«ما هي أخبار المغنية الصلعاء؟ لا تزال تصفف شعرها بالطريقة نفسها!». هذه كلمات سطّرها المسرحي الفرنسي وأحد رواد مدرسة العبث: يوجين يونسكو، في مسرحيته الشهيرة «الكراسي والمغنية الصلعاء»، التي عرضت، للمرة الأولى، في 11 مايو 1950م، في العاصمة الفرنسية باريس.
وتعبر المسرحية عن ذروة الفصام الإنساني، كما تعتبر واحدة من أشهر الأعمال التي تجسد مدرسة العبث وتلخّص جوانبها وملامحها.
حبكة
في منزل زوجين من الطبقة المتوسطة مقارب لأحد الشواطئ، وهو منزل السيد والسيدة سميث، تدور الأحداث ما بين داخل المنزل وخارجه في الحديقة ذات العشب الأخضر، بينما المنزل يتوسط الخلفية. أما الحركة في المسرحية فهي قليلة.
حيث لا يعتمد «يونسكو» عليها بصورة واضحة أو بصورة متزنة، فهناك تباين ملحوظ في سلوك السيد والسيدة سميث؛ حيث يظل قابعًا على كرسيّ يتصفح الصحف، فيما تقف الزوجة بكعب عالٍ للغاية، تستعرض أناقتها بملابس لافتة.
ما يجذب القارئ أو المشاهد لمسرحية يونسكو الأولى «الكراسي والمغنية الصلعاء»، هو الأحاديث الدائرة بين الزوجين، حيث تشير إلى اغترابهما عن بعضهما وعن المكان؛ حتى أن كليهما يشير إلى مكان سكنه وعنوان منزله بطريقة تؤكد أنهما غرباء ولا يشعران بوجود بعضهما.
المسرحية تحمل أيضاً الكثير من المفاهيم والأفكار المتنوعة؛ بداية من الاسم، ووصولًا إلى علاقة الزوجين والأشخاص الغريبة الذين يحضرون فيما بعد إلى المنزل.
فبالنظر إلى اسم المسرحية «المغنية الصلعاء» نجد أنه لا علاقة له بالمسرحية؛ إلا أنه يستخدم لتوضيح تيمة العمل الأساسية، حيث نتبين في العمل غياب العلاقة بين الزوجين وتيه كليهما في عالمه وسكونه في مكان لا ينتمي إليه، فرغم سنيهما المتقدمتين يجهلان بعضهما البعض. وتتوجب الإشارة هنا، أنه، ورغم تلك الاعتبارات، لم تخلُ المسرحية، من ملمح كوميدي خفيف.
سؤال محوروليس من فراغ أن تكون المسرحية إحدى أبرز المسرحيات العبثية؛ إذ أسست ببساطتها لقواعد هذا النوع المسرحي الذي انطلق إلى مختلف الدول. وبالعودة إلى سيرة أوجين يونسكو نجد أنه كان متأثرًا بالسريالية، بما تحمل من علاقة غير واضحة بين الواقع والحلم واندماج كل منهما معًا لتنتج في النهاية عالمًا ثالثًا يغلب عليه الجانب الكابوسي.
ويتضح في السؤال الذي يتكرر كثيرًا حول المغنية الصلعاء. هذا السؤال وجوابه كفيلان بتوضيح فحوى المسرحية وفحوى الحوار، ومع هذا لا ننكر أن الحوار فيه العديد من الطرح الفلسفي حول جدوى حياة الإنسان وما يفعله على ظهر هذا الكوكب القاتم، كما يصوره يونسكو بتشاؤمه.
غياب البطل
مع انهزام الإنسانية أمام الآلة في الثورة الصناعية وانهزامها مرة أخرى أمام الوحشية في الحرب العالمية الثانية، لم يكن للفن بمكوناته، إلا أن يعترض بطريقته الخاصة؛ وذلك عبر تنحية البطل- هذا الذي يحمل ملامح البطولة والأسطورية بداخله..
.وتلك هي الحال في مسرح العبث..ومثاله اللامع مسرحية « الكراسي والمغنية الصلعاء» نجد غيابًا واضحًا للبطل، بينما هناك أشخاص غير معلومي الهوية؛ حتى انهم لا يعرفون أنفسهم أو يميزون بعضهم البعض.
ونجد في العمل، أنه مع اقتراب النهاية، يحضر شخص، يمكن أن يعتبره المتلقي المخلّص لهذا العبث الكلامي بين الزوج والزوجة، اللذين يشكلان محور العمل، وهذا الشخص هو قائد مجموعة من الإطفائيين؛ تبدو على ملامحه القوة والشجاعة والإقدام لإنقاذ هذين الزوجين (البشرية) من ما هما فيه من صعوبات في التواصل.
وسرعان ما يستشيط غضبًا من ثرثرتهما الفارغة؛ إذ يقدم رئيس الإطفائيين وجهًا -مؤقتًا- للمنطق ولحديث العقل؛ لذا تقع مشاجرة كلامية ترتفع فيها الأصوات ولا تخفت حدتها إلا باستجابة هذا الأخير للزوجين؛ حيث يتجاوب معهما ولا يعبأ بشيء.