حازت الروائية السويدية سلمى لاغرلوف (1858 ـ 1940) على جائزة نوبل في الأدب سنة 1909، وكانت أول سويدية تفوز بالجائزة التي انطلقت توزع منذ سنة 1901. وكانت روايتها «مغامرات نيلز العجيب»، التي صدرت سنة 1906 هي الأشهر والأبرز من بين أعمالها، وكتبتها، بعد تكليف من الاتحاد الوطني للمدرّسين في السويد بتأليف كتاب تربوي للأطفال يثير اهتمامهم بجغرافية بلدهم، تحمّست للفكرة.
وأمضت ثلاث سنوات في القراءة والترحال في أنحاء السويد، لكي يولد كتابها متضمناً جغرافية للمكان، من خلال البلدات والمدن التي زارتها، وللروح، من خلال ثقافة هذه الأماكن، والحكايات الشعبية التي استمتعت بسماعها وهي صغيرة معرّجة على العادات والتقاليد والفنون الشعبية وليكون كتابها شاملاً.
عطش روحي
أصيبت سلمى بشلل الأطفال صغيرة، وظلـّـت تعرج وهي كبيرة، وكان لمرضها الأثر الأكبر في ترك الدراسة مبكراً غير أنها واصلت تعليم نفسها عبر القراءة الدؤوبة، وعملت فترة في حقل التدريس..
كما عاشت فترة ملحدة وعطشى للارتواء الروحي، كتبت عن تجربتها قائلة: «عندما أكتب أعيش في وحدة كبيرة، وعليّ أن أختار بين حياتي وحدي وأنا أكتب، وبين أن أعيش مع الآخرين ولا أقدر على كتابة كلمة واحدة»، وبعد أن تنتهي من الكتابة تقول: «يخيّل إليّ أن شخصاً آخر هو الذي كتب لي».
دائرة نيلز
في الرواية نقرأ، أن نيلز الفتى السيئ الطباع حتى أنه لا يصلح لأي شيء ويرى سعادته في أن يأكل وينام وإيذاء الحيوانات والطيور، رأى قزما يعبث بأغراض أمه يوماً فاصطاده بشبكة صيد الفراش وبعد أن توسل إليه القزم وأغراه بهدايا أطلق سراحه، ولكن ما إن استعاد القزم توازنه حتى لطم نيلز وأدخله في غيبوبة وحوّله إلى قزم مثله وحين أفاق نيلز أيقن أن القزم قد سحره فظل يبحث عنه لعقد سلام معه ومصالحته ليعود كما كان.
حاول نيلز الاستعانة ببعض الحيوانات والطيور لمعرفة مكان القزم، إلا أن إيذاءه المستمر لها جعلها ترفض الفكرة، ولم تكتفِ برفض مساعدته بل وسخرت منه، صاح عصفور: انظروا إلى نيلز الولد الغبي.. ها هو عقلة الأصبع، انظروا إلى نيلز عقلة الأصبع. وصاح الديك:
هذا جزاؤه لقد نتفَ ريشي. أما القط «بوسي»، الذي كثيراً ما كان نيلز يشده من ذيله ففتح عينيه حتى لمع الخبث فيهما ودار حول نفسه ثم أصدر صوتاً يعبر عن الرضا قبل أن يلـوّح بمخالبه لنيلز بعد أن استعطفه نيلز قائلاً: بوسي حبيبي دلـّـني يا قطي الظريف أين أجد القزم؟.
.أما البقرات الثلاث فقالت لنيلز على التوالي: «تعال هنا لتلقى رفسه لن تنساها.. تعال هنا لترقص فوق قرني.. تعال لتجرب ما كنتُ أحس به حين تقذفني بحذائك الخشبي. الغريب أن نيلز كان يسمع كل تلك الأقوال بوضوح ورغم أنه اعتذر عن تصرفاته السابقة تجاه الطيور والحيوانات، إلا أن أي أحدٍ منها لم يساعده، وبعد أن أدرك بأنه لم يعد يخيف أحداً، أصبح نيلز تعيساً وراح يفكر في أمه وأبيه وأصدقائه ومستقبله».
