مثّل مطلع العام الماضي نقلة نوعية في سياسات الإمارات، حيث صادف ذلك بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وهي ضريبة استهلاك على السلع والخدمات، ومن قبلها الضريبة الانتقائية في الإمارات، والتي تنسجم مع السياسات المالية الحكومية، الهادفة إلى تقليص الاعتماد على النفط، وتعزيز الموارد غير النفطية، بهدف توفير الموارد المالية اللازمة لتغطية النفقات العامة.
ورغم حداثة التجربة الإماراتية في هذا المجال، إلا أن الدولة نجحت في تطبيق السياسات الضريبية من دون أي معوقات تذكر، وهو ما يؤكده الخبير المالي الدكتور محمد عبدالله صوان، في كتابه «الضرائب الحديثة في دولة الإمارات العربية المتحدة – ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية»، والصادر حديثاً عن دار الكتاب الجامعي، حيث يؤكد د. صوان في حديثه مع «البيان» أن الإمارات استفادت كثيراً من تجارب العديد من الأنظمة الضريبية في العالم، وأنها استطاعت تحقيق نسبٍ عالية من الامتثال الضريبي، مقارنة مع دول أخرى، تعاني من نسبة عالية من التهرب الضريبي، مؤكداً أن «القاعدة التي بينت عليها الضرائب الحديثة في الإمارات سليمة»، وأن أي تطوير وتحديث وإضافات للسياسات الضريبة مستقبلاً، ستكون أسهل.
حداثة التجربة الإماراتية في تطبيق نظام الضرائب، ونجاحها فيه، بدا أمراً لافتاً، ويستحق المعاينة عن قرب، وفي تقييمه للسياسة الضريبية في الإمارات، يرى د. صوان أن «الضريبة في الإمارات ليست بجديدة، ولكنها كانت شبه مجمدة أو معدومة».
وقال: «نص دستور الدولة على أن الإيرادات العامة للاتحاد تتكون من الضرائب، والرسوم والعوائد، كما نصت المـادة (133) من دستور الدولة على أنه لا يجوز فرض أي ضريبة اتحادية أو تعديلها أو إلغاؤها أو الإعفاء منها إلا بقانون».
وأضاف: «التطبيق الفعلي لضريبة القيمة المضافة والضريبية الانتقائية جاء بهدف تطوير وتنويع الإيرادات الضريبية، وتغطية النفقات الحكومية، في ظل عدم ثبات أسعار النفط وإيراداته، وكذلك للمساهمة في تأمين الخدمات الاجتماعية، والاقتصادية، وتحقيق متطلبات برنامج الإصلاح الاقتصادي، وبصفة خاصة إصلاح النظم المالية العامة».
امتثال
تطلب قرار تطبيق الضرائب الحديثة في الدولة من التجار والمستهلكين استعدادات كبيرة للتعامل مع نظام الضريبة المضافة بشكل يتسم بسلاسة وسهولة، ويصف المؤلف أن «بداية العام الماضي كانت الأصعب على التجار في تعاملهم مع النظام الجديد، وأيضاً على المستهلك الذي بدأ بدفع ضريبة لم يتعود عليها مسبقاً».
وقال: «رغم أن تطبيق الضرائب الحديثة (ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية)، بالتزامن مع تطبيق السعودية لها مطلع العام الماضي (في إطار قرار بهذا الصدد على مستوى مجلس التعاون الخليجي) جاء في وقت احتاجت فيه قطاعات الأعمال للتعرف على اللوائح التفسيرية والأدلة الإرشادية، إلى جانب انخفاض الوعي الضريبي بين بعض فئات المستهلكين وقطاعات الأعمال وتعريفهم وتثقيفهم وتهيئة أنظمتهم المالية والمحاسبية، إلا أن الإمارات استطاعت وبشهادة صندوق النقد الدولي، إحداث نقلة نوعية في مسيرة تطبيق النظام الضريبي الحديث، من خلال اتباع إجراءات وسياسات، سجلت نسبة امتثال ضريبي عالية، وسداداً في المواعيد المحددة»، مشيراً إلى أن الدولة استطاعت أيضاً بناء علاقة تعاون وشراكة فعّالة بين الهيئة الاتحادية للضرائب، وعدد من الدوائر الحكومية مثل الجمارك ودائرة الأراضي ودائرة السياحة والقطاع الاستثماري سواء شركات كبيرة أو صغيرة أو مستهلكين، وتحييد عدد من القطاعات وإعفائها من دفع الضريبة.
وقال صوان: «يسجل للسياسة الضريبية في الدولة نجاحها في تسجيل كافة المكلفين في أنظمتها وتهيئة الأنظمة والإقرارات الضريبية الإلكترونية وعملها بكفاءة وسرعة في الأداء، وقيام الهيئة الاتحادية بتسجيل وترخيص العديد من الوكلاء الضريبيين ونجاحها في إلزام الشركات بالتعامل بالفواتير الضريبية».
إيجابيات
ونوّه د. صوان إلى أنه من أبرز إيجابيات تطبيق الضريبة في الدولة تحقيق مصدر دخل لها بما يتجاوز 20 مليار درهم سنوياً، بالإضافة إلى إيجاد فرص عمل جديدة، من خلال رفع عدد الشركات الاستشارية الضريبة بالدولة، وأيضاً مدققي الحسابات.
في ظل عدم إمكانية الاستمرار باعتماد الدولة على النفط، كمصدر دخل أساسي للاقتصاد، وتوجهها نحو تنويع مصادر الدخل، فإن الضرائب قد تشكل مصدراً مهماً للاقتصاد المحلي، وفي هذا الصدد يشير د. صوان إلى أن النتائج لحصيلة ضريبة القيمة المضافة في عامها الأول، كانت غير متوقعة. وقال: «خلال العام الأول تم تحصيل نحو 27 مليار درهم، زيادة عن المبلغ المتوقع وهو 12 مليار درهم».