يكتسب الباحث في التراث، بصورة عامة، العديد من الصفات والسمات التي تضاف إلى شخصيته، خاصة حينما تكون نسبة كبيرة من بحوثه تعتمد على اللقاءات والزيارات الميدانية.

وكلما تنوعت محاور أبحاثه اغتنى بالمزيد من الخبرات الإنسانية والفكرية والروحية. وأكبر مثال على ذلك الباحث الإماراتي في التراث جمعة خليفة بن ثالث الحميري، الذي يمتلك مهارتَي الغوص والتصوير تحت الماء.

والذي يتسم الحوار معه بالثراء والتنوع، حيث يأخذ محاوره في أسفار متخيلة تتقارب من عوالم الرحالة ابن بطوطة، الذي يأخذ قراءه من جزيرة إلى أخرى ليكتشف في كل منها ما يزيده تشويقاً لمعرفة المزيد..

مؤكدا في كل محطة، أن أبحاثه وتعمقه تؤكد له، يوماً بعد آخر، أن تراث الإمارات غني بالدر المكنون وينطوي على مفردات ثرية ذات قيمة رفيعة..ويختزن قصصاً وحكماً وجماليات تمثل جوهر الحياة وفوح عطر الماضي.

2006 يقول بن ثالث في مستهل لقائه مع «بيان الكتب» بمناسبة صدور كتابه الجديد «صناعة السفن الخشبية في دولة الإمارات العربية المتحدة»: «من الطبيعي أن أكتسب خلال رحلة بحثي مع التراث منذ عام 2006 الكثير من الصفات التي أصبحت جزءاً من شخصيتي، ومنها التأمل والتواضع والتأني والصبر والإحساس بقيمة الوقت وفي المقدمة حسن الإصغاء».

ويحكي عن بدايات رحلة شغفه بالتراث قائلاً: «التحقت بعد تقاعدي عام 2006 بجمعية الإمارات للغوص. ولدى اقتراحهم تقديم كتاب عن الغوص واللؤلؤ لم أتردد، خاصة وأني كنت أجمع وأدوّن عبر السنين الكثير من المعلومات عنهما. وفتح لي الكتاب الأول محيطاً واسعاً أبحرت فيه عبر التراث بحماس وعشق جعلاني أدرك أنه مساري الذي كنت أنشده في الحياة».

ذاكرة

ويستطرد : «كيف لا، وأنا أحقق من خلال بحوثي هدفاً إنسانياً لبلدي، حيث أوثق تاريخه الشفوي التراثي قبل أن يغيب الموت ذاكرة الأجداد ونفقد إحدى حلقات الوصل بين أسلافنا وأجدادنا وآبائنا والأجيال من بعدنا. وأحرص على إصدار كتاب بحثي كل عام تزامناً مع اليوم الوطني لدولتنا الإمارات».

أما عن التحديات التي تواجهه في رحلات بحثه الميدانية فيقول: «هناك تحديات مختلفة، منها أن الكبار في السن حذرون جداً في الانفتاح على الآخر، وعليهم أن يختبروا مدى جديته قبل الإدلاء بمعارفهم التي شكلت جزءاً كبيراً من رحلة كفاحهم في الحياة.

كذلك ما واجهته في العديد من رحلاتي الميدانية، حيث أرتبط بموعد مع أحدهم ليأخذني إلى بعض الأمكنة التي أجري بحثاً عنها، لأجد نفسي في العراء أنتظر بلا طائل». وهنا يبتسم ويقول بحماس: «لم أعد خائباً من تلك المواقف؛ إذ ييسر الله أمري، مثل رحلة بحثي عن «طوي الفقع» قريباً من العين.

حيث انتظرت الشخص المعني بلا طائل، وبعد حين مرت سيارة راعي جمال في طريقه إلى وجهتي تلك، فسلمت عليه وسألته عن مكان الطوي وبلا تردد أخذني إليه بسيارته وصورته، كما دلني على بئر أخرى تبعد ربع ساعة».

أثر

ويتابع الباحث جمعة خليفة بن ثالث الحميري: «أما التجربة الإنسانية التي تركت أثراً عميقاً في نفسي، فكانت عندما توجهت إلى منطقة بين الشارقة ودبي بحثاً عن «طوي سويدان» الكائن في مزرعة، فما ان اقتربت من المزرعة حتى أوقفني أصحابها واستضافوني في خيمة. وعرفت من الابن الشاب أنه لم تطأ قدمه المزرعة منذ وفاة أبيه قبل 25 عاماً.

ومن ثم عرفتهم بعائلتي وأهلي وحسبي ونسبي. وقد تباسطوا معي في الحديث وبادر الشاب بأخذي في دولة ضمن المزرعة ومشاهدة الطوي، وكانت هذه لفتة إنسانية منه لن أنساها».

