يركز الكاتب والباحث وليد فكري في كتابه «دم المماليك»، على أدق التفاصيل في تاريخ المماليك ومتغيرات تلك الدولة التي حضرت على الأرض المصرية وتناقلت زمامها أيد كثيرة في نهايات حيوات ملوكها. ويمهد المؤلف لكتابه باستهلال: أربعون انقلاباً عسكرياً على الأقل، فضلاً عن المحاولات الفاشلة، وأكثر من عشرين سلطاناً انتهت حياتهم بالاغتيال أو الإعدام أو شابت موتهم شبهة اغتيال.

بالإضافة الى مؤامرات ومؤامرات مضادة بين الأمراء بين بعضهم البعض أو بينهم وبين السلاطين. ويبين أن هذا جزء بسيط من حصيلة الاضطرابات في العصر المملوكي، الممتد بين عامي 1250م و1517م، والذي كان قانون تداول السلطة فيه هو قاعدة «الحكم لمن غلب» المنسوبة تاريخياً إلى السلطان العادل الأيوبي.

يتألف الكتاب من عدة مقالات تتناول متغيرات أحداث الدولة المملوكية، يبدأها الكاتب مع مقال بعنوان «إما في القصر أو في القبر»، ويقدم خلاله قراءة في مصير المماليك الذي اعتمد على جملة «هي لمن غلب» على مدار 250 عاماً منذ مقتل السلطان الظاهر بيبرس، وحتى سقوطهم على يد العثمانيين عام 1517م.

ويشير الكاتب إلى أنه مع قتل الظاهر بيبرس شهد عصر المماليك نهايات درامية لأكثر من 20 سلطاناً؛ إذ قتل خمسة منهم في حالات اغتيال، و12 حالة قتل للسلطان بعد عزله، وحالتا قتل خلال معركة بين السلطان وأعدائه، و5 حالات شابت وفاتها شبهات اغتيال، غالباً بالسم، وسواء بعد العزل أو في نهاية الحكم؛ ومع هذا لا ينكر المؤلف على تلك الحقبة الازدهار الملحوظ في مختلف المجالات.

وخلال فصول الكتاب، يفجر المؤلف تساؤلاً: «هل قطز هو الشريك الخفي في اغتيال عز الدين أيبك؟»، ويتابع قائلاً: «في مسألة أيبك بعض النقاط المثيرة للحيرة والتساؤل». ويشير إلى أن شجرة الدر زوجة أيبك وحاكمة مصر في ذاك الوقت لم تكن مثل أقرانها من النساء اللاتي تغلب عليهن العاطفة؛ لهذا لم يكن الدافع الأول للقتل هو الغيرة الزوجية؛ حيث إن أيبك حاول أن يدعم نفوذه وقوته وهو السبب الحقيقي وراء قتله.

أما عن دور قطز فيلفت الكتاب إلى أن قطز كان مؤمناً بنبوءة تقول إنه سيتولى حكم مصر ويهزم التتار، والتاريخ فيه الكثير من النماذج لمن صدرت عنهم أعتى الممارسات عن يقين، أن لهم في الحكم حقاً معلوماً ومسطوراً في لوح القدر، لا سيما أنه كان من رجال نجم الدين أيوب زوج شجرة الدر.

وفي المحطة الأخيرة من الكتاب، وتحت عنوان «قنصوه الغوري وطومان باي الثاني.. السقوط»؛ يتناول المؤلف وقائع كيفية ضرب إعصار الفوضى صفوف الجيش المملوكي، ومن ثم كيف تقدمت قوات سليم الأول حتى احتلت مواقع المماليك وأسرت الخليفة العباسي وثلاثة من قضاة الشرع الشريف الأربعة.

ويقول الكاتب: بقي طومان باي وحده، فتزين بزي العربان ولجأ إلى صديقه الشيخ حسن بن مرعي، شيخ إحدى قبائل العربان، في ملجئه وبدأ يفكر في سبيل تنظيم مقاومة مسلحة ضد العثمانيين الغزاة، ولكنه أفاق من خططه على تجريدة عثمانية اقتحمت عليه المكان ليقع أسير خيانة من حسبه يحفظ آداب الضيافة وإغاثة الملهوف؛ وبهذا يسدل الستار على الحكم المملوكي والدولة التي قامت على حد السيف.

وفي العموم، ينطوي الكتاب على جملة دلالات وإسقاطات، تشير إلى مجموعة من القضايا التي أثرت في حياة ومصير المجتمعات العربية في وقت لاحق. كما يؤكد المؤلف من خلال الاحداث التي يرصدها، أن المكائد السياسية كانت مستفحلة وسيدة الموقف في زمن المماليك، وأن من تولوا السلطة لم يكونوا ليوفروا أيا من المحيطين بهم، أقرباء كانوا أم أصدقاء وحاشية، في حال شكوا برسوخ ولائهم.

قايتباي

يتطرق الكتاب في سياق تناوله لاضطرابات العصر المملوكي، للحديث عن الأمير محمد بن قايتباي ومصيره المحتوم في مقال بعنوان: «محمد بن قايتباي.. القتل والتعذيب على سبيل التسلية». إذ يوضح الكتاب كيف شغف هذا الأمير بالقتل والتعذيب ولم يكن يأبه بمن حوله أو بمصلحة الشعب حتى قتل.

المؤلف في سطور

وليد فكري. باحث حر في مجال التاريخ، يمارس الكتابة التاريخية من عام 2009، له مقالات في عدد من المواقع الصحفية العربية، صدرت له كتب «تاريخ شكل تاني» و«تاريخ في الظل» و«مصر المجهولة».

الكتاب: دم المماليك

تأليف: وليد فكري

الناشر: دار الرواق للنشر والتوزيع- القاهرة- 2016

الصفحات:

193 صفحة

القطع: الكبير