يتناول كتاب «أدب الكديّة في العصر العباسي/ دراسة في أدب الشحاذين والمتسولين» لمؤلفه أحمد الحسين، ظاهرة «الشحاذة»، التي تحمل من الطرافة والغموض، ما يُغري على البحث فيها ودراستها وتتبع الأدباء الذين تناولوها في كتاباتهم، وهم كثر.
والكديّة تعني صلابة الأرض، والإلحاح في السؤال، وهي كما يعتقد البعض لفظة فارسيّة مُعرّبة. أما الشحاذة فمصطلح يُطلق على حِرفة السؤال، وهي أكثر رواجاً في الاستعمال من لفظة كديّة، وهي إما عربيّة، أو عاميّة، أو مُعرّبة. وعبارة (الساسانيّة) مرادفة للكديّة، لكن لا علاقة لها بالأسرة الساسانيّة التي حكمت إيران.
وحرفة الكدية أو الشحاذة، لم تقتصر على عصر أو مكان بعينه، فقد شهدها الشرق والغرب على حد سواء، وهي بشكل عام، ظاهرة اجتماعيّة لها أسبابها السياسيّة والاقتصاديّة والدينيّة، عدا عن كونها مهنة مريحة لا تحتاج لجهد أو رأسمال.
مجتمع المكدين
يُشير الكتاب إلى أن المدن شكّلت مراكز استقطاب لتجمعات المكدين الذين غشوا المساجد والأسواق والساحات العامة، يستجدون فيها، ويُسلّون الناس بألعابهم وهراش حيواناتهم. لا يستقرون في مكان، ولا يحضنهم بلد واحد. وهم أجناس وأقوام شتى، ولهم أساليبهم وأدواتهم المختلفة في الاحتيال والشحاذة، بعضها يعتمد على السحر والكيمياء والتنجيم، وبعضها الآخر على الدين والعلاج والمداواة وفصاحة اللسان..
حيث بقيت فئات منهم تنهج نهجاً صريحاً في استجدائها، معتمدة على فن القول، وبلاغة الكلام، بدلاً من اختلاق العاهات والأمراض، لكن عبارات الاستجداء المباشر لا ترقى إلى المستوى الأدبي الذي وجدناه لدى الخطباء المكدين وقصّاصيهم ووعاظهم الذين نالوا شهرةً واسعةً لدى العامة والخاصة، ما أدى إلى ظهور ثلاثة نماذج، استغلوا الخطابة والقصص والوعظ في كسب المال من الآخرين وهم: الخطيب، والقاص، والواعظ.
شعراء الكدّية
يرى الكتاب أن شعر الكدية لم يستطع أن يُحلّق في الآفاق الواسعة كما حلّق الشعر الرسمي، وهذه سمة له نابعة من طبيعة مهنة أصحابه، واقتصاره في الأغلب على تصوير أحوالهم، ووصف فئاتهم.
ولما كانت فئة المكدين من الفئات الاجتماعيّة الوضيعة، فقد أُهمل شعراؤهم، الأمر الذي أدى إلى ضحالة المعلومات الشخصيّة المدونة عنهم في المصادر العربيّة، أو تضاربها. ولعل الصاحب بن عبّاد هو أكثر مَن اهتم بهم، ورعى الأدباء الذين دونوا نتفاً متفرقة من أخبارهم وأشعارهم كالثعالبي والتوحيدي والتنوخي.
ويشير الكتاب إلى أن شعر الكدية كشف عن صورة واحدة من حياتهم هي (الكدية المشوبة بالمجون) ولم يكشف عن أحوالهم الشخصيّة، وربما كانت رغبة المكدي في طمس معالم هويته الشخصيّة وراء ذلك، ما خلق صعوبات جمة في عملية التعرف إليهم، أو الإحاطة بهم جميعاً، ولذلك ما أثبته الكتاب يمثل أشهر شعراء الكدية ومنهم: أبو خرعون الساسي، وأبو المخفف، والأحنف العكبري، وأبو دلف الخزرجي، والأقطع الكوفي.