يؤكد كتاب «هيمنة ناعمة.. صعود وتراجع القوة الناعمة المصرية»، لمؤلفه د.أحمد محمد أبوزيد، أن مجموعة التغيرات التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أسهمت في تغيير أشكال وأنماط ووسائل القوة في العالم المعاصر، وعلى كل الأصعدة والمجالات، ما أدى إلى تغير وتحول طبيعة ظاهرة القوة في العالم، ويرى في كتابه أن هذا التحول في القوة الدولية كان له وجهان..

الأول هو ما يسمى بانتقال القوة، ويعني انتقال مراكز القوة من قوى ودول ومجتمعات بعينها، إلى مناطق وقوى ودول أخرى صاعدة. والوجه الآخر هو ما يسمى بانتشار أو تشظي القوة والذي يعني كسر احتكار بعض الأطراف للممارسة العمل السياسي والدبلوماسي عامة، نتيجة بزوغ وتزايد عدد الأطراف الفاعلة في النظام العالمي، خصوصا في مجال قضايا الأمن القومي والدولي.

وفي ضوء هذا يعتبر أبوزيد مفهوم القوة الناعمة بالأساس، نوعا أو وسيلة من وسائل الممارسة الدبلوماسية، ظهرت وأينعت بصورة نظامية وكممارسة فعلية منذ أواخر القرن التاسع عشر في عز التوهج الإمبراطوري لبريطانيا الفيكتورية، ليس للترويج للقيم والثقافة الإنجليزية..

فذلك هدف فرعي، بل لإحكام السيطرة والهيمنة على المستعمرات البريطانية حول العالم، فالدول والقوى الدولية في نهاية الأمر مثلها مثل البشر تسعى إلى السيطرة وتوسيع حجم قوتها وأمنها الذي هو جوهر السياسة الدولية.

ويلفت أبو زيد إلى الحاجة الماسة إلى تقديم نقد عربي منهجي لمفهوم القوة الناعمة على خلفية اعتبارات علمية وعملية عدة، فهذا المفهوم يعتبر من أكثر المفاهيم تداولاً في الكتابات العربية خلال السنوات الأخيرة، من دون ممارسة الضبط الكافي لاستخدامه أو توظيفه، بشكل أفقده أحياناً ملامحه الدلالية، لصالح حالة من الاستعراض الفارغ. الأمر الذي أدى إلى أن تكون المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم التي تشهد اختلالاً بنيوياً في ممارسة القوة الناعمة.

ويحلل أبوزيد في كتابه على مدار ثمانية فصول، ماهية القوة في العلاقات الدولية ثم مفهوم القوة الناعمة والقوة الناعمة الأميركية والقوة الناعمة لدول الخليج العربي، ثم القوة الناعمة المصرية: صعودها وتراجعها ومحاولات استعادتها مكانتها بعد ثورة 25 يناير.

وبعد أن يتوقف عند مظاهر صعود دول الخليج سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، يشير المؤلف إلى أن المظهر الثقافي لصعود القوة الناعمة لدول الخليج العربي، يتمثل في الصعود الفني والأدبي والاعلامي والتقني والأدبي الفكري الخليجي، حيث أصبحت مدن عربية خليجية، مثل:

 الكويت والمنامة ومسقط والشارقة وأبوظبي ودبي التي يوجد على أراضيها أكبر عدد إقليمي من محطات الإذاعة والتليفزيون وشركات الإعلام «مدينة دبي للإعلام».. إلى جانب كبرى الشركات العالمية في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات «مدينة دبي للإنترنت». ويلفت المؤلف إلى أن تلك الحواضر العربية عواصم ثقافية جديدة، تماثل وتضاهي تماما القاهرة وبغداد وبيروت وغيرها من العواصم الأدبية العربية الكلاسيكية.

كما يبين الكتاب أن دول مجلس التعاون الخليجي تقدم أكبر دعم وتمويل للمجالات الفكرية والأدبية عربيا.ويحاول أبوزيد في النصف الثاني من الكتاب تطبيق مفهوم القوة الناعمة على النموذج المصري، بداية من اندلاع ثورة 1952 واستغلال وتوظيف الجمهورية المصرية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، قوة القيم والمعايير السياسية والثقافية المصرية لتحقيق المصالح الوطنية المصرية وتوسيع نطاق النفوذ المصري في مجال السياسة الخارجية وتدعيم مكانة مصر الإقليمية والدولية، ثم يتناول تراجع القوة الناعمة لمصر في أواخر القرن العشرين وبزوغ أشكال عربية وإقليمية أخرى غير مصرية للقوة الناعمة، مثل القوة الناعمة اللبنانية والإيرانية والتركية والخليجية وغيرها، وتأثير ذلك على المصالح الوطنية المصرية وعلى مستقبل توازن القوى الإقليمي في الشرق الأوسط خلال النصف الأول من القرن الـ 21.