يفتتح إبراهيم العريس كتابه «بين الضفتين.. لحظات عربيـة في الثقافة الفرنسية» باستعادة السجال الذي لم ينقطع حول حملة نابليون بونابرت على مصر أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، بين قوى ذات وزن لا ترى في الحملة سوى جانبها العدواني الناجم عن الغزو، وقوى أخرى أيضاً ذات وزن في الفكر والسياسة ترى في الحملة جانباً آخر غير العداء.
هو ما نتج من الحملة من إنجازات حضارية انعكست إيجاباً على الثقافة والعلوم، وشكلت فاتحة نهضة انتشرت معالمها في مصر وأقطار أخرى من العالم العربي. هذا السجال الخلافي استعر مجدداً في السنوات الأخيرة، ولم ينج منه كتاب وأدباء تلقحوا بالثقافة الفرنسية من أمثال طه حسين، فشملهم عداء الأصوليات الصاعدة والفكر المعادي للتقدم.
ويقدم الكاتب وجهة نظره في حملة نابليون، فمن دون إنكار السلبيات التي رافقتها والتي تنتمي إلى الممارسة الاستعمارية، يشير إلى أنه في ذهن بونابرت وفي خيالاته، كان هدفه إيديولوجياً وتنويرياً بقدر ما كان سياسياً واقتصادياً.
ويرسم الكاتب بورتريه، لهذا النموذج المبدع فرنسياً، أو عربياً، ومن مفكرين وأدباء، وسينمائيين، ورسامين أو مجرد مغامرين، وهذا التقديم يأتي عبر حوارات مع أبرز المستشرقين والمستعربين من الذين يرسمون خط سيرهم وسط تعرجات هذا العالم العربي ورماله المتحركة وآفاقه الفردوسية.
منها كيف كان ينظر شاعر رحالة كجيراردي نرفال إلى الشرق، فيما كان رفاعة الطهطاوي ينظر إلى باريس. أو كيف استوحى بيكاسو او ماتيس أو ديلاكروا الشرق لفرض أشكال ومواضيع وألوان جديدة على الفن الفرنسي والأوروبي من نظرة كوكتو الى مصر، إلى تجوال بيار لوتي في مدن الشرق، ومن غرق ايزابيل ابرهاردت في صحراء الجزائر، إلى سجن اندريه ميكيل في مصر الخمسينات، تتحرك العلاقة بين فرنسا والعرب.
ويقدم العريس صورة عن بعض المستشرقين الذين يشكلون علامات مضيئة في الثقافة العربية، فيتحدث عن جاك بيرك ومكسيم رودنسون واوليغ غرابار وجان مالوري وغيرهم عبر حوارات أجراها مع بعضهم. يرى العريس أن جاك بيرك يمثل أحد النماذج الأساسية للقاء الضفتين العربية والفرنسية.
كما يرى الكاتب أنه كان للضفة العربية موقعها في تلاقح الثقافتين الغربية والعربية.