تعد أوبرا "الحب لثلاث برتقالات"، للمؤلف الروسي سيرغي بروكوفييف، الذي تميزت موسيقاه بروح ساخرة لاذعة وغنائية لحنية منفردة الجمال، نموذج الإبداع الذي يتكئ إلى الضحك والسخرية لنقد واقع مجتمعي مترد.

أول مقطوعة

ولد سيرغي بروكوفييف عام 1891 في سونتسوفكا، في منطقة إكاتيرنوسلاف في أوكرانيا. وكتب أول مقطوعة للبيانو وهو في سن الخامسة، وفي التاسعة كان يعزف أسهل سوناتات بيتهوفن. وتتميز أعماله الاحترافية الأولى بأسلوب ساخر جداً يعكس التطور الفني في السنوات الأخيرة للحكم القيصري في روسيا. وهاجر الى الولايات المتحدة الأميركية عام 1918 فألف خلالها أشهر أوبراته:

(الحب لثلاث برتقالات). ومن ثم غادر الى فرنسا عام 1922 حيث استقر في باريس حتى 1936. وكتب خلال هذه الفترة أحد أهم أعماله كونشرتو البيانو الثالث والسيمفونية الخامسة وباليه الابن الضال وباليه روميو وجولييت.

وفي عام 1936 قرر بروكوفييف العودة تدريجياً الى الاتحاد السوفييتي، حيث كتب أعمالاً هامة جداً، مثل: أوبرا (الحرب و السلم)، السيمفونيتان العبقريتان الخامسة والسابعة، السيمفونية كونشرتو للتشيللو والأوركسترا، باليه زهرة من حجر وموسيقى لفيلم المخرج سيرجي أينشتاين (ألكسندر نيفسكي). وتوفي عام 1953 فجأة إثر نزيف دماغي ولكن وفاته صادفت يوم وفاة الطاغية ستالين. فلم ينتبه أحد لوفاته.

1918

بدأت قصة هذه الأوبرا خلال جولة المؤلف الموسيقي الروسي الكبير سيرغي بروكوفييف الفنية الأولى في الولايات المتحدة الأميركية عام 1918..

حيث قدم سلسلة كبيرة من الحفلات الموسيقية الناجحة جدا لاقت فيه مؤلفاته استحساناً كبيراً لدى الجمهور، وخصوصاً السيمفونية الأولى التي يطلق عليها اسم الكلاسيكية. ونتيجة لهذا النجاح الكبير طلب مدير أوبرا شيكاغو من بروكوفييف تأليف أوبرا لتقدم على مسرح دار الأوبرا في شيكاغو مستقبلاً.

فأعجب بروكوفييف بالدعوة وبدأ العمل على إعادة صياغة مسرحية من مدرسة الكوميديا ديل ارتي للكاتب الإيطالي بعنوان (الحب لثلاث برتقالات)، على أرضية حكاية ايطالية شهيرة للأطفال تحمل الاسم ذاته للكاتب جيامباتستا باسيل، ونظراً للمعرفة الهزيلة لبروكوفييف باللغة الانجليزية وصعوبة تقديمها الروسية للجمهور الأميركي، قدمها باللغة الفرنسية.

وبعد فترة ظهرت النسخة الانجليزية والروسية. وقدم العرض الأول على مسرح اوبرا شيكاغو في 30 ديسمبر عام 1921. والعرض الأول في روسيا عام 1926. الفصل الأول

يبدأ العرض بطريقة ساخرة. إذ تظهر مجموعة من رجال المدارس المسرحية: الدراميون، الكوميديون، الساخرون.. وهم يتناقشون حول المدرسة الأفضل في المسرح. ويتطور النقاش الى عراك شديد يوقفه إعلان حاجب الملك بأن الأمير مريض روحانيً. فيسدل الستار لتبدأ الاوبرا.

يظهر ملك البلاد مرتدياً ثوباً رسمت عليه علامة إحدى أوراق اللعب (الشدة أو الكوتشينة)، ومعه مستشاره الخاص بانتلون يرثون. ثم مرض الأمير واشتدت كآبته بسبب ولعه المرضي بالشعر الدرامي.

فيدخل الأطباء ويخبرون الملك أن علاج الأمير هو الضحك. ويكلف المستشار المهرج تروفالدينو بتنظيم احتفال فكاهي ضخم. ويأمر الملك وزيره الأول لياندرو (الذي يكن الحسد والكره سراً للملك والأمير) بالمهمة نفسها.

في المشهد التالي، يظهر أبطال المسرحية الآخرين. فنرى الساحر تشيلي من أنصار الملك.. والساحرة فتا مورجان من أنصار الوزير.

ينقلنا بروكوفييف بعدها الى جو آخر ينضح بروح المؤامرة فنسمع وتريات الاوركسترا وآلات الإيقاع..ونتبين حينذاك، أنه يكتشف الوزير تنصت الخادمة اسميرالدينا على حديثه مع كلاريس. ولكنها تطمئنه أنها في خدمة الساحرة فتا مورجان وأنها رهن أمره. ويسدل الستار على ختام هذا الفصل.

