صدرت سلسلة من الكتب، حول ما يرى فيه عدد من المؤرخين، أول مذبحة جماعية عرفها القرن العشرين. ويقصدون بذلك، ما لاقاه الأرمن في تركيا عام 1915. والصحافيان الفرنسيان لور مارشان وغيوم بيرييه، المقيمان في تركيا منذ سنوات عديدة، يكرّسان كتابهما المشترك لـ"تركيا والشبح الأرميني" كما يقول عنوانه الرئيسي. ويبحثان فيه "آثار المذبحة"، ذلك كما يشير العنوان الفرعي للكتاب.
يشير المؤلفان بداية، الى أن السلطات التركية تصرّ باستمرار على نفي مثل تلك المذبحة. لذا فهما اختارا إنجاز بحث ميداني يتقصيان من خلاله "ذاكرة المذبحة في تركيا الحالية"، كما يقولان في مقدمة العمل. ويؤكدان أنهما توصّلا إلى مقابلة العديد من الأتراك "ذوي الأصول الأرمينية"، الذين أخفوا كل ما يتعلق بهويتهم الحقيقية، لـ"النجاة من القتل"، كما توصّلا إلى مقابلة عدد من الأتراك الذين حمى وأنقذ أهلهم بعض الأرمن، من المصير الذي كانوا يواجهونه.
يشدد المؤلفان على أن تلك المذبحة وقعت بالفعل، رغم تعدد الروايات التي تقال وتكرر حيالها، وأحيانا بروايات مختلفة، من قبل الأتراك أنفسهم. وهنا يفتح المؤلفان قوسين، كي يعلنا بوضوح، أن الهدف من عملهما ليس تقديم البراهين على وقوع المذبحة ولا على نفيها، لكن لتبيان حقيقة أن "الشبح الأرميني" يلاحق الأتراك باستمرار.
ويشرح المؤلفان أن ما جرى في عام 1915 للأرمن، لا يزال يترك ظلاله السميكة على تركيا المعاصرة، الى الوقت الحالي. إذ هذا ما عايشاه من خلال أحاديثهما مع مواطنين أتراك، خلال عملية مسح ميداني نفذاها، شملت البلاد: من اسطنبول إلى ديار بكر.. ومن شمال تركيا إلى جنوبها.. ومن شرقها إلى غربها.
ويخلصان من خلال الشهادات التي يقدمانها، إلى ملاحظة أن الأرمن الذين يعيشون في الشتات. هم، في المرحلة الحالية، بصدد تجاوز مشاعر الحقد حيال الأتراك، كما يبدو من خلال استعدادهم لزيارة ما يسمونه "أرض الأجداد". ويوضحان في السياق، أن الأرمن في تركيا، لعبوا، ولا يزالوا، دورا في جعل المثقفين الأتراك يدركون، هم أنفسهم، أبعاد ما كان أجدادهم قد تعرّضوا إليه. هذا إلى جانب دورهم المهم في إطار العديد من الحركات السياسية التركية ذات التوجّه التقدمي بصورة عامة.
ولعل من أهم ميزات الكتاب، محاولة مؤلفيه إبراز مظاهر "الاستمرارية الإيديولوجية"، بين ما تعرّض له الأرمن سابقا، وواقع المجتمع التركي الحالي. والتأكيد في هذا السياق، على أن الوجود الأرمني، غدا قليلا جدا، حاليا، في تركيا، باستثناء مدينة اسطنبول. ولكن حضورهم لا يزال قائما في عموم البلاد، عبر مجموعة من التقاليد والممارسات والأغاني ذات المنشأ الأرميني.
وفي ختام الكتاب، ينقل المؤلفان عن أحمد داود اوغلو، وزير الخارجية التركي، قوله لهما في عام 2012، بمناسبة اقتراب الذكرى المئوية لـ"مذبحة الأرمن": "إننا بصدد البحث عن لغة جديدة حول مفهوم الذاكرة العادلة. إنني لا أسمّي هذا مذبحة، لكنني لا أقول شيئا إذا كان هناك من يقول انها كذلك".
مؤلفان في سطور
لور مارشان. صحافية فرنسية تعمل في "اويست فرانس"، في القسم الخارجي. كانت مراسلة لراديو فرنسا في إيطاليا والفاتيكان خلال سنوات 1992-2008.
اما غيّوم بيرييه، فهو صحافي فرنسي مقيم في مدينة اسطنبول التركية، أحد المتخصصين الفرنسيين بالشأن التركي. يسهم بالكتابة في عدد من الصحف والمجلات الفرنسية.
الكتاب: تركيا والشبح الأرميني
تأليف: لور مارشان وغيّوم بيرييه
الناشر: اكت سود - باريس - 2012
الصفحات: 221 صفحة
القطع: المتوسط
La Turquie et la fantôme arménienne
Laure Marchand, Guillaume Perrier
Actes Sud- Paris- 2012
221 .p