«تامبورا»، هو اسم جبل في جزيرة اندونيسيا، وهو لا يتردد كثيرا اليوم عند الحديث عن «البراكين الكبرى» التي عرفها العالم الذي نعيش فيه خلال الحقبة التاريخية الحديثة. بل نسمع كثيرا عن براكين أخرى ليس أقلّها أهميّة «فيزوف» و«اتنا» وغيرهما. لكن يبقى «تامبورا، هو البركان الذي غيّر العالم»، كما جاء في عنوان كتاب جيلن دارسي وود الأستاذ في جامعة «الينوا» الأميركية.
يصدر هذا الكتاب، كما يشير مؤلفه في المقدّمة، بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لـ«تفجّر بركان تامبورا» عام 1815. وتشمل الجوانب التي يتم التعرّض لها في هذا الكتاب ما يسميه المؤلف «الفوضى الكبيرة على صعيد أحوال الطقس»، ولكن أيضا تتم دراسة التاريخ الاجتماعي لتلك الفترة من خلال تداخله مع «علم المناخ» اليوم.
ومن المسائل التي يؤكّد عليها مؤلف الكتاب، أن البراكين تولّد عند انفجارها متغيرات كبيرة بالنسبة للأمكنة القريبة منهلاً جغرافياً. ويكون لها باستمرار، نتائج أبعد على المستوى الأوسع، هكذا مثلا لا يزال الجميع يذكرون كيف أن انفجار «تحت جبال الجليد» في أيسلندا عام 2010 أدّت سحب الرماد التي ملأت الأجواء فوق المنطقة إلى تعطيل رحلات الطيران خلال أسبوع من الزمن.
وإذا كان المؤلف يولي النتائج التي ترتبت على انفجار بركان «تامبورا» على الصعيدين الجغرافي والمناخي أهمية كبيرة، يبقى من أهم الجوانب التي يتم التعرّض لها في هذا الكتاب هو بالتحديد هذا الجانب المتعلّق بتأثير التغيّرات المناخية على البنى الاجتماعية التي تتحمل نتائج ذلك.
يشرح المؤلف في الصفحات الأولى من هذا الكتاب أن بركان «تامبورا» هو البركان «الموصوف بدقّة» الأكثر قوّة في التاريخ الإنساني الحديث، حيث زادت قوته عن أكثر من عشرة أضعاف القوّة التي عرفها بركان فيزوف، وأكثر من 10000 ضعف من قوّة القنبلتين الذرّيتين «مجتمعتين» اللتين قصف بهما الطيران الأميركي مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في مطلع شهر أغسطس من عام 1945 لوضع حدّ نهائي للحرب العالمية الثانية.
والصورة التي يرسمها المؤلف لذلك البركان، هو أن غيمة كبيرة من مادة «السولفات» غلّفت الكرة الأرضية من خلال الدوران حولها عدّة دورات وبحيث انتشرت في الأجواء ألوان تميل نحو اللون الأحمر واستلهم عدد من الفنانين بعض أعمالهم من ذلك المشهد. كما كتبت الروائية السويسرية ماري شيللي في عام 1816 ضمن روايتها الشهيرة «سنة بدون صيف».
لقد نجم عن البركان تشوّش كبير على صعيد منظومات الأحوال الجويّة من حرارة وبرودة على مدى ثلاث سنوات كاملة. ومن الظواهر التي يتم ذكرها تناقص درجات الحرارة في العام التالي، 1816 لتفجّر بركان «تامبورا» في النصف الشمالي من الأرض بما يتراوح بين نصف درجة وأكثر من درجة بقليل.
ويشير المؤلف في هذا السياق، إلى أن التبدّل المناخي الذي استمرّ ثلاث سنوات عقب تفجّر بركان «تامبورا» عام 1815 كان وراء انتشار وباء «الكوليرا» للمرّة الأولى على الصعيد العالمي. ومن النتائج الأخرى التي يسوقها المؤلف في تلك السنوات «فتح السبيل أمام المجاعة الكبرى في أيرلندا، ودفعت الولايات المتحدة الأميركية نحو أوّل حالة كساد اقتصادي عرفتها في تاريخها».
بالمقابل بدا خلال العقد التالي تواجد الجيش الصيني في بعض مناطق المحيط الأطلسي بعد أن «الانحسار المفاجئ» لتواجد الأساطيل الأميركية في ذلك المحيط. هكذا وصلت «مغامرات السفن الصينية» إلى البحار المتاخمة للفليبين، حيث بدأت ترفع الأعلام الصينية على بعض الجزر التي كانت موضع خلاف مع الدول الأخرى وفي مقدمتها اليابان «المنافسة آنذاك»، وحيث كان الصينيون قد «تناسوها» خلال عقود عديدة سابقة.
ويكرّس المؤلف العديد من الصفحات لشرح الآثار المأساوية التي خلّفها تفجّر البركان بالنسبة للبشر الذين عاصروا انفجاره.