حب المغامرة
مرَّ سرب من الأوز البري الرمادي فوق المزرعة وشاهد الداجن المستأنس فهبط قريباً منه وناداه: «تعال معنا فنحن في طريقنا إلى التلال»، وأغرت هذه الكلمات الأوز الدواجن وفجّرت في نفسه لهيب الحب للمغامرة، سمع نيلز هذه الكلمات وفكر بالخسارة التي سيشعر بها والداه فأمسك برقبة ذكر الإوز لكنهما ارتفعا معاً..
وبعد صراع نظر نيلز وهو ممسك بذكر الإوز إلى أسفل ليشاهد الحقول الخضراء المربعة الشكل والبساتين والغابات، هكذا وجد نيلز نفسه مصطحباً سرب الإوز البري الرمادي اللون والمكون من 13 إوزة بقيادة الإوزة العجوز الحكيمة آكا.
وممتطياً ذكر الإوز الأبيض المستأنس في مزرعتهم والأكبر من الإوز البري بعد أن حاول نيلز كبح طيرانه لكي لا يخسره والداه ولكنه انطلق طائراً وفوقه نيلز الممسك بريشه بقوة وفزع، ولم يعد أمام نيلز سوى مرافقة السرب حيث يطير.
رحلة ثرية
تغير نيلز وبات يساعد الطيور والحيوانات الضعيفة، وانتشر خبر نيلز الذي يساعد الطيور والحيوانات وبات يتمتع بسمعة حسنة وبذلك خلق له أعداء وأصدقاء جددا، فها هو الثعلب سمر يتبع السرب أينما ارتحل لينتقم من نيلز الذي ساعد إوزة على الخلاص من براثنه. كما صادق نيلز اللقلق آرمنخ وتعرف على العديد من الحيوانات والطيور التي لم يشاهدها من قبل..
كما تعرف على الكثير من القلاع والكنائس ذات الأبراج العالية والبحيرات والأنهار وشاهد الطرق والسكك الحديدية ومرَّ بالعديد من الجزر والخلجان والمرتفعات والوديان والمدن والقرى، وتمتع بالطبيعة الخلاّبة لبلاده وعرف الكثير من تاريخها وعاداتها وأساطيرها وحكاياتها الشعبية، وشاهد كيف تتقاتل بعض الكائنات فيما بينها في صراع من أجل البقاء وتعلـّـم منها بعض الحيل كما تعلـّـم العزف على المزمار وصار ينشد أعذب الألحان.
مخاطر
حياة نيلز الجديدة لم تخلُ من المخاطر فقد اختطفته الغربان وأساءت معاملته بتحريض من الثعلب سمر لكنه نجّى نفسه بالحيل التي تعلـّـمها، وشاهد نيلز في مزرعة منعزلة بقرة مسنة ترعاها امرأة عجوز مريضة هجرها أولادها وأحفادها، داهمها الموت فجأة وهي وحيدة، وهنا تذكر نيلز أمه وأباه اللذين تركهما وحيدين ولا يعرف عن مصيرهما أي شيء وبات يتمنى العودة إليهما.
في السينما والتلفزيون
تحولت الرواية «مغامرات نيلز العجيب» إلى فيلم سينمائي محبب للكبار والصغار، وإلى مسلسل كرتوني نال شهرة واسعة، وقد تباين المسلسل الكارتوني قليلاً عن الرواية لدواع فنية أضيفت على المسلسل لجعله أكثر جاذبية، حيث أعاد الساحر نيلز إلى حجمه الطبيعي بعد أن أجرى له اختباراً بمساعدة من قائدة الإوز آكا، ثبت من خلاله أن نيلز أصبح فتى طيباً يحب الحيوانات والطيور ويساعدها، ثم عاد نيلز سالماً إلى والديه اللذين فرحا بعودته.
إضاءة
ولدت الروائية السويدية سلمى لاغرلوف (1858 ـ 1940) في قرية تابعة لمقاطعة فارملاند على الحدود السويدية النرويجية، وسافرت إلى العاصمة ستوكهولم للعلاج، وهناك تابعت الحركة المسرحية نصّـاً وفنـّـاً وأظهرت اهتماماً بالشعر محاباة لأبيها الذي يهوى الشعر، كتبت المسرحية والرواية، وكانت أولى رواياتها «جوستا برلنج » سنة 1891. كتبت سلمى مذكراتها في ثلاثة أجزاء استغرقت عقداً كاملاً، وكان من أهم أعمالها الروائية «امبراطور البرتغال»، و«قصة ريفية».