يكشف كتاب «الخيال وشعريات المتخيل»، لمؤلفه الدكتور محمد الديهاجي، عن مفاهيم الخيال والتخييل والصور والفروق والتمايزات الثانوية فيما بينها، مثبتاً أن التخييل إعمال حقيقي لملكة الخيال وتجلٍّ من تجلياته، وأن الصورة فعل بالضرورة يرتكز على هذه الملكة..

ويلاحظ أن الظاهرة الخيالية ترعرعت في أول الأمر في كنف المبحث الفلسفي قبل أن تنتقل إلى الدرس النقدي البلاغي، موضحاً أن الشعرية العربية، في عمومها، مجرد شعرية ارتكاسية ترى في كل نزوع تخييلي شقاً لعصا الطاعة في ظل سلطة الإجماع.

تصور جديد

وتتناول الدراسة في الفصل الأول قضية الخيال من المنظور الفلسفي ابتداءً بأرسطو، بصفته أول من أعاد الاعتبار للشاعر والمخيلة من خلال تصوره الجديد للمحاكاة، بعدما كان الاعتقاد راسخاً عند أفلاطون بأن خيال الشاعر نوع من «الجنون العلوي»، متصوِّراً أن الشعراء متَّبَعون وأن الأرواح التي تتبعهم قد تكون خيِّرة وربما تكون شريرة.

مواقف

وينتقل المؤلف إلى الحديث عن موقف الفلاسفة العرب والمسلمين من الخيال كالفارابي وابن سينا وابن رشد، الذين أعادوا استهلاك مبادئ الفلسفة الأرسطية، مستخلصاً من آرائهم أن القوة التخييلية هي دون مستوى العقل الصارم ونسقيته المنضبطة في محاولة استكشاف حقيقة هذا الوجود ودوائرها.

ويرى أن هذه النظرة المتحفظة تجاه التخييل في الشعر تسحب منه وظيفته المعرفية، وتحصر دوره في إثارة الانفعال فيالنفوس لا غير، مهملةً مجموعة من دوائر هذا الوجود التي يلفها الغموض وتمتاز بالعمق والكثافة والعتامة الوجودية.

ويدرس الدكتور الديهاجي في الفصل الثاني، الشعرية العربية بين الصورة والخيال، معتنياً بشرح مفهوم الصورة الشعرية وطبيعتها ومكوناتها التي يعرِّفها بأنها التحقق الشعري الساحر في فضاء الخيال الرحب، من خلال تحريك وتشغيل آليات البناء في الذهن والنفس معاً عند المبدع..

ويوضح أن ممارسة اللعبة الشعرية من داخل الصورة الفنية هي ممارسة للابتكار، لا ممارسة للتمثيل الذي لا ينفذ إلى عمق الأشياء وعمق الوجود المتجلي والغائر في الوقت نفسه، عازياً عمق الرؤية في التجربة الشعرية إلى سحر الصورة الفنية.

صفات واختلاف

ويتأمل الكاتب موقف البلاغيين القدماء من التشبيه لكونه عنصراً من عناصر البلاغة لا يخل بنظرية «الصدق والوضوح»، ويمثل أكثر الأنواع البلاغية أهمية بالنسبة إلى الناقد والبلاغي القديم، والحديث عنه بمنزلة مقدمة ضرورية لا يمكن إدراك الاستعارة والمجاز دونها، مستنتجاً أن التشبيه ما هو إلا علاقة بين طرفين يحافظ فيها كل طرف على تفرده وتميزه، حيث تكون صفات الاختلاف أكثر بكثير من صفات التقاطع.

بذور

ويختتم كتابه بقراءة في بعض مكونات بنية المتخيل الشعري المغربي كالمعاصرة والوعي المأساوي والاستعارة المنفتحة، محاولاً تفكيكها والوقوف عند إشكال الحداثة والمعاصرة الذي يحمل في طياته بذور التجاوز والتخطي المستمرين.