«الحياة مثل رقصة السامبا الشهيرة، تستلزم منا تحريك الوسط وهز الأرداف، لكنها لا تفرض علينا الدهس على رقاب حرياتنا بأقدامنا، إنني بطبعي أبغض الجحود، ولا أحمل كرهاً لوطني..

لكنني أرفض أن أحيا في أرض تلتهم حريتي وتصادر كينونتي باسم الأعراف والتقاليد»، هذه العبارة تلخص رواية «سيقان ملتوية» للكاتبة والأديبة زينب حفني، ترصد فيها هموماً نسوية وقسوة المجتمعات أحياناً، حيث تلتوي سيقان أفراده، فيصبحون عاجزين عن التحليق في فضاءات التعبير عن الذات، يعانون مرارة العادات والخوف من نظرات المجتمع.

تساؤلات

تساؤلات كثيرة طرحتها الكاتبة في روايتها، تتعلق بإمكانية الهروب من لعنة المساءلات التي تلاحقنا مهما ابتعدنا عنها، لتستعرض الإجابات على هيئة أشخاص مثقلين بالهموم، بطلتهم «سارة» الشابة السعودية المولودة في لندن، والتي تركت منزل عائلتها بعد خلاف شب بينها وبين والدها «مساعد»، المتمسك ببقايا العادات والتقاليد..

فآثرت الرحيل هرباً من عقليته، إذ يطمح لبيت يفرض فيه سلطة الأب المكتسبة من واقع المجتمع. لم تناسب طبيعة هذا المجتمع سارة فهربت منه أكثر من مرة، وبعد العودة تتأكد أن هروبها كان القرار الصحيح، فالمرأة مظلومة تعاني بصمت من القسوة والإجحاف، ولا حق لها بالتذمر، لأنها بذلك تتمرد على النعمة.

جذور

وتكتمل فصول الرواية مع مريام، البريطانية التي تقع في غرام يوسف، الشاب السعودي الذي يعيش مع إحدى الأسر البريطانية ليتعلّم في إحدى الجامعات..

 ويعيش قصة حب مع ابنة هذه العائلة تنتهي بتخرجه في الجامعة وعودته إلى بلده، وإنجاب مريام لطفلة منه لا يعلم عنها شيئاً بعد انقطاع التواصل مع أمها، لتتحمل مريام بذلك قسوة عقلية ترفض تزويج أبنائها من خارج الجنسية والدين، لتربي ابنتها ربيكا لوحدها، فتصبح المرأة الغربية أيضاً ضحية لمجتمع عربي بفكره المنغلق.

ومع زياد الشاب الفلسطيني تصرخ الأرض بكل عنفوانها، لتكمل طرح الأسئلة التي لا تنتهي، فالتمسك بالجذور باقٍ حتى في بلاد الغربة، ملامح البيت تتحسس وجه فلسطين، وكل تفاصيل المنزل واللهجة تنطق باسمها، ورغم ذلك تطل قناعة هزلية برأسها لتقول «لم أعد أصدّق أنّ هناك وطناً اسمه فلسطين كان له وجود على خريطة العالم العربي»، هو إحساس بالألم لا يوازيه سوى محاولات يائسة لاسترداد وطن أصبح في خبر كان.

جرأة وخضوع

«سيقان ملتوية» زينب حفني من ضمن إصدارات دار نوفل في بيروت، وتمتاز بجرأتها وصراحتها في عرض مشكلات حقيقية تعاني منها المرأة العربية وخضوعها لسلطة الرجل، وأهم هذه المشكلات حرية المرأة التي يرسمها لها الذكر بالقلم والمسطرة.

غلاف الرواية لافت إلى حد إثارة الفضول، وفيه ذكاء من حيث كونه قصة بذاتها، فسيقان الأنثى التي اختارتها الكاتبة ملتوية وخجولة، وخطواتها متعثرة، لا تقوى على السير، وحقيبة السفر الثقيلة التي تحملها مملوءة بأفكار مجتمع متعنت يمنعها من الحركة، فهل هذه السيقان دلالة على المرأة العربية، في ظل سلطة ذكورية تفرضها الأعراف والتقاليد.

وقد نجحت الكاتبة في 95 صفحة في طرح أفكارها بسهولة ووضوح، فكل قصة تعبر عن قضية بحد ذاتها، وكل قضية تجرح في قلب المرأة العربية إلى حد النزف.

وبين هذه الأفكار والقضايا نلمح كاتبة متمكنة ترصد التفاصيل بكافة أبعادها وأعماقها، وتضع القارئ في صورة أحداث متسلسلة، ليجد نفسه في قلب لندن، يجول في شوارعها مع مساعد بحثاً عن سارة، ويشارك زياد طموحاته، ويعبر عن فرحته برقص الدبكة مع عادل، ليشارك ربيكا صدمتها في التعرف على والدها الحقيقي.

المؤلف في سطور

 

زينب حفني كاتبة وأديبة سعودية تنتمي إلى جيل الوسط، لها الريادة في كشف النقاب عن الكثير مما هو مسكوت عنه فيما يخص قضايا المرأة والمجتمع، لها إصداران سابقان بعنوان «ملامح» و«سادة لحبك» أثارتا الجدل لجرأتهما.