يُعدُّ كتاب «جلوة المذاكرة في خلوة المحاضرة»، لمؤلفه صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة 764هـ، كتاباً أدبياً من كتب الاختيارات الموضوعية التي تقوم على عدد من الشعراء في أكثر من موضوع، مشكِّلاً حلقة في سلسلة تراثنا الزاخر بالمؤلفات التي ضمَّت أشتات عيون الشعر العربي.

ويرجع أصل هذا العمل إلى رسالة علمية نال بها المحقق أحمد رفيق الطحان درجة الماجستير في الأدب العربي القديم، واعتمد فيها على مخطوطة فريدة عثر عليها في دار الكتب المصرية، اتسمت بسلامة معظم أوراقها ووضوح خطها إلا في مواضع قليلة متفرقة، بعدما أثبت صحة نسبة الكتاب إلى صلاح الدين الصفدي، محتجاً بأدلة قوية راعى فيها ما ذكره المؤلف نفسه عن الكتاب في بعض مؤلفاته الأخرى، وما ذكره عنه من ترجموا له، إضافة إلى ما اتصف به أسلوب الكتاب من طريقة تأليف وترتيب وتبويب وافقت طريقة المؤلف المعهودة عنه في بقية كتبه.

ويمضي المحقق في دراسته التي تناول فيها التعريف بالمؤلف بذكر اسمه وكنيته ولقبه وشيوخه وتلاميذه ومصنفاته وتاريخ وفاته، متتبعاً ما ذكره الدكتور محمد عبد المجيد لاشين الذي استوفى معظم جوانب تعريف المؤلف في كتابه «الصفدي وآثاره في الأدب والنقد».

ومستدركاً عليه أسماء شيوخ الصفدي وتلاميذه وكتبه التي فاته ذكرها، ثم ينتقل إلى وصف المعاناة والجهد اللذين كابدهما في سبيل إيصال المخطوط إلى الصورة التي يراها أقرب ما كان عليه الكتاب المنقول من الأصل.

ويأخذ أحمد رفيق بيد القارئ المتعطش إلى معرفة التراث الأدبي وتذوُّق جمالياته الفنية، متجاوزاً به وعورة الحديث عن وصف المخطوط والمنهج الذي اتبعه في نسْخه ومقابلته وتخريج الأبيات وترجمة الأعلام وغيرها من خطوات العمل التحقيقي، إلى الحديث عن منهج المصنف في التأليف بصورة عامة، فيبيِّن أن صلاح الدين الصفدي مؤلف ذو ثقافة واسعة، إذ كان طالباً لعلم الحديث ومؤرخاً وأديباً وشاعراً وسياسياً، ولذلك انعكس هذا الأمر على أسلوبه الذي جمع بين الذوق الأدبي ومنهجية البحث.

واتباعاً لهذه المنهجية التي وسمت أسلوب المؤلف بصبغة مميزة، يلحظ المحقق أن الصفدي بنى كتابه على ثلاثة أركان: التوطئة، والمقدمة، والأبواب، وافتتح التوطئة بالثناء على الله تعالى والصلاة والسلام على النبي الكريم، ووصف فيها كتابه بأنه أوراق أودع فيها ما قذفته حافظته، موضحاً أنه انتخب منها خيرها، والتزم بألا يورد إلا ما رقَّ معناه وحسُن لفظه.

وأن هذه الطريقة حافظ عليها أهل الأدب من المتأخرين حتى عصره، بينما بيَّن في المقدمة فنون الشعر وألقابه، مستشهداً لكل فن بشاهد شعري رآه خير ما يمثِّل هذا الفن، ومعلِّلاً اختياره لتلك الشواهد بتعليقاته أو تعليقات غيره في أكثر الأحيان، أما الأبواب التي جاءت - وفقاً لرؤية المحقق - متتابعة بشكل متجانس، فبنى المؤلف فيها مادته على ثلاثة مفاهيم: الأغراض، والأبواب، والمعاني.

ويحاول تفسير حقيقة الجمال الفني عند الصفدي بصفته ناقداً له مشاركة أدبية واسعة ولديه مخزون أدبي كبير، محدداً عدداً من المسائل البلاغية التي عدَّها معايير الجمال التي اعتمد عليها المصنف في اختياراته الشعرية، وهي شيوع المصطلحات العلمية المبثوثة في بعض أشعار الكتاب وطغيانها على الرونق الشعري.

والقصد إلى إثارة الذهن من خلال المعنى العميق المخفي بطريقة ماهرة، وسهولة الألفاظ وقربها من الأسماع، إضافة إلى بعض ألوان البديع كالجناس المزدوج والجناس المغاير وجناس التصحيف وغيرها من الفنون البلاغية كالتشبيه والإغراق والغلو.

كشافان للقوافي

لا ينسى محقق الكتاب أحمد رفيق، أن يتمَّ عمله بصنع كشَّافَين للقوافي والأعلام يعينان مُطالع الكتاب على الوصول إلى المعلومة بأقرب سبيل، وقائمة للمصادر والمراجع غنية ببيانات الكتب التي اعتمد عليها في تحقيقه ودراسته.

وكذلك قائمة لمحتويات الكتاب الذي وجده يدل دلالة غير خفية على الاتجاه البديعي في القرن الثامن الهجري، مشيراً إلى ترجيح واضح في قضية اللفظ والمعنى خلال تلك المرحلة الأدبية.

المحقق في سطور

أحمد رفيق الطحان، شاعر وباحث مصري في مركز تحقيق التراث بدار الكتب والوثائق القومية المصرية، ولد عام 1985م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب العربي القديم من كلية الآداب بجامعة القاهرة ومقيَّد بالدكتوراه، وهو أحد تلاميذ شيخ المحققين الأستاذ الدكتور حسين نصار.

الكتاب: جلوة المذاكرة في خلوة المحاضرة لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي

تأليف: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي

المحقق: أحمد رفيق الطحان

الناشر: دار الكتب المصرية - القاهرة 2016

الصفحات:

348 صفحة

القطع: المتوسط