يتناول كتاب «بتينا» لمؤلفيه: الجزائري علي الحاج الطاهر والألماني هانس كارل باش، سيرة حياة الفنانة التشكيليّة الألمانيّة «بتينا هاين عياش»، التي تعرفت إلى زوجها الجزائري عبدالحميد عياش في باريس، وانتقلت للعيش معه في مدينة (قالمة) بالجزائر منذ العام 1963، حيث وجدت «وهي الأوروبيّة» بيئة جديدة طالما أثارت خيالات وأشواق المبدعين الأوروبيين..
وأثّرت في إبداعاتهم، كونها لا تزال - في جوانب كثيرة- بكراً مقارنةً بالبيئات الغربيّة. وهكذا وجدت هذه الفنانة في الجزائر وأهلها منهلاً جمالياً ثراً لأعمالها التي كرستها للمناظر الطبيعيّة، ومشهد القرى والدساكر، والوجوه «البورتريهات»، وعالجتها بأسلوب فني واقعي مشوب بروح التعبيريّة الألمانيّة المتقاطعة مع روح الفريسك والزجاج المعشق.
صدر الكتاب بثلاث لغات هي: الألمانيّة والفرنسيّة والعربيّة، والنص العربي كتب بخط اليد مترجماً عن النص الفرنسي الذي وضعه علي الحاج الطاهر، ووضع النص الألماني هانس كارل باش.
يُشير علي الحاج الطاهر إلى أن بتينا أحبت الجزائر، وتقبلها المجتمع الجزائري كأحد أعضائه، بحيث أصبحت الرابطة بينهما تسري في عروقها، وأصبح حبها لهذه البلاد وشعبها مماثلاً تماماً لحبها لوطنها الأصلي ألمانيا، وهو ما تجلى بوضوح كبير في لوحاتها التي تنفذها بالألوان المائيّة، وهي من التقانات الصعبة والشديدة الحساسيّة.
شكّلت الجزائر كشفاً مدهشاً لهذه الفنانة التي قامت بتصوير معالمها الطبيعيّة وناسها بكثير من الانفعال والصدق والحب. فطبيعة هذه البلاد الكريمة التي تعانق كل من يحبها، حرّكت مشاعر بتينا، وزادت من حساسيتها، ومنحت فنها أصالة عميقة، قاربت من خلاله أسرار جمال الكون، والنغمات الإلهيّة، الأمر الذي حَمّل أعمالها أبعاداً ميتافيزيقيّة.
فهذه الفنانة (كما يقول الطاهر) لا تنظر إلى الطبيعة نظرة أنانيّة كأتباع مذهب اللذة، ولكن تنظر لها بتعطش شديد، وحماسة مع إعجاب واستغراب وسحر وتأمل. تقول بتينا:
أشعر، أرى، وأسمع عجائب في الطبيعة. لهذا فإن كل لوحة من لوحاتها، تقدم لوناً من ألوان الجمال. لقد تحملت بتينا الكثير في بحثها لكي لا تُدرك ظواهر الأشياء فقط، وإنما سعت لإدراك تركيبها وجوهرها وأسرارها. هي تصوّر الحقيقة وتتجاوزها، وتصوّر الأشياء وما وراءها. تبحث دائماً عن الحقيقة. كل لوحة من لوحاتها المائيّة اكتشاف يحررها ذاتياً كأنها ولدت من جديد.
بتينا تصوّر في الهواء الطلق. تواجه المنظر الذي تكاد أن تخلقه من جديد، في الوقت الذي يُفضّل فيه الفنانون حبس أنفسهم في مراسمهم أو مخابرهم. يغلب اللون الأخضر على أعمالها. تصوّر نبض الحياة وخفقاتها في الطبيعة لدرجة أنها تُدرك نسمات النسيم الخفيفة، وأبسط الانفعالات على وجه الإنسان.
فتصوير الرجال بالنسبة لها رسالة مقدسة، وعمل أخلاقي. تصوّرهم وهم في صراع مع أحلامهم ومشاكلهم وشواغلهم الكبرى. والأزهار والنباتات التي تناولتها ليست للتنميق، بل لها دلالاتها، فهي تخلق جواً نفسياً حول المشهد يُترجم عالمه الداخلي، لاعتقادها بوجود علاقة بين الإنسان وعناصر الطبيعة.
تصوّر بتينا مدناً ومنازل وفق نمط الفن المعماري الجزائري، مدركةً دائماً الحرارة الإنسانيّة ونبض الحياة في المدن، والمنازل. كما تدركها على الوجوه التي تحبها. لاعتقادها أن التصوير بدون قوة المحبة، يبقى مجرداً وفارغاً من محتواه.
المؤلف في سطور
علي الحاج الطاهر وهانس كارل باش ناقدان مهتمان بالتشكيل والفن، وبتينا هاينن عياش «موضوع الكتاب» ولدت في مدينة زولينغن بألمانيا عام 1937. درست الفن لدى أرفين يوفين، ثم تابعته في عدد من الأكاديميات الألمانيّة والنرويجيّة والفرنسيّة. انتقلت للعيش في بلدة قالمة الجزائريّة العام 1963. تعرفت إليها دمشق العام 1984 من خلال معرضها الفردي الذي أقامته في المركز الثقافي الألماني «غوته».