يهتم الباحث الإماراتي فهد المعمري بإبراز التراث الشعبي الإماراتي، بتسليط الضوء عليه ودراسته بمنهجية علمية متطورة، وإلى جانب اهتمامه بشؤون التراث المحلي فهو كاتب وإعلامي متميز صدرت له العديد من الأعمال في هذه المجالات التي تعكس اهتماماته، ولا سيما بالشعر الشعبي.
حول البحث في التراث بأسلوب علمي متطور، والمنهج التحليلي الذي تعتمد عليه أعماله، وما يحتاج إليه البحث العلمي في التراث ومؤلفاته التقته «البيان» في الحوار التالي:
** البحث في التراث الشعبي أسلوب علمي متطور، نريد أن نتعرف إلى وجهة نظرك في هذا.
لكل بحث خطواته وأدواته وأسلوبه، ولا سيّما ما يتعلق بالتراث الشعبي، وذلك يعود لطبيعة هذا الأدب المتخصص في تراث الشعب نفسه، فهو بطبيعة الحال يختلف عن بقية الشعوب، باللغة المتمثلة بالمفردات والمعاني، ثم بالكلمات الدخيلة له من الآداب القريبة التي عايشته لفترة طويلة حتى أصبحت هذه اللغة تشكل جزءاً من اللغة الشعبية، وهو ما يسمى بالدخيل، وهذا الدخيل يأخذ الخصائص اللغوية للموروث الشعبي من خلال التثنية والجمع، وأيضاً التصريف اللغوي، وبهذا تعد اللغة من الأساليب التي يجب مراعاتها والأخذ بها عند القيام بأي بحث يتعلق بالتراث الشعبي.
كما أن معرفة الموروث الشعبي بكل أطيافه مثل اللغة والشعر والأمثال والحرف والألعاب والعطور والزينة والحلي والعمارة التراثية والطب الشعبي التقليدي، تجعل من التراث الشعبي تراثاً له أصوله ومناهجه وأساليبه العلمية التي من خلالها نستطيع إيصال هذا التراث إلى الجميع، إذ ليس الكل له الإلمام بتراث الشعوب، فهو تراث خاص بكل شعب على حده، وتناوله بأسلوب علمي واضح وبسيط يساعد على ترسيخه وتمكين معرفته للكل وبمختلف الأعمار والجنسيات.
واليوم أصبحنا نرى بوضوح أهمية التراث الشعبي كونه تراثاً يشكل أساس كل شعب ويؤكد هويته الوطنية التي ورثها وهو اليوم يورثها لأبنائه.
** هل لك أن تصف لنا المنهج التحليلي للشعر الشعبي لديك؟
المنهج التحليلي الذي أتبعه في بعض الكتابات ولا سيّما في كتاب «بصمات عند شعراء الإمارات» هو منهج بسيط من خلال ربط الشاعر بالبيئة أولاً ثم بلغته الشعرية ثانياً ثم بأغراضه الشعرية ثالثاً، ومن هنا تتضح لي الكثير من السمات المشتركة بين عدد من الشعراء يتفقون في بعض المحاور الشعرية، سواء في المجتمع أو الحكمة أو النقد أو النصح والإرشاد.
وهذه المحاور لو قمنا بتحليلها من خلال المعطيات التي ذكرتها قبل قليل نصل إلى نتيجة واحدة وهي أن المؤثر الحقيقي للشاعر من خلال تلك المحاور يجعله يستنزف الكثير حتى يتميز من خلاله ولا ينافسه فيه إلا القليل الذين هم على شاكلته في هذا المحور، كما أن الغوص في البواطن الكامنة في نفوس الشعراء يجعلك تستخرج الكثير من الأمور الخاصة بالشاعر، إلا أن الخصوصية لكل إنسان تجعل له حاجزاً يمنعنا من الاقتراب منه، وهذا حق يمتلكه كل إنسان، ولكن المنهج التحليلي يستخرج هذه البواطن مهما كانت خفيّة.
