أميركا هي القوّة الأولى عسكرياً بينما تمثل الصين القوّة الاقتصادية الصاعدة وكلتاهما تمارسان معاً ومنذ عقد كامل من الزمن «سباقاً حقيقياً في مجال القرصنة المعلوماتية المتبادلة»

ودور «الإنترنت» في الحرب المعاصرة، خاصّة في مرحلة «مراقبة الآخر» لمعرفة مدى قدراته وإمكانياته هو الموضوع الرئيسي لكتاب «شين هاريس»، الصحفي الأميركي المختص منذ سنوات عديدة في دراسة نشاطات وكالات الاستخبارات الأميركية العاملة في حقل الأمن القومي بمختلف مستوياته، الذي يحمل عنوان «الحرب، صعود المركّب العسكري ــ والإنترنت».

ما يشرحه «شين هاريس» على العديد من صفحات هذا الكتاب داعما ذلك بالوقائع والأرقام هو أن الولايات المتحدة الأميركية: القوّة الأولى في عالم اليوم عسكرياً، وجمهورية الصين الشعبيّة، القوّة الاقتصادية الصاعدة التي تطمح بوضوح إلى احتلال مقدمة المسرح على صعيد القوى العسكرية العالمية، بحيث تكون لها كلمتها في مختلف قضايا العالم، تمارسان منذ عقد من الزمن «سباقاً حقيقياً في مجال القرصنة المعلوماتية المتبادلة».

ويقدّم المؤلف بعض الأرقام التي تشير إلى واقع التطوّر الحاصل في هذا الميدان. هكذا يكتب أنه في عام 2013 كان قوام القوّة الأميركية العاملة في النشاط المعلوماتي هو 900 شخص. لكن وزارة الدفاع ترتقب زيادة هذه القوّة إلى 6000 شخص على الأقل في أفق نهاية عام 2016. بهذا المعنى يكتب المؤلف أن «الإنترنت غدا كساحة معركة».

في مثل هذا السياق يأخذ أولئك الذين يعملون في حقل «البرمجيات» دوراً متعاظماً فيما تُطلق عليه تسمية «الحرب الإلكترونية». من هنا أيضاً تغيّرت مصادر الخشية التي يمثّلها الأعداء والخصوم، ولم تعد الأهداف الاستراتيجية هي أبنية أو مؤسسات، بل غدا مصدر الخوف الذي يمكن أن يثير قلق الأميركيين الكبير هو أن يتم مثلا تعطيل «منظومات الانترنت» التي تمارس الرقابة على الاقتصاد الأميركي وأسواق البورصة وعمل الحكومة، وكذلك، وخاصة، المنظومات التي تمثل «صمّام الأمان» بالنسبة لقسم كبير من القدرة العسكرية الأميركية.

ويكشف المؤلف العديد من العمليات «الأميركية» ذات الطابع الاستخباراتي. هكذا يشير أن الولايات المتحدة الأميركية قامت بعملية «قرصنة معلوماتية» حيال نشاطات الرئيس المكسيكي لمعرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن «كارتل المخدرات» في بلاده. والصين وضعت «جاسوساً إلكترونياً» في الحاسوب المحمول لوزير التجارة الأميركي عند زيارة له إلى بكّين. وكذلك قامت بـ «اختراق» العديد من «حواسيب» مسؤولين أميركيين.

لكن مؤلف الكتاب ينقل عن «أحد قراصنة الإنترنت» السابقين الذي تحوّل إلى العمل في المجال الأمني الأميركي تأكيده أنه «ليس هناك اليوم مفهوم للردع في مجال التكنولوجيا الرقمية». وكل ما هناك هو أن «القرصنة» في هذا المجال من أحد الأطراف تقابلها «قرصنة» من أطراف أخرى. هكذا تبقى «الحرب في مجال المعلوماتية» جبهة مفتوحة أمام جميع الاحتمالات.

يشرح «شين هاريس» أن أجهزة الاستخبارات الأميركية المعنية بالرقابة «الإلكترونية» أظهرت في البداية «تباطا كبيرا» في ولوج عالم استخدام شبكات الانترنت كوسيلة في «الحرب بنسختها الرقمية». لكنها، أي الأجهزة المعنيّة، أظهرت فاعلية كبيرة خلال فترة قصيرة من الزمن. هذا قبل أن تعرف بعض التباطؤ من جديد بعد قضية «ادوارد سنودن» الشهيرة وما كشفه حول نشاطات تلك الأجهزة في جمعها من معلومات عن الآخرين.

ومن المسائل الأساسية التي يؤكّدها «هاريس» أن السنوات الأخيرة عرفت «اندفاعا كبيرا نحو المواجهة في ساحة الحرب الرقمية. ذلك أن الولايات المتحدة وخصومها انطلقوا في سباق محموم من أجل بناء ترساناتهم الرقمية على مدى العقد المنصرم والجميع اليوم يمكنهم الانخراط في سلسلة من العمليات عبر مجموعة من الأعمال مثل التجسس أو الرقابة أو القيام بعمليات تخريبية أو حتى بعمل عسكري هجومي أو دفاعي»، كما نقرأ.