يُوثِّق كتاب «ديوان ماري عجمي»، لمحققه عيسى فتوح، سيرة حياة وأعمال الشاعرة والكاتبة السورية ماري عبده عجمي( 1888 – 1965). فيجمع لها في ديوانها 54 قصيدة ربما تكون هي كل ما كتبته من شعر، سيما وأنَّها المرأة السورية الأولى التي قضت حياتها تدافع عن استقلال سوريا وحريتها.
وكانت الشاعرة ماري عجمي قد درست فن التمريض في الجامعة الأميركية ببيروت سنة 1905. لكنَّها لم تكمِّل الدراسة بسبب انحراف صحتها. فاتجهت في البداية إلى التعليم، وعُيِّنت معلمة أولى في المدرسة الروسية في دمشق سنة 1906. ثمَّ راحت بعد ذاك التاريخ، تراسل الصحف والمجلات، مثل:
«المقتبس» في دمشق و«المهذَّب» في زحلة و«الإخاء» في حماة.. و«الحسناء» و«لسان الحال» في بيروت، طوال سنتين. ثمَّ انتقلت إلى الإسكندرية عام 1909، حيث عُيِّنت ناظرة لمدرسة الأقباط. فقضت سنة واحدة وعادت إلى دمشق لتنشئ مجلة (العروس) في كانون الأول 1910.
ومن أعمالها التي قامت بها ضمن نشاطاتها: تأسيس النادي الأدبي النسائي في حي القصاع بدمشق. ثمَّ جمعية نور الفيحاء وناديها.
وعن مجلتها (العروس) التي صدر العدد الأول منها في شهر ديسمبر من عام 1910، فإنَّها، كما يذكر الباحث فتوح، قد لعبت دوراً وطنياً مهماً وفعالاً إبان فترة الاستعمارين التركي والفرنسي. وكانت ماري توقِّع مقالاتها الخطيرة باسم «ليلى»، وتحت عنوان «حديث ذو شجون»..
وكان من كتَّاب المجلة آنذاك أدباء ومفكِّرون، مثل: روز شحفة، د. أنس بركات، جرجي نقولا باز«الذي كتب سير عشرات النساء اللامعات، زينب فواز، أديل عجمي، سلمى كساب، سلمى جنبلاط.. كما كتب في مجلتها»العروس«وبشكل دائم، أدباء وشعراء، منهم: أديب فرحات، أحمد شاكر الكرمي، سليم حمدان، عبد المجيد رمضان، جورج قصاص، إيليا أبو ماضي، محبوب الشرتوني، الرصافي، الزهاوي، بدوي الجبل، بشارة الخوري، ميخائيل الله ويردي، عبد الله النجار، قسطنطين تيودوري، جورج ميداني.
وكان ارتبط كفاح الآنسة ماري عجمي بالدرجة الأولى، بشهداء السادس من مايو/ أيار 1916. وتحكي عجمي أنه كان رد الفعل واسعا على جريمة إعدام شهداء أيار قيام الثورة العربية بقيادة الشريف حسين. فهُزم الأتراك، وقام الحكم الوطني. غير أنَّ فرنسا أعلنت حربها على سوريا المستقلة، فاقتحمت حدودها عام 1920.
وبعد أن تمَّ الاحتلال الذي لم ينقلنا إلاَّ من تحت الدلف – دلف الاستعمار التركي، إلى تحت المزراب- مزراب الاستعمار الفرنسي، على حد تعبير ماري عجمي، راح الفرنسيون يراودونها ويحاولون إقناعها بالكف عن مهاجمتهم في مجلة (العروس)، مقابل مبالغ ضخمة من المال تُدفع لها، لكَّنها رفضت أيما رفض، وزادتها المحاولات عناداً وتصلباً.. وحدَّةً في المهاجمة. وعندما أقضت مضاجع الفرنسيين بمقالاتها الثورية اللاهبة، ردوا عليها بتعطيل المجلة نهائياً. تقول ماري:
» بعد أيام قليلة انقضت على استيلاء فرنسا على دمشق، جاءني شرطي برقعة يدعوني فيها رئيس الوزراء إلى اجتماع أراد عقده، فخططتُ عليها كلمة (تبلَّغت) وأبيت أن ألبي الدعوة. وبعد انعقاد الاجتماع، سألت عن القصد منه، فقيل لي إنَّ مدير المطبوعات الفرنسية خطبَ في الحضور، وهم الكتَّاب، وعلَّمهم (كيف يكتبون) ووزَّع عليهم ورقاً بلا ثمن، ووعدهم بالمساعدة..«. وظلت تناضل وتنشط هكذا حتى شهدت جلاء آخر جندي فرنسي عن أرض سوريا في السابع من نيسان/ أبريل 1946.
وتوفيت ماري عجمي في 25 ديسمبر 1965 عن سبعة وسبعين عاماً. وأقيم لها حفل تأبين على مدرج جامعة دمشق عام 1966 تكلم فيه: فؤاد الشايب، رئيف خوري، جان كميد، وداد سكاكيني، د.كاظم الداغستاني، عفيفة صعب، أمين نخلة، د- جدعون محاسب.