وسألناه عن جانب من حصاد ما جمعه ووثقه من التراث، فرد: «أصبحت مع مضي الوقت مستشاراً للعديد من الهيئات والمؤسسات الحكومية فيما يتعلق بالتراث، فقد زودت بلدية دبي بما يقارب من 3223 اسماً محلياً لتكون أسماء لشوارع وغيرها، أو للتيقن من بعض المسميات، حيث لكل إمارة مسمى مختلف للشيء نفسه».

وينتقل للحديث عن عمله الجديد قائلاً: «أعمل حالياً على كتاب مختص بمختلف تفاصيل الأزياء الإماراتية القديمة، من الذهب والحلي والزينة.. وإلى كيفية صناعة الخيط ونوعية الأقمشة التي يرتبط كل منها بمناسبات معينة واختلافها عن الخاصة بالمنزل، وأنا أجمع وثائقه وأعد مادته منذ عامين».

ويقول في ختام اللقاء : «بابي مفتوح للباحثين الشباب في التراث جميعاً، ولم أبخل على أحد يوماً بمعلومة أو مرجعية، فأنا أقدم العديد من المحاضرات في الجامعات والكليات دون أي مقابل، وذلك إلى جانب برنامجي الإذاعي على إذاعة نور دبي..وبعدها التلفزيوني المعني بالتراث، على قناة سما دبي».

«صناعة السفن الخشبية» بين ذاكرة الرواة والسجلات

يتميز كتاب «صناعة السفن الخشبية في دولة الإمارات العربية المتحدة»، للمؤلف جمعة بن ثالث الحميري، بكونه جامعاً شاملاً لما يرتبط بهذه الصناعة في الإمارات بين بحث وثائقي ولقاءات ميدانية مع من تبقى من صناع السفن الأوائل، إلى جانب صور أرشيفية وأخرى من الحاضر، ليشكل موسوعة قائمة بحد ذاتها، مع قيمة إضافية لذكر المؤلف أسماء الرواة الذين زودوه بزخم من المعلومات والمعارف عن السفن التي كانت تشكل فيما مضى محور عالمهم لجني الرزق.

ويعتبر الكتاب إضافة نوعية لأي مكتبة كانت، سواء خاصة بالأسرة أو المدارس أو المؤسسات، لكونه مرجعاً نادراً ودقيقاً، يساعد على رسوخ المعلومات في الذاكرة، بجانب جمعه بين المعرفة والأدب.

ويرجع بن ثالث في بحثه التاريخي إلى السجلات القديمة التي كانت عبارة عن «رقم» وهي ألواح طينية بيّن فيها الأسلاف كيف يستخدمون القوارب المصنوعة من عيدان البوص، لتصبح لاحقاً من خشب البلوط وغيرهما.

معلومات

يستعرض الكاتب من خلال عناوينه تلك التفاصيل المتعلقة بصناعة السفن الخشبية في الإمارات، فتحت عنوان: «السفن الخمس» يسلط الضوء على خصوصية أنواع السفن الخمسة بالمنطقة، فمنها المخصصة للغوص، وأخرى للتجارة أو الصيد. ومن معجم أسماء السفن هناك «الجالبوت» و«الصمعة» مع دراسة حول أصول سفينة «البغلة».

وفي بحث الأشرعة السبعة يتناول الباحث أنواع الأشرعة من نسيجها الذي يعرف بالغزل، ثم آلية تفصيلها، والأسماء السبعة الخاصة بكل نوع. ثم يعرج على أنواع الأخشاب، ومنها «الساج» الذي يعتبر بمنزلة الذهب بين باقي المعادن، الموجودة في الهند. ويتناول بالشرح الأدوات المستخدمة في تلك الصناعة، كالمنشار و«الجدوم» و«المنقر» بأنواعه والمطارق و«المجدح» لثقب الخشب.

وقد خصص الكاتب الفصل الحادي عشر من كتابه للحديث عن الأشعار التي قيلت في الريح من تراث الماضي، أما الفصل الأخير فشمل جميع المصطلحات التراثية الخاصة بالسفن مع مجموعة من الصور والرسومات التوضيحية.

إصدارات

1. الغوص واللؤلؤ في دولة الإمارات العربية المتحدة 2006

2. معجم المصطلحات البحرية في دولة الإمارات العربية المتحدة 2009

3. رجال الغوص واللؤلؤ 2009

4. الأسماك والحياة البحرية 2010

5. رحلة الغوص واللؤلؤ 2011

6. موسوعة الإمارات البحرية 2012

7. موسوعة الإمارات البرية: الجزء الأول 2013

8. موسوعة الإمارات البرية - الجزء الثاني 2014

9. دبي واللؤلؤ: الجزء الأول 2015

10. موسوعة الإمارات التراثية - الجزء الأول 2017

11. صناعة السفن الخشبية في الإمارات 2017