الفصل الثاني

يضعنا المؤلف هنا في أجواء الأمير المريض فنسمع غناء يشبه البكاء ونسمع المهرج تروفالدينو يحاول بشتى الطرق إضحاك الأمير وإقناعه بالذهاب الى الاحتفال المخصص له. ولكن الأمير يرفض بشدة برفقة نغمات حادة، فلا يجد المهرج مخرجاً سوى حمل الأمير على ظهره وقيادته الى الاحتفال، على لحن أشهر ألحان الأوبرا: «المارش الكبير»..لكن الامير لا يضحك.الفصل الثالث

ترسم الاوركسترا جواً سحرياً في بداية الفصل الثالث فيظهر الساحر تشيلي ليخبر الأمير وتروفالدينو عن مكان وجود البرتقالات، وأنه يجب تقشير البرتقالات بالقرب من الماء لأنها ستموت بدون الماء. ثم يعطيهم حبلاً حريرياً سحرياً سيساعد في تهدئة الطباخة الرهيبة.

يصل الأمير وتروفالدينو إلى قصر الساحرة. فيلتقيا بالطباخة التي تستقبلهما بصراخ قوي مخيف. لكن تروفالدينو يبدأ بمهادنتها ثم يلفها بالحبل فتهدأ بعد أن كانت تزمجر في وجوههم، فيدخل الأمير ليسرق البرتقالات الثلاث ويهرب مع صديقه المهرج في ظل ألحان قصص الأطفال الأسطورية التي ما تلبث أن تتغير لتصبح غنائية مضطربة عند وصولهم الى مرج فسيح خال من الماء خارج قصر الساحرة.

بعد هذه المغامرة المتعبة يغفو الأمير. أما تروفالدينو فكان عطشاً من سرعة الركض أثناء الهرب فيقشر برتقالتين ليطفئ ظمأه. فتخرج من البرتقالتين أميرتان جميلتان: لينيتا ونيكوليتا. ومباشرة تطلبان شرب الماء من تروفالدينو الذي يسرع بالبحث عن الماء ولكن الأميرتين تموتان من دون ماء فيجزع تروفالدينو. ويهرب خوفاً من عقاب الأمير .

يسأل الأمير من الأميرة نينيتا الموافقة على الزواج به. لكنها تطلب منه أخبار والده الملك أولاً وإحضار ثوب يليق بالزفاف ويودعان بعضهما بأغنية حب شاعرية ثم يسافر الأمير لتلبية طلبات عروسه الجميلة.

وفي غيابه تظهر الساحرة فتا مورجان. وتحوم حول الأميرة نينيتا وتحولها الى جرذ كبير بمساعدة الخادمة اسميرالدينا. فيدخل المسرحيون ويغنون عن المؤامرة التي قامت بها الساحرة فتا مورجان. لتحل اسميرالدينا مكان الأميرة وتبدأ بإقناع الأمير ووالده الملك أنها العروس.

الفصل الرابع

يبدأ سيرغي بروكوفييف هذا الفصل بغناء ايقاعي حاد للساحر تشيلي يتهم فيه الساحرة فتا مورجان بالحيل الوضيعة. ويطلب منها التوقف عن هذه الألعاب الوسخة.. ويكتشف الملك أسرار المؤامرة ويأمر بشنق وزيره لياندرو وكلاريس بنت عم الملك والخادمة اسميرالدينا.

ويغلب على ألحان الأوبرا، انفعالية شاعرية تنقل لغة بروكوفييف الخاصة الشديدة التميز. فتنافراته وانتقالاته الحادة تعكس شخصية ساخرة، التي ساعدت لاحقاً بتكامل شخصية سيرغي بروكوفييف كمؤلف وصاحب مدرسة صلبة.

1954

تشكل شخصيات هذه الأوبرا بالنسبة للرسامين والعاملين في الفن التشكيلي، بيئة خصبة للعمل. فكثيرون يحاولون نقل فن هذه المدرسة الى الفن التشكيلي. وتميز بعض من هؤلاء الرسامين الذين جسدوا هذه الأوبرا في لوحاتهم، مثل الرسامة المقدونية دانييلا ناستوسكا، التي قدمت أميرة البرتقالة الأولى لينيتا.

1984

صور الرسام الأميركي دايفيد ليفيل، هذه الأوبرا بطريقة كلاسيكية جداً، في لوحته، معتمداً على قصة الأطفال الأولى.

1981

الفنانة الروسية اناستاسيا هوهرياكوفا، جسدت هذه الأوبرا بطريقة الأساطير الشعبية الروسية.

1938

ظهور موسيقى سيرغي بروكوفييف في السينما، كان استثنائياً. فكل محبي الفن السابع يتذكرون جمال وقوة الموسيقى التي كتبها لفيلم (ألكسندر نيفسكي) للمخرج العملاق سيرجي أينشتاين عام 1938. واستخدمت في موسيقى هذا الفيلم مقتطفات من الموسيقى الاوركسترالية لأوبرا (الحب لثلاث برتقالات).

1975

المخرج وودي ألن استخدم موسيقى هذه الأوبرا بشكل درامي، يقارب الأسلوب المسرحي في لوحته السينمائية الجميلة (الحب والموت).

1989

ظهرت العديد من النسخ السينمائية التي قدمت هذه الأوبرا، ولكن لا نستطيع إخفاء إعجابنا بفيلم المخرج الفرنسي جين فرانكيس جانك، الذي حمل اسم الأوبرا نفسها.