كثيرة هي الكتب التي جعلت من سيرة حياة الجنرال شارل ديغول، قائد المقاومة ضد الاحتلال النازي لبلاده أثناء الحرب العالمية الثانية، ومؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة القائمة اليوم، موضوعاً لها بعد وفاته في شهر نوفمبر من عام 1970. وكان من بين آخرها العمل الذي قدّمه ابن الجنرال، أي الأميرال فيليب ديغول، عن والده حيث صدر منه مجلّدان.

وآخر سلسلة الأعمال عن الجنرال شارل ديغول كتاب يقدّمه حفيده، الابن الثاني للأميرال فيليب ديغول الذي كان في التاسعة عشرة من عمره عندما رحل جدّه. الحفيد المقصود هو «إيف ديغول»، خريج «المدرسة الفرنسية الوطنية العليا للإدارة ــ اينا» التي تخرّج منها عدد هام من قادة فرنسا السياسيين. ويحمل الكتاب عنوان «نظرة أخرى على جدّي شارل ديغول».

ما يؤكّده المؤلف منذ البداية هو أن هذه السيرة، من جهة، «ليست حيادية»، بالطبع فهي بقلم حفيد عن جدّه. ومن جهة أخرى هي «جزئية»، حيث إنها لا تلمّ بمختلف «الجوانب المتعددة» لشخصية الجنرال شارل ديغول. والإشارة أنه ليست هناك أيّة سيرة تجمع تلك الجوانب.

يكتب المؤلف ــ الحفيد: «كنت قد بلغت بالكاد التاسعة عشرة عندما رحل. هكذا أعيش متذكراً له طيلة 45 عاماً. وليس هناك يوم واحد منذ رحيله يمر دون أن أتذكّر ذلك البطل، جدّي القريب والبعيد في آن، حسبما كانت تقودني ذكرى أو صورة أو فكرة».

ويشير المؤلف أنه لن يتعرّض في هذا العمل للمسار السياسي ولأشكال فعل الجنرال في أحداث الفترة التي عاصرها. لكنه سوف يولي اهتمامه لشخصيته كـ «جدّ» عرف كيف يفرض نفسه على جميع أسرته، وكرومانسي متعقّل مؤمن بحيوية فرنسا وعمل على إيقاظها وعلى تجديدها.

أمّا السمة المشتركة التي كانت تربط بين الجنرال وحفيده فيؤكّد الأخير: إن الرابط الذي كان يجمعنا كان قبل كل شيء هو الأدب. ويشير في هذا السياق أن جدّه الجنرال كان بمثابة «آلة قارئة» منذ سنوات شبابه الأولى. وكانت قراءاته هي التي فتحت أمامه أبواب الكتابة التي مارسها بأسلوب رفيع لم يرق له سوى القليل من المبدعين الكبار.

بل ويحدد القول إن الجنرال كان يقرأ ثلاثة كتب كمعدّل أسبوعي حتى عندما كان في قصر الإليزيه. وكانت مكتبته في بلدته «كولومبي» تضمّ حوالي 2200 كتاب. أمّا الكتاب الذي قرأه وأعاد قراءته مرّات ومرّات فهو «مذكرات ما وراء القبر» لمؤلفه شاتوبريان في القرن التاسع عشر.

ومما يرويه المؤلف أن جدّه ــ الجنرال قرأ له ذات صباح بعض الصفحات من «مذكرات الأمل»، التي كان بصدد كتابتها. وبعد انتهاء القراءة سارا معاً في الحديقة. سأله الجدّ: ما رأيك؟ وأضاف: «بالتأكيد ليست على مستوى ما كتبه شاتوبريان». فأردف الحفيد: لكن يا جدّي مشروعك لا يوازي تماماً مشروعه. لقد تحدث شاتوبريان كثيراً عن التاريخ. لكنه ساهم فيه من بعيد. أمّا أنت فصنعته وتحدثت عنه. الأمران مختلفان».

ولا يتردد مؤلف هذا الكتاب ــ في التأكيد أن جدّته «العمّة ايفون»، كما يطلقون عليها، كانت كاملة الحضور إلى جانب زوجها. ويكتب ما مفاده أنه «بدون جدّته، ما كان للجنرال ديغول أن يصبح الجنرال ديغول». ويشير أن الجنرال كان يحرص على أن يتناول معها، بعد قيلولة بعد الظهر، الشاي عندما كان رئيساً.

وتأكيده أنها كانت تعطي رأيها «في كل شيء تقريباً». كما يشير أنها كانت هي التي تقوم بمراقبة «الاتصالات الهاتفية» بحيث لا تمرر منها للجنرال سوى ما تعتقد أنه لن يعكّر صفوه أو ما يكتسي أهميّة لا تحتمل التأجيل...«حسب تقديرها». وينقل المؤلف ــ الحفيد عن جـــدّه أنه كتب ذات يوم لجدّته ما مفاده «عزيزتي الصغيرة. لقد حط كل منّا بثبات رحاله بالقرب من الآخر».

ومن السمات الأساسية التي يؤكّد عليها ايف ديــــــغول لدى جدّه الجنرال أنه كان له موقف خاصّ مــن المال. وينقل عنه قوله: «لست بورجـــــوازياً. ولا أملــــك فكر ولا ممارسة تكــــــديس الثروات». لكن بالمقابل يؤكّد أنه كـــان يحرص على عدم الخلط بين المال الـــــعام والمال الخاص.

يذكر إيف ديغول بأشكال مختلفة في هذا الكتاب ــ الشهادة عن جدّه أن ما أثاره لديه من إعجاب لا يكمن في واقع الأمر بما فعله في الحياة والسياسة. ولكن بالأحرى طريقته في التفكير، التي بقيت لدى الشاب نـوعاً من الأسرار التي لن يستطيع فكّ رموزها. وطريقتــــه في فهم العالم ومشاكله وسبل التأثير في مسارات القضايا الكبرى.

المؤلف في سطور

إيف ديغول، هو حفيد الجنرال شارل ديغول والابن الثاني للأميرال فيليب ديغول. خريج المدرسة الفرنسية العليا للإدارة، التي تخرّج منها العديد من قادة فرنسا المعاصرة. يبلغ اليوم الخامسة والأربعين من العمر.

الكتاب: نظرة أخرى على جدّي شارل ديغول.

تأليف: ايف ديغول

الناشر: بلون - باريس ــ 2016

الصفحات: 304

القطع: المتوسط