** هل وصلنا في البحث في التراث إلى رؤية موضوعية ومنهج علمي حقيقة؟
من وجهة نظر شخصية، لا أستطيع القول إننا لم نصل إلى رؤية موضوعية ومنهج علمي، لأنني أرى أن التطرق إلى كتابة التراث الشعبي برؤية موضوعية لم يطرق بعد، فالأبحاث لا تزال في طور التدوين والتوثيق، أي مرحلة البحث والجمع، من خلال جمع الأشعار وتوثيقها في ديوان شعر، وجمع الألفاظ في معاجم، وجمع الأمثال في كتب الأمثال، وجمع شذرات تراثية متعلقة بالتراث الشعبي بمختلف البيئات البحرية والصحراوية والجبلية وضمها في كتاب لحفظ هذا الموروث، والبعض يتجه لتأريخ التراث الشعبي من خلال المدن باسطاً القول في عمرانها التراثي والمواقع التراثية التي توجد بها ونباتاتها الموسمية.
وهذا الجمع يشكل دائماً اللبنات الأولى للتوثيق، ولكن بعد هذه المرحلة تأتي مرحلة الدراسة المستفيضة لهذا التراث الشعبي، وهنا يأتي جو الرؤية الموضوعية والمناهج العلمية المتنوعة والنقد الذاتي.
** ألا تعتقد أن هذه البحوث والدراسات في مجال التراث بحاجة إلى المزيد من الباحثين المتخصصين فيها، في ما عدا عدد قليل من الجهات لا نجد عناية وتنظيماً في هذا الجانب؟
كما أسلفت قبل قليل مسألة البحوث والدراسات لا تزال غائبة عن الطرح، لذا نستطيع أن نقول إنها جهود قليلة وتحتاج إلى المزيد، لأنها بالفعل لم توجد إلى الآن بشكل يستدعي القول إنها موجودة، إلا من بعض الباحثين الذين بدأوا في هذا الحقل البحثي ولهم جهود وبصمات واضحة، ولكن لا تشكل مع الآخرين نسبة وتناسباً.
لذا فالأبحاث الخاصة بالتراث الشعبي لا تزال تستنهض الهمم في هذا الميدان، فمثلاً الأشعار لا تزال في طور الجمع والتدوين، ولكن هل من قام بدراسة الشعر الشعبي في لغته، في ألفاظه، في معانيه، في أساليبه، في محسناته اللفظية والمعنوية، في مصادره، في أثره وتأثره، هذا فقط في الشعر الشعبي، الأمر كذلك ينطبق في الأمثال والألعاب والعادات والتقاليد، التراث الشعبي تراث زاخر يرتكز على شقين مهمين الأول جمعه وتدوينه، والثاني دراسته من خلال الأبحاث والندوات والمؤتمرات، وبهذين الشقين نستطيع أن نقول قد بدأنا عملية الحفاظ على التراث الشعبي.
5ـ ماذا عن كتابك الجديد «البحر في التراث الشعبي الإماراتي»؟
كتابي الجديد يتحدّث عن البحر في التراث الشعبي الإماراتي، وقد انتهيت من تأليفه وأرسلته للطباعة وسيصدر قريباً، وفي الحقيقة هو عبارة عن دراسة الشعر الشعبي الإماراتي من خلال المصادر التي يستقي منها الشاعر، وكان البحر من أكثر هذه المصادر، فقد عاش الناس معه جلّ أعمارهم، فمنه يأكلون، ومنه يعملون، ومنه يكسبون لقمة العيش.
ومن هنا تشكّل لهم أدب شعبي من هذا المصدر، من البحر، شعراً ونثراً، ومن النثر تشكّلت الأمثال البحرية والكنايات البحرية والخراريف البحرية، وسوالف أهل البحر، إضافة إلى الفنون الغنائية، فهناك النهمة، التي شكلت الفن البحري الجميل، فجمعت هذا الشعر والنثر المتعلق بالبحر وأوردته في هذا الكتاب، وقسمته إلى قسمين هما قسم الشعر وقسم النثر، وفي الشعر أوردت كثيراً من الألفاظ والمعاني والحرف البحرية، وأيضاً ما كان متعلقاً برحلة الغوص.
وكان الداعي الأكبر للتأليف هو أنه البحر، فكيف إذا كان مصدراً للشعراء؟ كيف استغلّوا هذا المصدر؟ كيف وظفوا البحر في شعرهم، كيف خرج لنا اليوم أدب بحري؟ كل هذه التسؤالات كنت أسأل نفسي عنها أولاً، فلم أجد الإجابة، وعندما غصت في بحر الشعر الشعبي، وجمعت هذه اللآلئ من أشعار ونثر ووضعتها في هذا الكتاب، عندها أجاب الكتاب أن للإمارات أدباً بحرياً، كيف ذلك؟ إن هذا السؤال سوف يجيب عنه كل من سيقرأ الكتاب.