرة في ثورات الربيع العربي منذ بداياتها..وأعتقد أن ما يجري الآن في المنطقة العربية سينعكس إيجاباً على القضية الفلسطينية.
المسألة الفلسطينية.. من سراب الدولتين إلى الدولة الواحدة
يطرح كتاب «المسألة الفلسطينية.. من سراب حل الدولتين إلى الدولة العلمانية الواحدة» للكاتب الفلسطيني سلامة كيلة، وجهة نظر مغايرة نوعاً ما للمسألة الفلسطينية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعودة إلى البديهيات التي حاولت السياسات المتبعة والتابعة طمسها. وأول تلك البديهيات- في طرح كيلة- أن فلسطين تبقى فلسطين، دولة ديمقراطية عصرية واحدة في هذه الأرض، على اعتبار أن طبيعة المشروع الصهيوني الإمبريالي لا تجعل مكاناً لحلول وسط، وذلك خلافاً لكل ما تراكم من «أوهام» وفق وصف كيلة خلال العقود الأربعة الماضية.
طابع أعم
أما ثاني تلك البديهيات التي ينطلق منها كيلة في كتابه هو ما تنطوي عليه عملية تجاوز القضية الفلسطينية لطابعها الفلسطيني إلى الطابع العربي العام، من أهمية قصوى، على أساس كونها قضية العرب. ومن هذا المنطلق تناول الكتاب تحليلاً شاملاً للظروف الراهنة لا سيما في أعقاب ما أفرزته ما يسمى بـ«ثورات الربيع العربي» من تطورات ومتغيرات جوهرية في المنطقة، إذ اعتبر من خلال ذلك التحليل أن تلك الثورات قد فتحت أفقاً جديداً لحل عادل للقضية الفلسطينية، حتى أوجز رؤيته في ضرورة إعادة بناء المشروع الفلسطيني ليهدف إلى بناء دولة تقبل بوجود اليهود ضمنها.
«فلسطنة القضية»
يتحدث مؤلف الكتاب- الصادر عام 2017، في مقدمته، عما سمّاه تلاشي الحركة الوطنية الفلسطينية، ويتحدث عن وقع اللحظة الكاشفة التي أوجدتها هزيمة يونيو عام 1967، والتي نهضت بعدها المقاومة الفلسطينية، على اعتبار أن الهزيمة كانت منعشة للميل الفلسطيني لخوض النضال وعملية «فلسطنة القضية»، ومن ثم يتحول الصراع إلى صراع فلسطيني- إسرائيلي، قبل أن توجد «ثورات الربيع العربي» واقعاً مغايراً.
تداعيات
ويواصل كيلة في كتابه شرح التطورات التي تلت ذلك التحول وما تلاه من تحولات أخرى دفعت بالتفكير في التحول من المقاومة للتحرير إلى القبول بالتسوية مع الدولة الصهيونية، من خلال تخليها عن الأراضي التي احتلتها في العام 1967، كما يتحدث عن تداعيات تلك الحالة.
وبعد تلك المقدمات الاستهلالية الشارحة لتحولات التعامل مع القضية الفلسطينية يخلص كيلة في كتابه إلى أن العديد من المآخذ على الاستراتيجية الفلسطينية التي لا وجود لها برأيه، ويعتقد أنه «ليس من الممكن إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس بعد سيطرة الدولة الصهيونية على أهم أراضي الضفة الغربية»، وفي ضوء الوضع القائم حالياً، والذي يشير إلى أن الإمبريالية الصهيونية هي التي تتحقق عملياً على أرض الواقع وأنه حتى الشرعية الدولية تحت رهنها.
إعادة بناء
يستفيض كيلة ضمن كتاب «المسألة الفلسطينية» في شرح تداعيات وانعكاسات ثورات الربيع العربي على القضية الفلسطينية في ضوء تلك التحولات الجذرية، مؤكداً اعتقاده أنها أعادت « المسألة الفلسطينية إلى صورتها الطبيعية كونها جزءاً رئيساً من العالم العربي»، ما يمثل سقوطاً لفكرة «فلسطنة» القضية. ويوضح أن الحل، برأيه، يأتي في إطار إعادة بناء المشروع الفلسطيني الهادف لبناء دولة عصرية ديمقراطية.. مراهناً على انعكاسات الأزمات الإمبريالية على الدولة الصهيونية من الداخل.