تتنوع اهتمامات اللواء الطيار أحمد محمد بن ثاني، مساعد القائد العام لشؤون المنافذ في شرطة دبي، البحثية التراثية والمجتمعية المتنوعة، إذ لا يمل الإضاءة على جماليات تراثنا ومكنون ما يشتمل عليه مجتمعنا من در ثقافي وتراثي، وهو ما تبدى أخيراً، في كتابه الصادر أخيراً «الغوص بو سبعة أرزاق».
إذ يحكي ابن ثاني لـ«البيان» بشكل عام أهمية وضرورة تركيزنا على النبش والتوسع أكثر في تراثنا البحري الذي لا يزال الكثير منه غير مدون، وكذلك يتحدث عن مضمون الكتاب وقيمته ودوافع تأليفه وسبب هذه التسمية: إنه اسم يطلق على حرفة ومهنة الغوص في دولة الإمارات وبالخليج العربي عموماً، إنه اسم متأصل في التراث البحري ومهنة الغوص، نظراً لسعة الرزق الذي تحصل عليه الفئات المشاركة بعملية الغوص، وذلك مثل صاحب السفينة «النوخذة» و«الغيص» وغيرهما من الأشخاص.
كما أن للاسم دلالة على ما كان يولده الغوص بموسمه وقبله من حراك اقتصادي، وذلك بشكل خاص في دبي، التي كانت تستحوذ على 50 % من مجموع سفن الغوص، وحيث تنشط حركة بائعي الحطب ومعدات الغوص والنجارين لصيانة السفن وجمعيهم يعيشون على هامش الربح من رحلة الغوص على اللؤلؤ.
ثرية هي الجلسة مع الباحث أحمد محمد بن ثاني، حيث تجده يروي جملة من القصص الشيقة عن تراث الإمارات بشأن الغوص قديماً، وقد ركز في سياق ذلك على قصة ضمها كتابه بعنوان «نقفة بن مسعود».
إذ يقول: النقفة تطلق على اللؤلؤة الملتصقة بالمحار، وبيعها وشراؤها مجازفة، فقد تكون لؤلؤة أو مجموعة من الطين ولا قيمة لها، وقد اشترى ابن مسعود من أهل دلما نقفة بقيمة 500 روبية ثم بيعت بقيمة 25 ألفاً، وذلك بعد الحصول عليها من أحد الغواصين بطريقة محترفة.
5 سنوات
يتطرق ابن ثاني إلى مدة تحضيره للكتاب وطبيعة الاشتغال عليه، يقول ابن ثاني: استغرقت مني عملية الإعداد للكتاب فإصداره، قرابة خمس سنوات، فبما أني أتابع أعمالي اليومية الوظيفية، فلم يكن هناك الوقت الكافي لإنجاز الكتاب بسرعة، كما أني كنت أراجع المادة بنفسي من خلال إعادة الصياغة ومراجعة ذوي الخبرة وأصحاب القصص للتأكد والتثبت، وحاولت أن أصل إلى أدق تفاصيل تلك الحرفة وأسرارها، إضافة إلى أني استفدت من الكثير من المعلومات التي في جعبة الأراشيف والمراكز البحثية، مثل مركز جمعة الماجد الذي أعطاني الكثير من التسجيلات الصوتية والخاصة بالشيوخ والنواخذة والطواويش، وبعض المعلومات حصلت عليها من مركز الأرشيف السريلانكي بما يتعلق بأهل الخليج العربي والغوص في سيريلانكا وهو موجود في قسم من الكتاب، إضافة إلى أني حصرت في كتابي كل مغاصات اللؤلؤ التي نسميها «الهير» وجمعها هيرات، وتبلغ تقريباً 260 هيراً، وتمتد من رأس الخيمة إلى رأس بو علي غربي البحرين.
وهذه الهيرات موجودة في خريطة المرحوم الشيخ مانع بن راشد آل مكتوم، وحاولت أن أبسط العملية وطابقت وقارنت ومزجت تلك الخريطة مع «غوغل إيرث» فتبينت دقة المواقع وحددت الإحداثيات بالنسبة إلى كل هير.
«مجلس وورشة والدي»
وأما عن خبراته في المجال وكيفية امتلاكه معرفة بالغوص، فيؤكد اللواء الطيار أحمد محمد بن ثاني، أن وجوده بجانب والده، أطال الله في عمره، أكسبه الكثير من الاطلاع والمعرفة بأمور البحر والنجوم وغيرها، ففي ورشة والده الملاصقة للبيت بمنطقة أم سقيم في فريج المنارة، كان يتجمع أصدقاء والده وهناك كان يستمع منهم إلى القصص عن البحر والغوص والنجوم.
فهي كانت بمثابة ملاحم، كما يقول، في مجال الغوص والنجوم.
ويسرد الباحث ابن ثاني بعضاً من المخاطر التي كان يتعرض لها الغواص في رحلة المشقة، والتي استعرضها في كتابه، فيقول: إن مهنة الغوص هي من أقسى أشكال العمل الإنساني، فالإنسان يعمل في الجبال والبر ولكن العمل في أعماق البحر مهمة شبه مستحيلة لاختلاف الضغط وللمؤثرات والمخاطر.
وقد كان الغواص يتعرض لعدة مخاطر مثل سمك «اليريور» ومحلياً يسمى «اليارح» بمعنى جارح وخطر، وسمك «الرماي» وله أشواك طويلة تنغرز داخل جسم الغواصين وتتفتت في جسمهم ما يسبب لهم آلاماً كبيرةً، إضافة إلى ضغط الأعماق حيث تنفجر أذناه، وبجانب ملوحة البحر.
كما أن الغوص في الخليج العربي يختلف عن الغوص في مناطق أخرى ويحتاج إلى بذل جهود كبيرة وهو موسوم بصعوبات كثيرة، وذلك أولاً من ناحية اختلاف المناخ، فالغوص في الصيف يستغرق 4 شهور و10 أيام، وله قواعد عرفية وقاعدة قانونية وقاعدة إدارية تضبط وتحكم هذه المدة وتكون في فترة مستمرة وحارة جداً.
وطبعاً، فإن الغواصين العرب في الخليج العربي تعودوا القسوة والشدة فهم كانوا يتناولون وجبة واحدة وهي وجبة العشاء، التي تتكون من أرز أبيض وسمك مشوي فقط، وطوال اليوم يكتفون بالقهوة والماء الذي يعطى لهم بكميات محددة وبحساب دقيق، ولا يكون هناك استحمام بالماء العذب طيلة رحلة الغوص.