هناك ظاهرة بدأت في التجلي مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.. وكان ذلك مع مغيب أربعينيات القرن العشرين.. ومع مطالع الخمسينيات وترجمت هذه الظاهرة تجلياتها في المرحلة التي حملت التوصيف التالي:
• مرحلة ما بعد الاستعمار (أو حقبة ما بعد الكولونيالية).
وفي طياتها، ظهرت على الساحة مجموعة الدول التي أفاقت من غيبوبة التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وتهيأت لاستشراف آفاق جديدة كانت تبشّر بآمال واسعة بغير حدود.
هنالك حارت مجاميع الدارسين والمراقبين والمتخصصين في توصيف هذه المجموعة من الدول والأمم التي بدأت مسيرتها في سنوات الخمسينيات.. ثم تجسدت الأوصاف في تسميات متباينة على نحو:
• الدول المتطورة
• البلدان الآخذة في النمو
وأيضاً:
• الدول - البلدان - النامية
ومع نهاية سنوات القرن الماضي، شرعت تشهد التسعينيات تسمية خاصة بالنسبة لأقطار جنوب شرقي آسيا التي أطلقوا عليها الوصف التالي:
.. النمور الآسيوية.
ومن هذه النمور ما انحسر عنه الأضواء. ولكن منها (الصين.. الهند مثلاً)، ما عاود المسيرة لينضم إلى كتلة مستجدة حملت اسم «البريكس».. ومنها أيضاً من لا يزال يحاول أو يكافح كي تتواصل خطاه على طريق التنمية والتقدم.
وفي السياق، اختار باحث مرموق في جامعة «جورجتاون» الأميركية، أخيراً، أن يرصد خطى تلك البلدان النامية.. ويحلل مسيرتها، ولكن من منظور يبدو أكثر تفاؤلاً وأعمق إيجابية. وهو البروفيسور ستيفن راديليت الذي أودع محصلة تحليلاته في كتاب عنوانه:
النهوض الكبير: صعود العالم النامي.. ثمار التحول الإنمائي.
وعبر فصول الكتاب، يتوقف مؤلفنا عند ما استطاعت أن تبذله فصائل الدول والشعوب النامية من جهود لا يمكن تقييم آثارها إلا من منظور المقارنة بين ما كانت عليه حياة تلك الشعوب من تخلف مقيت، اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً وتعليمياً، ولا سيما في حقبة السيطرة الإمبريالية-الغربية بالذات، في قارتيْ إفريقيا وآسيا. وبين ما استطاعت تلك الشعوب أن تحققه من نهوض ولو نسبي في حالات التنمية الاقتصادية- الاجتماعية، على السواء.
وهنا يوضح كتابنا كيف تجسدت ثمرات هذا النهوض فيما تحقق على أرض الواقع الأفرو- آسيوي من انحسار معدلات الفقر والجوع ومن مكافحة الأمراض الفتاكة ومن الانطلاقة إلى حيث استشراف آفاق أوسع للطموح.. إلى تحقيق التنمية الشاملة، وهو ما تجسد - كما يوضح مؤلفنا- في الأهداف الإنمائية التي أعلنتها منظومة الأمم المتحدة في شهر سبتمبر من عام 2015.
ثم يسترسل مؤلف كتابنا ليشيد بما أمكن إنجازه، وخاصة في أفقر أجزاء هذا العالم، ما بين الارتفاع بمعدلات العلاج وتيسير التعليم - الابتدائي بالذات، إلى خفض وفيات الأطفال دون الخامسة.
ويلاحظ قارئ هذا الكتاب كيف اهتم المؤلف، وبحكم خلفيته الأكاديمية، بتعزيز ما يذهب إليه من مقولات وما يراوده من أفكار، متفائلة في معظمها. ومن هنا، حرص على إيراد العديد من الإحصاءات والأرقام التي تعزز تلك المقولات، وخاصة ما يتعلق بجهود وبرامج منظومة الأمم المتحدة، ابتداء من إعلان «الأهداف الإنمائية للألفية» على نحو ما أشرنا إليه.
وكان ذلك مع مطالع القرن الحالي، وليس انتهاء بما أعلنته المنظومة الدولية مؤخراً من أهداف التنمية المستدامة، وعددها 17 هدفاً توافقت كل دول عالمنا من أجل العمل على تحقيقها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
من هنا تأتي طروحات هذا الكتاب، بكل نزعتها المتفائلة إزاء واقع الدول النامية، كي تنبه المسؤولين الحكوميين، ومَن يحفّ بهم من اختصاصيين ومستشارين في مجالات التخطيط الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، إلى ضرورة التوقف ملياً، ليس فقط عند ما تقضي به جماعات التكنوقراط الغارقين في دوامات الأرقام وأمواج التنظير ومحاكاة النماذج الأوروبية - الأميركية.
بل العمل، وهذا هو الأهم، على الربط بين سياسات التنمية - وخاصة في بلدان وشعوب العالم الثالث، وبين معاناة ومكابدة وآمال أفقر الفقراء في تلك الشعوب.
الكتاب: النهوض الكبير.. صعود العالم النامي - ثمار التحول الإنمائي
المؤلف: ستيفن راديليت
الناشر: مؤسسة سيمون آند شوستر
الصفحات:
368 صفحة
القطع: المتوسط